سواء انعقدت أم لم تنعقد الجلسة؛ والمحاكمة في يومها "الأربعاء؛ أو الْغَدِ المرتقب؛ والفَارِقِ الأبلجِ" المُشْرَئِبٌَة إليه الأعناق والقلوب، والمتوجهة صوبه، والمتطلعة نحوه العيون والأبصار، والحناجر؛ ولربما الخناجر بين المتبارين والمتخاصمين!؛ وهي التي بات يصطلح عليها، أو تعرف بملف العشرية وفسادها؛ أو حتى عشرية الجمر؛ والاستبداد والاحتقان... والنهب والفساد؟!؛ أو قل محاكمة الرئيس السابق؛ وأعوانه الأبرزين خلال عشريته التي يراها هو؛ وشيعته وأنصاره، ويُصٌَورُونها على أنها عهد البناء والإنجاز والإنقاذ، ومحاربة الفساد، وبأنها العصر الذٌَهبي؛ وزمن الإنحياز للوطن والمواطن، وبأنه كان بحق رئيس الفقراء، بل وحتى زعيم العمل الإفرقي والإسلامي...؟!؛ فهل تمثٌِل أو تُجَسٌِد إذن هذه المحاكمة!؛ أو سمٌِيها -إن شئت- المفاصلة التاريخية، والعلامة الفارقة في مستقبل؛ وصورة وتاريخ القضاء الموريتاني، ومدى وعمق استقلاليته عن السٌُلَطِ السياسية حالية كانت أو سابقة، أو حتى لا حقة، والابتعاد بنفسه وسمعته بعيدا عن الشٌُبَهِ، ومزالق الظلم، وعدم الجدارة والقدرة، واهتزاز المشروعية وفقدان المصداقية، وعن إكراهات الضغوط والعلاقات والعواطف والاستعطاف...
فهل يأتي ويقع اختيار القضاء وأهله بدلا عن الصورة النمطية الموسوم بها والمُصَوٌَرَِة عنه؛ الانحياز والاصطفاف جنب ووراء قوة القانون، وشرعية العدالة والعدل، وإلى مصلحة الوطن والمواطن، وبالتالي استرداد الحق والحقوق؛ والهيبة والسمعة، والزهد والورع والخشية، وذلك أياما بعيد انعقاد وانصرام أيام ومنتديات العدالة التي تداعى لها جمعهم، وانفض وانتفض؟!؛ وهل ينال المتهمون حقهم في إقامة وإتاحة العدالة العادلة لنفي التهم عنهم، ودحض العار والشنار الملصق بهم، وهل يَتَمَكٌَنْ وَيُمَكٌَنْ جهاز وجبهة الدفاع عن المتهمين -المشكل من كشكول المحامين المحليين والإقليميين والدوليين- من فِسْحَةٍ، ووقتٍ وحَقٌٍ لإبراز براءة موكليهم، والدفع إلى خلوٌِ ذممهم من أموال الدولة، ومن صور الإثراء غير المشروع، واستغلال السلطة والمناصب العليا في الدولة وأركانها...؟!
وهل بالمقابل يتمكن الإدعاء العام مُسْنَدَ الظٌَهْرِ بأجهزة السلطة -العميقة- وأدواتها المتعددة؛ ومن خلفه وأمامه جَمْعُُ كبير، ولفيف من هيئة المحامين يتقدمهم نقيب المحامين الوطنيين المكلفين من قبل الحكومة في إثبات واسترداد المال المنهوب، والحق العام، وإبراز الأدلة الدامغة على تورط المتهمين في نهب الثروات، وتبديد موارد الدولة والشعب، واستغلال السلطة والمواقع، والحُظْوَةِ والفُرَصٍ في الإثراء غير المشروع على حساب البلد وشعبه، وسمعته ومديونياته، وعلى مستقبل أجياله وآماله...؟!
وبذلك وعند ذلك يستفيد النظام من هذه المحاكمة، وهذا الإنجاز غير التقليدي وأن يحوز ويراكم دعاية ومصداقية في وجه الاستحقاقات الانتخابية الداهمة، وهو في أمَسٌِ الحاجة، وأشد الاحتياج لما يمكٌِنه من نيل مشروعية انتخابية جديدة، وتصعيد أنصاره ومنظٌِريه وحلفائه، وإقصاء خصومه المتربصين المتحالفين، ضف إلى ذلك تقديم صورة ووجه جديدين للمستثمرين الأجانب خصوصا وأننا مقبلون على طفرة غازية وطاقوية ومعدنية... وجارنا الأوروبي شديد التلهف لها، والتعلق بها كمنقذ متوقع في ظل أزمة روسيا وأوكرانيا وأمريكا والغرب عامة، وكذلك عيون وأنظار الدوائر والمستهلكين في العالم، والمستثمرين والشركات النفطية الغربية الاحتكارية الكبرى الحائزة على حقوق التنقيب والاستغلال يرصدون أخبار ووقت وانطلاق الإنتاج في الحقل الغازي -آحميميم المشترك بيننا وجارنا السنغالي، أو حقولنا الغازية الكبرى كحقل بير الله على سبيل المثال... وذلك في ظل جو عالمي ملتهب بالحروب والأزمات، وتضاد المصالح، وأجواء الاحتكار وحروب أسعار العملات والطاقة...، لكن في المقابل هل يتاح للشعب كمستفيدٍ ومُهْتَمٌٍ وَمُتَطَلٌِعٍ وناشدٍ للحقيقة، ومؤملٍ في غد أفضل مختلفٍ، أو على الأقل كمتفرج!!!
وفي نفس الوقت كَحَكَمٍ، وَشَاهِد عَصْرٍ، وذاكرة تاريخ...؟!؛ الاطلاع على حقيقة وصورة ما يدور في كواليس المحكمة ومجرياتها؛ وعلى مخرجاتها وَغَلٌَتِهاَ العائدة سلبا أو إيجابا على حاضر ومستقبل البلد تسييراً وشفافيةَ حُكْمٍ وَسُلَطٍ عامة، وعلى مصير تدبير الموارد والموازنات والمال العام، وعلى حاضر ومستقبل البلاد والعباد، وذلك في ظل الأجواء المحمومة، ومساعي التهييج؛ ومحاولات التدويل والتسييس؛ والتدافع المتضاد بين طرفي حلبة النٌِزَالِ، وبين ذوي وأهل وأنصار المتخاصمين في قضية القرن هذه؛ وخلال محاكمة العصر غير المسبوقة في بلادنا، بل وحتى في حَيٌِزِناَ الإقليمي القريب…
فهل عسى في هذه القضية، ومن وراء هذا الأمر لهذا البلد وشعبه بارقةً وأملاً وخيراً ينتظر، وهل في طيات قادم أيامنا هذه خبرا وبسمةً، أو فرصة ومستقبلاً آتيا مشرقا يُرْتجى وَيُرْتَقَبْ...؟!؛ أو لعلنا وعسانا بهذا نسهر ونتسمر ونحلم؛ وعن مشاكلنا وهمومنا نلهوا ونتصبٌَر…