مما أذكره: أن يوم الجمعة صادفنا في الاجتماع، فأخذنا الإخوة من المجلس الإسلامي الأوغندي إلا الصلاة في الجامع الكبير في المدينة، وطلبوا مني أن ألقي كلمة على المصلين بعد الصلاة، وقدمني أحد علمائهم بكلمة، كان مما قاله فيها: إنه صاحب كتاب «الحلال والحرام» الذي ترجم إلى لغتكم السواحلية وقرأتموه... ولم أكن أعرف قبلها: أن الكتاب ترجم إلى السواحلية.
وألقيت كلمة مناسبة، أقبل الناس بعدها عليّ يصافحون ويعانقون، وهو ما تفعله الروح الإسلامية أبدًا في كل مكان.
في دار السلام:
والمجلس الثاني: كان في صيف سنة 1988م، وكان في مدينة «دار السلام» عاصمة تنزانيا، وهو اسم عربي خالص، كانت تسمَّى به مدينة «بغداد» عاصمة الدولة العباسية، وهو يدل على مدى التغلغل العربي الإسلامي في إفريقيا من قديم، ولو كان المسلمون يحملون رسالة الإسلام بحق، كما يأمرهم دينهم، لتابعوا نشر الدعوة الإسلامية في هذه القارة التي دخلها الإسلام منذ عصر النبوة، ولكانت القارة الإفريقية «قارة إسلامية» بلا منازع.
انتشار الإسلام في إفريقيا:
لقد انتشر الإسلام في معظم إفريقيا بالسلم لا بالحرب، وباللسان لا بالسنان، وبأخلاق المسلمين لا بسيوفهم، انتشر عن طريق الطرق الصوفية، وعن طريق التجار المسلمين الصادقين، وحين دخل الاستعمار إلى إفريقيا في القرن الثامن عشر: وجد الإسلام فيها مستقرًا، ليس للنصرانية فيها إلا أقليات في بعض البلدان، مثل: مصر والسودان والحبشة، ولكنه وضع خطته الماكرة لمطاردة الإسلام وإحلال النصرانية مكانه.
ومن المعلوم: أن أوربا المستعمرة في ذلك الوقت كانت دولها علمانية، بعد أن تحررت من سلطان الكنيسة، وفصلت الدولة عن الدين، ومع هذا نرى هذه الدول العلمانية في الداخل: النصرانية في الخارج، تلبِّي بكل قوة وحماسة مطالب التنصير أو «التبشير» كما يسمونه، وتقوم بحمايته ورعايته، وترى في هذا التنصير سندًا ونصيرًا لتحقيق أهدافها، يؤيدها ويدعمها باسم الدين باسم التوراة والإنجيل.
ولقد كانت تنزانيا قبل مدة قليلة، يحكمها الاشتراكيون الماركسيون، وما زلنا نذكر اسم الزعيم «نيريري». لقد عرف الناس في المشارق والمغارب كيف اضطهد هذا الرجل العرب والمسلمين، ونصب مذبحة كبرى لهم، سقط فيها ثلاثون ألفًا، كما أذاعت وكالات الأنباء في ذلك الوقت، وهذه الدولة تتكوَّن من جزأين: تنجانيقا وزنجبار. فأما تنجانيقا، فهي الجزء الأكبر والأغنى والأقوى والأكثر تحضُّرًا، وفيه العاصمة، وأما زنجبار، فيغلب عليها العنصر العربي ومنهم شافعية، ومنهم إباضية.
وقد نزلنا في أحد الفنادق الكبرى في العاصمة، وقد اجتمع المجلس هذه المرة برئاسة رئيسه الجديد المشير سوار الذهب، وكان الجميع مسرورًا بوجوده، مستبشرين بالخير والتقدم لمستقبل المنظمة، بقيادة هذا الرجل الذي ضرب المثل بتنازله عن كرسي الرئاسة مختارًا، مؤثرًا أن يكون مواطنًا عاديًّا يخدم وطنه، مع سائر المواطنين، في حين يستقتل آخرون مكروهون من شعوبهم في سبيل البقاء فوق الكرسي الساحر، ويسحقون كل من قاومهم أو تخيلوا أنه يمكن أن يقاومهم، ولا يكتفون بذلك، بل يحاولون توريث الكرسي إلى أبنائهم، ولأول مرة في العالم، يرى الناس في بلادنا وحدها نظام التوريث في الجمهوريات!!.