ملتقى الفكر الإسلامي العشرون 1986م في مدينة «سطيف» عن الإسلام والعلوم الإنسانية (تابع):
التسليم للأمر الواقع والرضا بقضاء الله:
لم أجد بدًّا من التسليم للأمر الواقع، والرضا بقضاء الله وقدره، فما يغني الغضب ولا الضجر ولا القلق شيئًا، لا يسعفنا في هذه الحالة إلا أن نقول: قدَّر الله وما شاء فعل.
إنَّ التسليم لقدر الله والرضا به في هذا المقام يريح المؤمنين الذين يقولون: {قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ} [التوبة: 51].
وبدون ذلك يتعب الإنسان كثيرًا، ويغلي من داخله، وكل ذلك على حساب صحته الجسمية والنفسية، وإن لم يغيِّر من الواقع كثيرًا أو قليلًا.
قال الرئيس المسؤول عن الطائرة المصرية: سنوفِّر لك أقصى ما يكون من الراحة والطعام والشراب حتى تصلح الطائرة، ونحن نأسف كل الأسف لما حدث، وهو ليس بأيدينا.
قلت له: لا بد أن تكون لديكم بدائل في مثل هذا الموقف، وإلا عرّضتم مصالح الناس للضياع، قال: هذا صحيح، ولكن دون ذلك عقبات وعقبات لا تخفى مثلك، ونرجو أن تقدّر موقفنا وضعف إمكاناتنا.
وظللت على أحرّ من الجمر طول النهار، حتى جاء المسؤول في المساء: يقول لي: إن الطائرة ستقلع إلى سويسرا في الساعة الثامنة مساء، ولكنها ستذهب إلى «زيورخ» وليس إلى «جنيف»، قلت: ولكن تذكرتي إلى جنيف، ومنها سأبدأ المحاولات غير المضمونة للوصول إلى الجزائر، قال: علينا أن نوصلك إلى جنيف، إن شئت بالباص فورًا، وإن شئت بالطائرة صباحًا.
قلت: أبعد هذا الانتظار، أركب الباص من زيورخ إلى جنيف لعدة ساعات؟ أَكُتِب عليّ الشقاء لأعاني هذا كله؟
قال: نحن آسفون، سنوفّر لك فندقًا قريبًا من المطار، وفي الصباح الباكر، تذهب إلى جنيف، وسيكون مندوبنا في انتظارك في مطار زيورخ ليساعدك، ويسهِّل عليك ما تريد، وآسفون مرة أخرى.
وهنا لا نملك إلا أن نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، والمسلمون يقولون في مثل هذا المقام: لعله خير، كل تأخيرة وفيها خيرة! {وَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيئا وَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡ} [البقرة: 216]، كل هذا ليُرضِّي الإنسان نفسه بالواقع، وإن كان مرًّا، وقد قال العرب: من غضب على الدهر طال غضبه! لأن وقائع الدهر ومفاجآته لا تنتهي.