كان وزير الأوقاف المصري د. محمد المحجوب عضوًا بالحزب الوطني الحاكم، وكان يحب أن يثبت وجوده، ويبرز نشاطه في خدمة الحزب وسياسته، وخدمة الرئيس وتوجهاته.
وكان قد التقاني في «مؤتمر ديوبند» بالهند، واستمع إلى كلمتي، ولاحظ أثرها في الناس، وذلك قبل أن يصبح وزيرًا، بل كان الوزير في ذلك الوقت أخانا العالم الباحث المتخصِّص في الحديث وعلومه الدكتور الأحمدي أبو النور، وكان أبو النور رجل علم أكثر منه رجل سياسة.
فلما جاء المحجوب أراد أن يثبت لمبارك أنه يستطيع أن يجنِّد له العلماء، ليكونوا سندًا لسياسته، يوجَّهون الشعب لنصرته، ويحاربون كل من يقول له: لا، بل من يقول له: لم؟ أو كيف؟
ويبدو من تصرفاته: أنه قد وضع في خطته أن يجنِّدني لغرضه هذا ضمن من يجنِّدهم، وغاب عنه قول أبي الطيب:
ومن يجعل الضرغام بازًا لصيده تصيده الضرغام فيما تصيدا!
وقول أبي العلاء: أرى العنقاء تكبر أن تُصادا فعاند من تطيق له عنادا!
المحجوب يحاول تقريبي من الرئيس مبارك:
قابلني مرة بالقاهرة، فقال: أنا أريد أن يتعرف الرئيس عليك، ويستفيد البلد منك، لذا أرجو أن تهدي إلى الرئيس مجموعة من كتبك، يتعرف من خلالها عليك.
قلت: ولكن معلوماتي أن الرئيس لا يقرأ، ولا يحب القراءة.
قال: إنَّ كتبك تمتاز بسلاستها وعذوبتها ووضوح فكرها، وجمال أسلوبها، فلعلها تجذبه يومًا إلى القراءة،
وحتى لو لم يقرأ هو، فقد يوجد في بيته من يقرؤها وينتفع بها، وعلى كل حال نعمل ما علينا، والباقي على الله،
وفعلًا، أهديت له عددًا من الكتب، وقلت في نفسي: علينا البلاغ، وعلى الله الحساب.
أول لقاء لي بالرئيس مبارك:
وبعدها بأشهر، جمعنا المحجوب، أنا ومجموعة من العلماء بالرئيس مبارك في قصره بمصر الجديدة... ولقد نسيت في أيَّ مؤتمر كنت، ولا أذكر من كان معي من العلماء، إلا الدكتور عبد الله عبد المحسن التركي رئيس جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وهي أول مرة ألتقي فيها الرئيس وجهًا لوجه، وقد أجلسني قريبًا منه ولم يكن بيني وبينه غير الوزير، وأذكر أن الرئيس سلَّم عليَّ بحرارة غير معتادة، ورَبَت على كتفي، وكان المحجوب حاضرًا، فقال لي: أرأيت كيف عاملك الرئيس معاملة خاصّة؟ أريد أن تكون الصلة بينك وبينه حسنة!
قلت له: أنا أود أن تكون الصلة بيني وبين جميع الناس حسنة، ولكني يا دكتور لا أحب زيادة الاقتراب من الحكام! فلست راغبًا فيما عندهم ولا طامعًا في دنياهم، وقد أخشى أن يتَّخذ ذلك ذريعة لتشويه سمعتي.