خلال أيام قليلة زار الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني عدة ولايات وتجول بين مناطق متعددة، وذلك ضمن برنامج سنوي تنظمه الحكومة غالبا بمناسبة عيد الاستقلال ويتولى الرئيس تدشين منشآته الكبرى أو مجالاته الأهم، ويمنحه فرصة لتمرير رسائل سياسية، وتمتاز الزيارات الأخيرة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بأنها تأتي قبل أشهر قليلة من الانتخابات البلدية والنيابية، وتأتي أيضا قبل سنة تقريبا من انتهاء المأمورية الأولى للرئيس مما يجعل الطابع السياسي حاضرا فيها بقوة حتى وإن كانت في أساسها تنموية.
زيارة نواذيبو.. تثمين لقطاع الصيد
تمثل زيارة الرئيس لمدينة نواذيبو، مغزى سياسيا متعدد الجوانب، حيث شملت:
تدشين مصنع لتعليب أسماك السردين، باسم مصنع انتيكان المملوك لمجموعة أهل العباس، وذلك في سعي لتعزيز الاستهلاك المحلي وفرض مستوى من التنافسية
تدشين توسيعة للميناء المعدني وزيادة نسبة ضخ المعادن في السفن
تدشين 10 آبار اتروازية في مدينة بولنوار
إطلاق 11.7 كلم من الطرق الحضرية في مدينة نواذيبو
تدشين 706 سكنا اجتماعيا لصالح الأسر الأكشر هشاشة ولصالح 4236 فردا من أسر مختلفة
توزيع 568 قطعة أرضية مستصلحة لفائدة عدد من المدرسين في التعليم الثانوي والأساسي والمهني العاملين في الحيز الجغرافي لمنطقة نواذيبو الحرة.
وإلى جانب هذا المجال التنموي، فقد كانت هذه المنشآت المتعددة، رسالة سياسية إلى منطقة الشمال بشكل عام، ومدينة نواذيبو التي شهدت نسبة تصويت عالية لصالح مرشحي المعارضة خلال الرئاسيات المنصرمة، وتمثل أيضا رسالة تنموية تقطع الطريق أمام الدعاية السياسية للرئيس السابق وأنصاره والتي تركز في جزء منها على دعاية "إهمال وتهميش الشمال"
فتح منجم التماية.. رسائل سياسية في ثوب اقتصادي إلى أكبر شريحة عمالية في البلد
يمثل فتح منجم التماية ووضع حجر الأساس لمقر شركة معادن مشروعا أساسيا في البرنامج السنوي الذي راهنت عليه حكومة ولد الشيخ الغزواني لتدفع به إلى واجهة حصيلة إنجازات 2023.
لكن الأهم أن السلطة اختارت آخر شهر في السنة وقبل أشهر قليلة من الانتخابات لتستجيب لهذا المطلب وتحقق للمنقبين حلما سعوا إليه فترة طويلة.
ويحقق منح المنقبين هذا المنجم رسالتين إحداهما إلى شركات التنقيب الأجنبية العاملة في البلاد بإمكانية اتخاذ إجراءات عقابية ضدها إذا ما أخلت بالتزاماتها
وكان النظام قد منح منجم التماية لشركة تازيازت، فيما ظل المنقبون يسعون إلى الدخول إلى حيزه، لتجد السلطة بعد ذلك فرصة لضرب عصفورين بحجر، حيث تكون قد انجازت إلى المواطن في وجه مستثمر أجنبي، وفتحت بوابة ثراء واسعة أمام مئات الآلاف من المنقبين.
ويشغل التنقيب في موريتانيا قرابة نصف مليون شخص من بينهم مستثمرون كبار وتعاونية مهنية وعمال بسطاء، وتجاوزت مداخيل قطاع التعدين مداخيل قطاع الصيد البحري، وأصبح أكبر قطاع للتشغيل في البلد.
وبفتح هذا المنجم يكسب النظام مناصرة واسعة بين عمال المجاهر والباحثين في خناديد تيرس وإنشيري عن حبات الذهب.
لعيون.. تدشينات ورسائل سياسية
اختار الرئيس الغزواني أن تأخذ زيارته لمدينة لعيون طابعا سياسيا من حيث الخطاب الذي وجه للأطر، والذي عالج بشكل خاص أزمة الصراع السياسي داخل حزب الأغلبية، والتنافس المحموم على الترشح للمناصب الانتخابية المحدودة أصلا.
إضافة إلى المطالبة الصريحة للنخب والجماهير بدعم مشاريعه الكبرى في التعليم والزراعة والاستثمار والأمن الغذائي.
