دأبت على حضور مجالس المنظمة ما وجدت سبيلًا لذلك، ما لم أكن مرتبطًا بأمر آخر لا يمكنني الفكاك منه، وهذا هو الواجب على الإنسان أن يعمله حين تتعارض أمامه المصالح، أو الخيارات بعضها وبعض، وهو ما نسمِّيه «فقه الموازنات»، وله أصل في الفقه وأصوله في باب «التعارض والترجيح».
وكان المجلس يعقد جلساته أول الأمر في الخرطوم، ثم رأى أن يعقد جلساته - ما استطاع - في العواصم الإفريقية المختلفة، تعريفًا بالمنظمة من ناحية، وتعرفًا على واقع البلد الذي يعقد فيه المجلس من ناحية أخرى.
وقد حضرت مجلسين مهمين في بلدين إفريقيين: أحدهما: في «كمبالا» عاصمة أوغندا. والثاني: في «دار السلام» عاصمة تنزانيا.
حضور مجلس المنظمة في كمبالا:
فأما المجلس الأول فكان في شتاء سنة 1987م في أثناء العام الدراسي، وكانت دولة قطر بصفة عامة، وجامعة قطر بصفة خاصة، تيسِّر لي حضور هذه الاجتماعات، والاستجابة للدعوات، لا تضع عليّ أي قيد، وتدع لي حرية التصرُّف في القَبول أو الاعتذار لما يأتيني من دعوات، وما أكثرها،
ونسيت كيف وصلت إلى «كمبالا»، لا أدري: أكان عن طريق القاهرة أم عن أي طريق آخر، -واختلاف النهار والليل ينسي، كما قال شوقي رحمه الله- وعلى كل حال، ذهبنا إلى هذ البلد الذي فيه أحد منابع النيل: البحيرات الكبرى التي كنا ندرسها في الجغرافيا، بحيرة فيكتوريا، وبحيرة ألبرت إدوارد، وألبرت إنينزا، ورأيت بحيرة فيكتوريا على سَعَتها،
واطَّلعنا على بعض المعالم في المدينة، ومنها: المسجد الضخم الذي أراد «عيدي أمين» الحاكم العسكري السابق إقامته، وقام على الأعمدة، وبقي غير مكتمل، ولا أدري إلام انتهى أمره اليوم.
وكانت كمبالا كمعظم بلاد إفريقيا السوداء، ينقصها كثير من مظاهر المدنية والرقي المادي والتكنولوجي، الذي يجعلها تعيش في عصرنا، عصر الثورات العلمية، وكان الفندق الذي نقيم فيه متواضعًا جدًّا، برغم أنه من أرقى الفنادق عندهم، حتى الطعام لا نجد فيه من التنوع ما نستطيع معه اختيار ما يلائمنا. كان معظم ما عندهم «الموز» يقدمونه في الوجبات الثلاث.
ومن اللطائف التي أذكرها: أني بحثت عن «الجبنة» فلم أجدهم يعرفون لها أثرًا، أو يسمعون لها خبرًا، وكان معنا وكيل وزارة الأوقاف الكويتي الأستاذ محمد بن ناصر الحمضان - وهو رجل فكه خفيف الروح - وقد اجتهد معي أن نجد مصدرًا نأتي منه بقطعة جبن فعجز وعجزنا، ورضينا بما قسم الله لنا. وظل بعد ذلك كلما لقيني بقول: تريد «جبنة» فأمازحه قائلًا: لقد صار لدى الأمة اليوم مخزون هائل من «الجبن». مورِّيا بحالة التقاعس التي ابتليت بها الأمة، وخصوصًا في قضية فلسطين.