وصلت إلى قطر في السنة التالية لتولّي الشيخ أحمد مقاليد الحكم، وجدَّدت الصلة بعبد البديع، بعد أن انقطعت منذ أيام الطور، وكانت لنا لقاءات، أحيانًا في قصر الحاكم أو في مكتبته بدعوة منه، أو في بيت عبد البديع، أو في بيتنا، أو في بيت الشيخ عبد المعز عبد الستار، حيث وصلنا معًا إلى الدوحة في سنة واحدة، كما كانت هناك صلة مودة بين أسرتي وأسرته التي تتكوّن من زوجته الفاضلة أم إبراهيم، وابنته الداعية الناشطة سناء، وابنيه النجيبين إبراهيم وأحمد.
مدير دار الكتب القطرية:
وبعد ذلك ضمَّت مكتبات حاكم قطر إلى وزارة المعارف «التربية والتعليم بعد ذلك»، وأنشئت منها «دار الكتب القطرية» وعيّن عبد البديع أول مدير لها، وقد ظلَّ في منصبه إلى أن غادر قطر سنة 1972م بعد الحركة التصحيحية التي قام بها الشيخ خليفة بن حمد، وَوَلي حكم البلاد بإقرار الأسرة الحاكمة، وتأييد الشعب القطري، وانتقل منها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث بقى فيها إلى أن انتقل إلى رحمة الله.
تعاوننا في محنة عام (1965):
ومن أهم الفترات التي التقينا فيها وعملنا معًا في قطر: سنة 1965م وما بعدها حين أصاب الإخوان في مصر ما أصابهم من محنة عاتية، هانت إلى جانبها محنة 1954م على قسوتها، وكان علينا نحن الإخوان في الخارج -وقد عافانا الله من البلاء- أن نعين أسر الألوف من المسجونين والمعتقلين، الذين فُصلوا من أعمالهم تعسُّفًا، وضُيِّق على أهليهم وعيالهم بكل سبيل، وقديمًا قالوا: قطع الأعناق، ولا قطع الأرزاق.
وكثيرًا ما كنا نجتمع في بيت عبد البديع: الشيخ عبد المعز، وكمال ناجي، وعز الدين إبراهيم، والفقير إليه تعالي، وبعض الإخوة، نجمع بعض التبرعات لتوصيلها إلى الأسرة المُمتحنة، ولنتعاون مع الإخوة في بلاد الخليج، فيما يجب عمله، من تكثيف الدعاية المضادة لإعلام عبد الناصر الكاسح، ولا سيما في موسم الحج تلك السنة، وقد تحدثت عن ذلك فيما سبق، على كلِّ حال، كان عبد البديع رجلًا نشيطًا، يحمل الدعوة فكرة في رأسه، وعقيدة في قلبه، وسلوكًا في حياته، وكان مُحبًّا لإخوانه، بارًّا بهم.
لطف معشره وفكاهاته ونوادره:
وكان لطيفًا في معاشرته، في فكاهاته ونوادره، وكان يزور بعض إخوانه، وبعد فترة قليلة يقول: أعتقد أننا قد شرَّفنا! وينصرف، وكان بيته مفتوحًا لإخوانه، وكان يدعو بعض الناس إلى الغداء عنده، ثم ينسى أن يخبّر أمَّ إبراهيم «زوجته» فيعود إلى المنزل ليجد الضيوف داخلين معه، ولم يهيئ أهل المنزل لهم الطعام، فيقدّم لهم الموجود، ويعتذر لهم، قائلًا: {وَمَآ أَنسَانِيهُ إِلَّا ٱلشَّيۡطَٰنُ أَنۡ أَذۡكُرَه} [الكهف: 63]، وكان أحيانًا يؤخِّرهم حتى يصنع لهم ثريدًا، ويقول: الثريد هو الطعام الذي يقبل القسمة على أي عدد! وكان يقول: على الداعية المسلم أن يفتح اعتمادًا دائمًا لتحمُّل البلاء في سبيل الله!
إنشاؤه «مدارس الإيمان» في الإمارات:
وبعد انتقاله إلى الإمارات، التقيت معه كثيرًا ولا سيما في جمعية الإصلاح في دبي، حين أُدعى لإلقاء محاضرة هناك.
وقد أنشأ هناك «مدارس الإيمان» في دبي وفي الشارقة، وقد زرتها ولمست ما فيها من نشاط وروح إسلامية سارية في جنباتها.
وظلَّ الرجل عاملًا لدينه ودعوته، حتى لقي ربه راضيًا مرضيًّا إن شاء الله.
رحمه الله وغفر له، وتقبَّله في الشهداء الصالحين.