وحرص حزب الإنصاف على إظهار حجم الاستقبال الكبير الذي حظي به ولد الغزواني الذي حرص هو أيضا على توجيه رسائل إلى مختلف الأطراف من أجل مزيد من التهدئة وتغليب المصالح العامة على الخاصة.
وفي الحوض الغربي فإن لائحة التدشينات شملت توسيعة الشبكيتن الكهربائية والمائية، وإطلاق 7 كلم من الطرق الداخلية وإطلاق تشييد 700 كلم من طريق الأمل في أطول عملية تشييد طرق شهدتها البلاد منذ عقود، إضافة إلى تدشين 10 مقرات جهوية تضم في مجملها قرابة 651 مكتبا و310 ملحقات و10 مساجد، مع تجهيزات مختلفة.
بوكي.. رسائل على ضفة الإرث الإنساني
في بوكي أطلق الرئيس الرئيس الغزواني مشروع كهربة 9 قرى ضمن تابعة للمقاطعة، إضافة إلى توسيع شبكة الري في المدينة ومد شرايين الماء إلى مختلف أحيائها، لتلتحق هذه القرى بواحد وعشرين قرية تم ربطها بشبكة المياه خلال السنة المنصرمة.
وتأتي هذه الكهربة ضمن مشاريع أخرى من بنيها مشروع تزويد المناطق الزراعية في الضفة بالكهرباء، ومشروع توسعة وتكثيف الشبكات الكهربائية في المنطقة الجنوبية، ومشروع الحلقة الكهربائية بين كوركول وكيديماغا، ومشروع تزويد منطقة الضفة بالكهرباء.
وفي الرسائل السياسية لهذه الزيارة لم يكن اختيار بوكي اعتباطيا في عاصمة مدن الضفة ومنطلق مجموعة "هليبه" ذات الاهتمام بما يسمى بملف الإرث الإنساني، ومن خلالها يوجه ولد الشيخ الغزواني رسائل أخرى إلى سكان الضفة بشكل أوسع الذين صوتت أغلبيتهم ضده بأنه "يهتم بالجميع" وربما "يهتم بأصوات هذه المجموعة الضيقة" ويريد منهم التصويت له بعد الحصول على الإنارة ووضوح الرؤية تجاه إنجازات النظام على حد تعبير أحد مناصري النظام.
ذكرى الماضي المضطرب.. زيارات موسمية تعكرها حشود "قبلية" وحشر للموظفينن..
يرى بعض المراقبين أن هذا النظام يكررأخطاء أسلافه من الحلقات الماضية، فما إن يقرر الرئيس زيارةعمل لمنطقة من البلد حتى يسابق الساسة وزعماء القبائل الريح لسبقه إلى عين المكان فتبذر الأموال وتهدر الأوقات وتتعطل مصالح المواطن وتبقى العاصمة خاوية على عروشها، فتتبارى الكتل السياسية وتلك المتنفذة في عروض فلكلورية وكرنقالات لم تعد مقبولة في هذا الزمن لأنها من تراث الماضي، فهي خارج سياق الزمن وإكراهاته الملحة بأنماط الألفية الثالثة المتغيرة يوما بعد يوم.
واعتبر الوزير الناطق باسم الحكومة د. الناني ولد اشروقة أن زيارات الرئيس للداخل مهمة لما يترتب عليها من مزايا اقتصادية وتنموية، وأضاف لا أذكر دولة غربية إلا ويستقبل رئيسها بشكل محترم، وبالتالي فلكل مواطن الحق في التعبير عن ذلك بما يشاء، لكن لايمكن أن نمنع المواطن من التعبير عن رأيه فهذه المشاريع التي يدشن الرئيس أويضع حجرها الأساس تمس حياة المواطن ورفاهيته( الفيديو المرفق)
وكان الناطق باسم الحكومة يرد على سؤال لموقع الفكر هذا نصه:
" السيد الوزير المحترم
رغم الأمل المعقود في الرئيس محمد الشيخ الغزوان
يتفاجأ الرأي العام من الاستقبالات الكرنفالية والحشود القبلية، وحشر موظفي الدولة وتبذير الأموال التي تصاحب زياراته للداخل
وكذا مهرجانات الشروح لخطاب الرئيس، وشروح الشروح..
ألا تذكركم هذه المسلكيات بحملات قديمة كحملة الكتاب ومكافحة السمنة وغيرها من الحملات.
هل حقا عدنا إلى تسعينيات القرن الماضي؟"
وبين التنمية والسياسية يسير ولد الشيخ الغزواني الذي يرى أن حصيلة سنواته الأربع المنصرمة كانت حافلة بالإنجاز، حتى وإن رأى خصومه غير ذلك.