إلى قطر:
لم يقدَّر لنا أن نلتقي بعد ذلك لقاء مباشرًا، إلا في قطر، حيث كانت قطر تريد مديرًا للمعارف التي كانت محدودة في ذلك الوقت، وكان المسؤول عنها الشيخ قاسم درويش فخرو رحمه الله، فطلب من الأستاذ محب الدين الخطيب، الكاتب والمحقِّق الإسلامي المعروف: أن يرشَّح له شابًّا نابهًا يقوم بتوجيه المعارف في قطر، فرشح له الشاب النابه الكاتب الإسلامي المتألق محمد فتحي عثمان، الذي كان قد تخرج في كلية الآداب قسم التاريخ، من جامعة القاهرة. ولكن لظروف معينة، اعتذر الأستاذ فتحي عثمان، فرشَّح الإخوان بدله الأستاذ عبد البديع صقر. وسافر إلى قطر، التي كانت تخطو الخطوات الأولى في سبيل نهضتها، وأظن أنها لم تكن فيها مدرسة إعدادية، فضلًا عن الثانوية، في ذلك الوقت، سنة 1954م. ولم يكن هناك أي مدرسة للبنات، وكانت الحياة كلها بسيطة، أقرب إلى حياة القرية، أو البادية.
مع حاكم قطر الشيخ علي آل ثاني:
وكان ذلك في عهد الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني رحمه الله حاكم قطر، وكان رجلًا يحبُّ العلم والأدب، ومجلسه دومًا يضمُّ عددًا من العلماء والأدباء والشعراء، يقرأ فيه ما تيسَّر من الكتب في هذه المجالات، كما عُني الشيخ علي بطبع جملة وافرة من الكتب الشرعية والأدبية النافعة، وخصوصًا في الفقه الحنبلي، وفي التفسير والحديث والأدب والشعر.
وقد انضمَّ عبد البديع إلى مجلس الشيخ علي وأضحى قريبًا منه، وكان يذهب إلى بعض البلاد ليختار المدرسين منها، وخصوصًا سوريا والأردن وفلسطين، إذ لم يكن يستطيع دخول مصر في عهد عبد الناصر، ثم انضمَّ إليه عدد من المصريين الذين نجوا من محنة الإخوان سنة 1954م - 1956م التي اشتهرت بما فيها من قسوة وتعذيب، إلى حد سقوط بعض الأفراد شهداء تحت السياط، وكان من هؤلاء الناجين: كمال ناجي، وعز الدين إبراهيم، وعلي شحاتة، وعبد الحليم أبو شقة، وحسن المعايرجي، ومحمد الشافعي، وكلهم عملوا مع عبد البديع في المعارف.
الإشراف على مكتبة حاكم قطر:
ثم تغيَّر الوضع في المعارف، بعد أن أصبح مسؤولًا عنها الشيخ خليفة بن حمد ولي العهد ونائب الحاكم، وأُعفي عبد البديع ومن كان يساعده من المصريين، وكلف الشيخ علي حاكم قطر عبد البديع بأن يشرف على مكتباته في القصر وفي خارجه، وظلَّ كذلك حتى تنازل الشيخ علي عن منصبه إلى ابنه الشيخ أحمد بن علي، ليكون حاكم قطر، وقد قرَّب عبد البديع منه، وكان مشرفًا على مكتبته الخاصَّة، بجوار المكتبات العامة، وهو يجالسه تقريبًا في كل مساء.