كان كثيرًا ما يدعى المشير لبعض الأمور، فينيبني لإدارة الجلسة، وأذكر أني اقترحت في هذه الدورة اقتراحًا مهمًا، وهو: أن المنظمة تحمل اسم «الدعوة» منظمة الدعوة الإسلامية، ومع هذا لا تباشر الدعوة بطريقة مباشرة، لكن بواسطة العمل الخيري الذي يمهِّد لانتشار الدعوة، وأرى أنه غدا من المناسب أن تخوض المنظمة لُجَّة الدعوة بإعداد الدعاة المؤهَّلين علميًّا وفنيًّا ولغويًّا، والمدرَّبين على التعامل مع الناس، وبيئتهم في مناطق شتى حسب الأولوية.
استمارة كفالة داعية:
وأقترح هنا: أن ننشئ استمارة «كفالة داعية» كما عرف الناس «كفالة يتيم» ووجد إقبالًا من المسلمين، فينبغي أن يدخل هذا المصطلح الجديد «كفالة الداعية» ميدان العمل الخيري،
ولمثل هذا فليعمل العاملون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، ووقع هذا الاقتراح موقع القبول من الأعضاء جميعًا، ورحَّبوا به، وأظنه بعد ذلك بدأ يدخل ميدان التطبيق.
وجاء يوم الجمعة، فاتفق مسلموا دار السلام على أن أخطب الجمعة في مسجد «الجنيد» وهو مسجد الجماعة اليمنية التي تقيم بالعاصمة، وهم مهاجرون قدامى، يزيد عددهم على ستين ألفًا، ولهم أئمتهم ومدارسهم وتراثهم.
مزية اليمنيين بانتشارهم في العالم:
واليمنيون يتميَّزون عن سائر إخوانهم من العرب: بأنك تجدهم في كل مكان في العالم، من الشرق أو من الغرب، فهم يؤمنون أنَّ الحركة بركة، وأنَّ الجمود هلكة، وأن العز في النُّقل، كما قال الطغرائي في لاميته:
إنَّ العلا حدثتني وهي صادقة فيما تحدث: إن العزَّ في النُّقل
ومثله قال الإمام الشافعي فيما كنا نحفظه في الصبا:
ما في المقام لذي عقل وذي أدب من راحة فدع الأوطان واغترب
سافر تجد عوضًا عمّن تفارقه وانصب فإنَّ لذيذ العيش في النصب
إني رأيت وقوف الماء يفسده إنْ ساح طاب وإن يَجْر لم يطب
والأسد لولا فراق الغاب ما افترست والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة لملَّها الناس من عجم ومن عرب
والتبَّر كالترب ملقى في أماكنه والعود في أرضه نوع من الحطب
فإن تغرَّب هذا عزَّ مطلبه وإن تغرَّب ذاك اعتزَّ كالذهب
فلا غرو أن وجدت اليمنيين في أمريكا، في قرية لهم، يتكلمون فيها العربية، ويعيشون فيها محتفظين إلى حد كبير بتقاليدهم ومفاهيمهم الخاصة، وذلك في ولاية «دترويت»، ووجدتهم في إندونيسيا، ولهم منطقة خاصة في العاصمة: دعونا إليها، وأطعمونا الطعام اليمني «بنت الصحن» وغيرها.
ولا غرو فهم الذين فتحوا إندونيسيا، عن طريق تجارهم من حضرموت وما حولها، الذين قدموا إلى هذه البلاد ليشتروا فيها ويبيعوا، ولكنهم أخذوا منها التوابل وغيرها، وقدموا لها: «الإسلام» الذي رضوه دينًا لهم، وعاشوا له وماتوا عليه، رأيت اليمنيين في إندونيسيا أكبر دولة مسلمة في العالم الإسلامي.
ورأيت اليمنيين أيضًا في سنغافورة، واطَّلعت على بعض أنشطتهم، وزرت مدرستهم المعروفة هناك بـ «مدرسة الجنيد»، وقد سألت الإخوة في تنجانيقا، وقلت لهم: ما سر الاشتراك في الاسم بينكم وبينهم؟ هذا مسجد الجنيد، وتلك مدرسة الجنيد. فقالوا: نحن أبناء عمومة، وكان من الأشياء التي سهَّلتها لنا الدولة: زيارتنا لزنجبار التي تجوَّلنا فيها لعدة ساعات، وصلينا الظهر والعصر جمعًا في أحد مساجدها، وتناولنا الغداء ضيوفًا على أهلها، وإن كنت لم أعد أذكر شيئًا من تفاصيل هذه الرحلة، لطول المدة، ولأني لم أكتب سطرًا واحدًا عن هذه الرحلة ولا غيرها بعد عودتي منها.