ملتقى الفكر الإسلامي العشرون 1986م في مدينة «سطيف» عن الإسلام والعلوم الإنسانية (تابع)
هجوم رشيد بن عيسى على المذاهب السنّية ومعتقداتها: (تابع)
دعوى مخالفة عمر للنصوص:
قال -منتقلًا عن الموضوع إلى غيره-: إنك ذكرت في كتابك «فتاوى معاصرة»: أن عمر بن الخطاب كان لا يعرف حكم التيمُّم، لولا أن عرَّفه بعض الصحابة بما ورد فيه من نصوص، والعجيب أنك قلت: إن هذا كان اجتهادًا منه أخطأ فيه، وهو مأجور على اجتهاده!
قلت: هو مأجور على اجتهاده أجر المجتهد إذا أخطأ، وهذه من روائع الإسلام: أن يثيب المجتهد المخطئ تشجيعًا للاجتهاد. ولكنه يعطيه نصف أجر المجتهد المصيب.
قال: ولكن هذا أمر بَدَهيَ من أوَّليات الإسلام التي لا يجوز أن تُجهل، فكيف يُثاب من جهلها، ويأخذ أجرًا على جهله؟
قلت: لكي نكون منصفين في تقديرنا للأشخاص، وتقويمنا للوقائع: يجب أن نضعها في إطارها الزمني، ففي ذلك الوقت لم يكن الحكم بالوضوح البيِّن لنا اليوم.
قال: ليس هذا أول حكم خالف فيه عمر النصوص.
قلت: كان من الأوصاف التي مُدح بها عمر: أنه كان وقافًا عند كتاب الله، ولقد ردّت عليه امرأة -وهو على المنبر- بآية من كتاب الله، فلم يسعه إلا أن يقول: أصابت امرأة وأخطأ عمر، وكل ما ادعوه على الفاروق رضي الله عنه، من دعاوى تجاوز النصوص: مردود عليها من العلماء الراسخين.
قال: مثل من؟
قلت: مثل العلامة الشيخ محمد المدني الذي نشر جملة مقالات قيمة في «مجلة الأزهر» تحت عنوان «نظرات في فقه عمر» فنَّد فيها كل هذه المزاعم الباطلة، وكم أتمنى أن تنشر في كتاب يجمعها.
موقف أهل السنة من الصحابة:
قال: أنتم -أهل السنة- تقدِّسون الصحابة، وإن كانت أخطاؤهم مكشوفة للعيان.
قلت: نحن أهل السنة لا نقدِّس الصحابة، ولا ندّعي عصمتهم، ولكنا نحبهم ونُجلّهم ونكرِّمهم، لأن الله في كتابه كرَّمهم وعظَّم منزلتهم في سورة التوبة، وفي أواخر سورة الأنفال، وفي أواسط سورة الفتح، وفي آخرها، وفي سورة الحشر، وفي غيرها... ويكفي قوله تعالى: {وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰنٖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ} [التوبة: 100]، وقوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗا} [الأنفال: 74]، وقوله سبحانه: {لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ} [الفتح: 18]، وقوله عز وجل: {مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗا} [الفتح: 29]. وقوله تعالى: {لَا يَسۡتَوِي مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَٰتَلَۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَعۡظَمُ دَرَجَةٗ مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَقَٰتَلُواْۚ وَكُلّٗا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰ} [الحديد: 10]، بالإضافة إلى قوله سبحانه: {ٱلنَّبِيُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَأَزۡوَٰجُهُۥٓ أُمَّهَٰتُهُمۡ} [الأحزاب: 6].
الثناء على الصحابة في الأحاديث النبوية:
أضف إلى هذه الآيات القرآنية: ما صحَّ في الثناء عليهم، والتنويه بفضلهم، من الأحاديث الشريفة النبوية، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»، وقد استفاض هذا عن عدد من الصحابة.
والحديث المتفق عليه: «لا تسبُّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا، ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه».
ثم جاء في أحاديث صحاح تنوِّه بفضل جماعة منهم، مثل: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وسائر العشرة المبشرين بالجنة، ومنهم طلحة والزبير، وآخرون مثل: ابن مسعود وابن عباس وأبي ذر وعمار وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأسامة بن زيد، وغيرهم.