عن الإيمان والأدب / د.محمد الحافظ بن اگاه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبيه الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين

   بين الإيمان والأدب وشائج قربى، وأواصر رحم، وتعاون على اقتحام الصعاب والأهوال، وتكامل في تأدية الأدوار والمهمات وبلوغ الغايات.
   أليس كل منهما انطلاقا من أوهاق الضرورة، وانفكاكا من ربقة الكبل وقيد الأسر، وخروجا على الروتين والمألوف، وتحليقا في سماء الألاقة والشفوف.
  بلى إن الإيمان تحرير للطاقة، وتحديد للولاء، ورسم للقصد، وضبط للمسار، ومحله منطقة الإدراك في العقل حيث يكون العلم القاطع الذي لا مرية فيه، والجزم الأكيد الذي لا ينخرم، واليقين الراسخ الذي لا تساوره لجلجة من ريب ولا شبهة من شك.

   والأدب –وهو سبح في اللامحدود من آفاق وفضاءات الرؤى– خطاب للقلب مستودع النخوة والأريحية والغيرة وحب الذات ومبعث التضحية والبذل والفداء، ليستثير جنوده الباطنية من مشاعر غضب أو رضا وعواطف حب أو بغض وانطباعات إقدام أو إحجام... ليؤدي مهمته، ويبلغ مأموريته، وعبره تنتقل مضامين الإيمان ومقتضياته من منطقة الإدراك الباردة، إلى جبهة الانفعال الساخنة، لتاخذ هذه المضامين والمقتضيات والأبعاد الإيمانية مكانتها في الحياة، حتى تتمكن وتسود فيها رائدة وموجهة ومرشدة.
 
فبدون إرشادها وتوجيهها يكون الأدب نزقا طائشا، وبدون اندفاعه واقتحامه وحدة سورته يكون وجودها هي قاصرا على القوة دون الفعل.
 
فالإيمان يضع البوصلة، ويلوح بالمؤشر، ويفتح الضوء الأخضر.

والأدب يحمل على الإقدام، وتجاوز العقبات، والاستهانة بالمثبطات، والانفلات من العقابيل المادية، والأواخي الأرضية، لتحقيق المقاصد الإيمانية، والتمكين للمظاهر الدينية، وترسيخ أسسها الحضارية.

ومن هنا نرى في شأن التكامل بين الاثنين:
 أن الإيمان داع ومرشد، والأدب معبئ ومحرض.
الإيمان معلم، والأدب مطبق.
 الإيمان موجه، والآدب تابع.
الإيمان آمر، والأدب منفذ.
الإيمان قائد، والأدب سائق.
   
ولقد جمع القرءان الكريم بين الاثنين في ترابط وثيق، وائتلاف وطيد، وامتزاج حميم، فمعانيه ومراميه مضامين إيمانية، ومقتضيات دينية، وأساليبه في الحث والحض، والزجر والردع، والترغيب والترهيب، والتبشير والإنذار، والوعد والوعيد... مظاهر أدبية رائعة رائقة راقية، وبذلك يكون القرءان الكريم خاطب مكونات الكينونة البشرية برمتها، وتناولها من مختلف أقطارها، وأفعمها تزويدا وتعبئة، وآخى بين مشمولات العقل والقلب حتى جعلها كلا متماسكا فتحركت بمختلف قواها لتنفيذ الأمر الكريم، فأفعم العقل بالعلم الثابت، والفكرة السليمة، والعقيدة الصحيحة، ووقع على أحاسيس القلب ترانيم داعية إلى البذل والعطاء لنيل السعادة مستغلا ما جبل تعالى عليه الإنسان من حب الذات والغيرة عليها.
   
ولهذا كان القرءان المعجزة البيانية الخالدة، وبناء على ذالك فإن (أفراد جنس البيان) مدعوة للمشاركة دائما والباب أمامها مفتوح والفرصة متاحة وهي مؤيدة "بروح القدس"، وهي في المعركة أشد على الأعداء من "وقع النبل".
   
فلم يبق إلا أن يلتزم الأديب ما يجعل أدبه على المستوى المطلوب من توفر القيم الجمالية من مقاطع تعبيرية ولوحات تصويرية، وصدق في الشعور، واندراج في الفطرة الذي هو الانسجام والتماهي مع مقتضيات الإيمان، فإذا كان الأدب كذالك كان ردءا للإيمان وعونا عليه، وخادما له، ودافعا إلى تمكينه في النفوس، وترسيخه في واقع الحياة، ونشر وتعميم مقتضياته، وتأسيس حضارته  بشكل يضمن عزة الإنسان وكرامته في الدنيا وفي الاخرة.
   
ولا ينبغي أن يفوتنا أن في التعبير -عن هذه المعاني الإيمانية والمقاصد الدينية المذكورة- بكلمة "الإيمان" - وهي إفعال من كلمة الأمن التي تخالف دلالتها الوضعية هذه المعاني نفسها -إشعارا بأن هذه العقيدة تمنح صاحبها -لا جرم- طمأنينة النفس وراحة البال وسعادة الضمير (أي الأمن) (الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ).