النقطة العمياء في السياسة المحلية !!! / يحي الأمين الخلاط

يقول عالم الفزياء الألماني د. ألبرت أينشتاين إن من الغباء إعادة التجربة ذاتها بالوسائل ذاتها وانتظار نتائج مختلفة!

ومن هذا المنطلق سنلقي الضوء على اللعبة السياسية المحلية التي يبدو أنها منذ عقود تُدار بالقواعد والآليات ذاتها رغم التجارب الفاشلة والحصاد الهزيل وتسارع الأحداث والفرص التي تتيحها اللحظة التاريخية من انفتاح ووعي وعولمة.

إن الناظرة إلى تاريخ التجربة السياسية المحلية سيجد أنها كانت تجسيدا لفشل الحكومات المركزية في بناء عقد اجتماعي سليم بين الدولة والمواطن؛ إذ تُرك الحبل على القارب لممارسات ضارة بمشروع دولة المواطنة والبناء، وتخلت النّخب السياسية المحلية عن دورها المحوري في حمل الهم العام والنضال من أجل نيل الحقوق وانشغلت بالسمسرة والارتهان للمركز والبحث عن المصالح الفردية الآنية على حساب معاناة العامة من التّفقير والتجهيل وعدم الاستفادة من خيرات البلد.

وفي هذا المناخ السياسي المعتم غابت الرؤية والأهداف النبيلة لدى اللاعبين المحليين وكثر الزحام على أبواب "المركز" وكثرت الأحلاف وتمّ الزج بالقبيلة ومواردها البشرية والمادية من أجل خدمة مشاريع الأنظمة والأحزاب الفاشلة...

 لقد ترك نظام ولد الطائع إرثا ثقيلا ستدفع الأجيال ثمنه باهظا، ويتمثل هذا الإرث المدمِّر في ظاهرة الأطر والموظفين والساسة المحليين المسلحين بتفويض الدولة والإقطاع والقبيلة والشرائحية وكل الأفكار العفنة حيث بنوا مماليكَ ومشيخات أصبحت تتوارثها الأجيال وتُورّث بها المناصب والامتيازات والنفوذ على حساب البسطاء والعوام وعلى حساب دولة العدل والمؤسسات التى يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات.

إن أيّ جولة بسيطة في أقرب مدن وقرى الداخل كفيلة بتحصيل انطباع أننا ندور في حلقة مفرغة منذ أمد بعيد حيث تنعدم أبسط مقومات البقاء من غذاء وماء ومأوى ومن الترف الحديث عن صحة وتعليم وفرص عمل.

إن من رأى جحافل عابرات الصحاري تجوب الأرياف والمدن البائسة وتحشر البسطاء في الأشماس من أجل المتاجرة بولائهم وبيعهم للأنظمة مقابل أبخس الأثمان سيدرك حجم الكارثة وسيدرك كم نحن بعيدون من سلم الرقي والازدهار..

 ما يحز في النفس ليس استمرار هذا النهج ولا مواصلته من قبل من يمتهنونه إنّما انصهار الكل في هذه المنظومة العفنة تحت شعارات القبيلة والجهة بما فيها من يعول عليهم في الرفض والنضال كالقوى الحية من الطلاب والمؤثرين ورواد الأعمال والمهاجرين.

نجحت الأنظمة الفاسدة في تحويل السباق الانتخابي من تنافس بين البرامج والأفكار بين النخب إلى صراع قبلي عائلي وشرائحي تافه يتقدمه في الغالب الأميون والجهلة وتجار المواشي والسماسرة والمشعوذون والمحتالون وكل مُحدَث نعمة وهكذا تضيع فرص الديمقراطية.

لم يعد يخفى على أحد أن هذه المنظومة لا تخدم الحاضر ولا المستقبل ولن تجعل من المدن والبلد عموما سوى حظائر للبؤس لا تصلح للحياة ولا للبقاء وحان الوقت للتفكير خارج القوالب ووضع رؤى وأهداف واضحة وأولها نبذ الولاء العبثي للأنظمة وصيانة الكرامة والإجابة على السؤال الملحّ: ما الهدف من السياسة؟ ولماذا نخدمها بدل خدمتنا؟

إن المناصب الانتخابية في اللعبة الديمقراطية مناصب تكليف يتقدمها من لديه أفكار وطموحات ورؤى قابلة للتطبيق وأصحابها يتقدمون الدفاع عن المظلومين والمهمشين وليست وسيلة بحث عن الامتيازات ولا الحظوة والجاه والمنافع الشخصية.

إن من التجارب الناصعة في تاريخنا والتي تعتبر نموذجا يحتذى به: تجربة النواب الشباب الحاليين على قلّتهم في الجمعية الوطنية الذين ثاروا على الواقع وقدموا صورة ناصعة للبرلماني صوت الشعب الذي لا يوالي سوى الشعب والدفاع عنه والوقت الآن مناسب لتكريس تجربتهم وتوسيعها.

لا جدال في أننا نرزح تحت وطأة واقع مرير لكن السعي وراء تغييره واجب ومسؤولية أخلاقية وشرعية تقع على عاتق كل ذي ضمير حي وأول خطوة في هذ المضمار تحرير الناس من هذه الأغلال بفصل السياسة عن العلاقات الاجتماعية وترك حرية الاختيار للعوام وتوجيههم بإخلاص.

وفي الختام:

لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها *** ولكن أحلام الرجال تضيق