رسالة صريحة إلى معالي وزير التهذيب المحترم
معالي الوزير
أولا ماذا سيقع إذا تراجعت وزارتكم عن هذا التقويم المزمع حتى تتم التهيئة له بطريقة أفضل؟.. فالإصلاح المدني الناجح لا يفرض، بل يقع بالتشاور والتشارك.. ووزارة التهذيب الوطني لا يمكن أن تكون ثكنة عسكرية تدار بالإملاءات، بل مؤسسة تربوية تساس بالتشاور..
ثانيا ليكن في كريم علمكم أن المعلمين والأساتذة ليسوا أسوأ من غيرهم بل أحسن منهم؛ لأن كثيرا من غيرهم من أطر الدولة وموظفيها الآخرين وصلوا إلى مناصبهم بالوساطة والرشوة بينما وصل جميع المعلمين والأساتذة إلى مناصبهم بالمسابقات والاستحقاق، فلماذا احتقارهم وهم مربو الأجيال ومثقفو الأمة وأطر الوطن.. هم الذين بنيت موريتانيا المستقلة بسواعدهم حينما لم يكن فيها من الأطر غيرهم..فلماذا يفرض عليهم إصلاح يعتبرون أنه يحط من قيمتهم أو يقزم من مكانتهم، وهم بغض النظر عن مكانتهم العلمية والتربوية بشر من لحم ودم، يحتاجون إلى الجلوس معهم مباشرة أو من خلال نقاباتهم والتوصل معهم إلى الصيغة المثلى للإصلاح بدل محاولة جعلهم أمام الأمر الواقع بطريقة يرون أنها تهدر كرامتهم تلبية لنتائج دراسات وقرارات لم تراع واقعهم، وربما أيضا لم تراع واقع البلد.
ثالثا بصراحة معالي الوزير ما أنتم بصدده الآن لن يصلح التعليم، التعليم سيصلحه إصلاح الوزارة التي هي من أفسده، وإذا صلحت صلح التعليم..
الوزارة التي أفسدته بالتحويلات بالوساطة، والترقيات بالرشوة، والتعيينات بالمحسوبية حتى صار يدرس في السنة السادسة من لا يقدر على تدريس السنة الثانية، وصار مديرا للمدرسة من لا يصلح لأن يكون مراقبا فيها..
الوزارة التي أفسدته بتبعيته للحكام والولاة يفعلون به ما يشاؤون خدمة لأغراض النافذين والوجهاء والشيوخ التقليديين..
الوزارة التي أفسدته باكتظاظ الأقسام حتى صار المعلم يصرف أغلب الوقت الذي كان مخصصا للدرس في التدريب على السيطرة على صراخ الأطفال، بينما تصرفه المعلمة في تعلم فنون الحضانة..
الوزارة التي أفسدته بالقرارات السياسية التي تقضي بفتح أقسام لا أساس لها لمحاباة السياسيين وفرض تجاوز التلاميذ إلى أقسام ليس لهم القدرة على مواكبتها لإرضاء الحقوقيين..
الوزارة التي أفسدته بالإصلاحات التربوية المتتالية المرتجلة، وفرض تعريب لا جدوائية له وفرنسة لا مبرر لها..
الوزارة التي أفسدته بالعبث باحترام التخصص وترك المعلم الذي لا يعرف العربية يدرس بها والمعلم الذي لا يعرف الفرنسية يدرس بها، وتكليف أستاذ اللغة العربية بتدريس التربية، وأستاذ الفلسفة بتدريس اللغة العربية، وأستاذ الانجليزية بتدريس الفرنسية..
الوزارة التي أفسدته بالمدارس الحرة التي تدرس بلا مناهج ولا مقومات تربوية ولا حتى أقسام صالحة ولا مدرسين قادرين على التدريس..
الوزارة التي أفسدته بفوضى الأرقام الوطنية والعبث بمراحل التعليم فكل من شاء دخل في القسم الذي شاء متى شاء..
الوزارة التي أفسدته بوقف الاكتتابات والتكوينات في مدارس تكوين المعلين والأساتذة حتى اضطرت بعد سنوات من اللا مبالاة إلى اللجوء إلى خدمات مدرسين مأخوذين من الشارع، ها هي اليوم تعتمد عليهم وترفض ترسيمهم!!!
أما الأستاذ والمعلم فليسا هما المشكلة، ولا يحتاجان إلى تقويم غير عادل وغير طبيعي فتقويمهما يجب أن يكون حصرا من خلال المفتشين المكتتبين لهذه المهمة وإلا فما فائدة المفتشين؟؟؟
طبعا معالي الوزير هناك نواقص كثيرة يحتاجها الأستاذ والمعلم حتى يكونان قادرين على أداء مهمتهما على الوجه الأكمل، لكن هذه النواقص كلها تعود إلى الوزارة لا إليهما وهي:
- رواتب مجزية تسمح للمدرس بالعيش الكريم، والتفرغ لمهنته بدل البحث عن ساعات إضافية أو مهن أخرى كالبيع في المتاجر وسياقة التاكسيات.
- مدارس تحترم المعايير المادية والفنية وتمنع الاكتظاظ.
- مدراء واصلين إلى مناصبهم بالكفاءة والاستحقاق وليس بالوساطة والمحسوبية.
- مناهج تربوية ملائمة لواقع التلاميذ واحتياجاتهم.
- مؤسسة وزارية لا تتحكم فيها اللوبيات ولا تتاجر بالتحويلات تتوفر على ضبط إداري وسجلات تربوية وأرشيف مدرسي ولوازم مؤسسية، ومفتشيات تربوية سليمة.. أما مستويات المعلمين والأساتذة فنقطة من جملة نقاط كثيرة ولها طريق تربوي واضح يجب أن تسوى من خلاله..
فما سوى ذلك معالي الوزير عبث في عبث... فطريق الإصلاح واضح، وهناك يا معالي الوزير اختلال مركزي كان عليك أن تبدأ به، وهو أن ميزانية وزارة التعليم لا تصل إلى النسبة التي من المفروض أن تصل إليها وفق المعايير الدولية، فكان من واجبك كي يكون لما ستقوم به معنى أن ترجع إلى فخامة رئيس الجمهورية الذي كلفك وتقول له: لقد فسد التعليم عندما قررت السلطات العسكرية قبل عقود تخصيص نصيب الأسد كل سنة من ميزانية الدولة لوزارة الدفاع على حساب التعليم والصحة، وما لم تعد إلى وزارة التعليم حصتها المعروفة وفق المعايير الدولية فبأي أموال سنصلح؟؟؟