ملتقى الفكر الإسلامي العشرون 1986م في مدينة «سطيف» عن الإسلام والعلوم الإنسانية (تابع)
هجوم رشيد بن عيسى على المذاهب السنّية ومعتقداتها: (تابع)
التزامي المنهج السنّي عن بيْنة:
أما أنا فقد آمنت بالإسلام عن بيّنة، والتزمت المنهج السنّي عن اقتناع...
وأنا لست لمذهب واحد في العقيدة أو في الفقه، فآخذ من الأشاعرة، وآخذ من الماتريدية، وآخذ من السلفية، بل لا مانع أن آخذ من المعتزلة: ما أكوِّن به تصوّرًا صحيحًا عن أصول الإيمان.
كما لا أتعصب لمذهب من مذاهب السنة في الفقه، بل أوزان بينها، وأتخيَّر منها وأدع، وأرجِّح ما أراه أقوى دليلًا، وأهدى سبيلًا، وأقرب إلى تحقيق مقاصد الشرع ومصالح الخلق.
أخذ هذا النقاش أكثر من ساعة من ساعات الطريق الأربع، التي نحتاج إليها، لنصل إلى سطيف، ثم صمت رفيقي، وصمت، طوال الطريق، فلم نكد نتكلم، حتى وصلنا إلى مقصدنا بحمد الله.
كانت هذه السفرة الطويلة الثقيلة، بساعاتها الأربع، وبرفقتها المشاكسة، ومناقشاتها المثيرة: إضافة إلى متاعب الرحلة الغريبة التي كانت مليئة بالمفاجآت، وبرغم هذا كله، وصلنا إلى مدينة سطيف، حيث ينعقد الملتقى، وأنشدنا قول الشاعر:
فألقت عصاها واستقرّ بها النوى كما قرّ عينا بالإياب المسافر!
ولكنّا هنا لم نقرّ عينًا بالإياب، بل قررْنا عينًا بالوصول...
إلى ملتقى الفكر في سطيف:
وعند وصولنا إلى «سطيف» ذهبنا إلى الفندق الذي نقيم فيه، وحططنا رحالنا وتركنا حقائبنا في حُجراتنا، ثم انطلقنا إلى الملتقى، الذي كان يمارس نشاطه في جلسته المسائية، وقبل أن أصل إلى القاعة، حتى هرول إليّ الوزير الأستاذ «بو علام باقي»، وهو من قيادات ثورة التحرير. وكان رجلًا فاضلًا حكيمًا، ومعه كبار المسؤولين في وزارة الشؤون الدينية، وقالوا: كنا في قلق شديد على عدم وصولك في الموعد المحدّد، والأدهى من ذلك أننا لم نعلم عنك أي شيء، فقد انقطعت الأخبار بيننا وبينك.
قلت لهم: لقد حدثت أشياء كثيرة أخّرتني عن موعدي، والحمد لله أني وصلت بعد جهد شديد ومعاناة.
إعلان الفرحة بوصولي:
وعندما دخلت القاعة: اشرأبت الأعناق، ورنت الأبصار، وتجاوبت القاعة بهتاف التكبير والتحميد.
وفي الاستراحة أقبل الطلاب والطالبات في شوق ولهفة، وكلهم يتساءلون: ماذا جرى؟ ويعلنون فرحتهم بوصولي ومشاركتي.
وشكرت الجميع على هذه العواطف الصادقة، وعلى حُسن ظنهم بي، وما أنا إلا جندي من جنود الإسلام، جنَّده الله للدعوة إلى هذا الدين، وشرح حقائقه، وبيان عقائده وشرائعه، والذود عن حياضه وحرماته.
فالحمد لله حمدًا كثيرًا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.