لم تعد نواكشوط مجرد مدينة من الغرب الإفريقي نائمة على ضفاف المحيط الأطلسي، لا يؤمها إلا المستثمرون وأساطيل سفن الصيد؛ فقد أصبحت محطة ثابتة في كل جولات الشخصيات العالمية المهتمة بالمنطقة وأمنها، واقتصادها، وأصبحت واحدة من عواصم القرار في المنطقة.
تمتلك بلادنا موقعا استراتيجيا استثنائيا؛ فهي البوابة الرابطة بين عالمين مختلفين، تمتلك تأثيرا واسعا في واحد منهما، ولديها مكانة محترمة في الآخر.
ومع مجيء الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني نمى ذلك التأثير واعترفت به الدول الكبرى، لأنه أصبح مؤطرا برؤية استراتيجية تجمع بين المبدئية في النظر إلى القضايا، والعملية في معالجة الملفات.
روسيا التي يتنامى اهتمامها الاقتصادي بإفريقيا، وتنظم منتدى دوريا اقتصاديا مع القارة الفتية، والغنية بالموارد، تدرك أن واحدا من مفاتيح القارة يوجد في العاصمة نواكشوط، وأن بناء الشراكات الاقتصادية مع بلادنا سيمكنها من تجاوز الكثير من الصعاب في المنطقة، كما تدرك أن حجم الثروات التي تختزنها بلادنا، مع مستوى الاستقرار السياسي والعافية الأمنية، يعد استثناءا في المنطقة.
تمتد العلاقة الدبلوماسية بين بلادنا وموسكو على امتداد عمر الدولة الموريتانية الحديثة تقريبا؛ فموسكو واحدة من أوائل العواصم العالمية اعترافا ببلادنا، وقد استقبلت جامعاتها، ومؤسساتها الأكاديمية أجيالا من الكوادر الموريتانية، وظلت على اتصال دائم ببلادنا من خلال سفن الصيد، والبعثات الدبلوماسية.
لا يمكن لرأس الدبلوماسية الروسية أن يختم جولته في المنطقة دون النزول في نواكشوط واستنشاق جو المحيط الأطلسي مرتديا دراعة موريتانية، تعبيرا عن الاحتفاء بثقافتنا، وهي مجاملة دبلوماسية لافتة، من رجل خبر أساليب الدبلوماسية وتقاليدها في عصر الأزمات.
جاء لافروف إلى نواكشوط حاملا إلى الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني دعوة من الرئيس فلاديمير بوتين لحضور القمة الاقتصادية الإفريقية-الروسية. جاء ليحيي ستة عقود من التواصل البناء، على الصعيد الاقتصادي والدبلوماسي، وليعطي دفعا للعلاقات الثنائية، في المجالات الاقتصادية.
تحتاج بلادنا إلى خبرة الروس في زراعة القمح، وإدارة مشاريع الطاقة، وتحتاج روسيا إلى أسواق القارة الإفريقية التي تعد بلادنا واحدا من مفاتيحها، وتحتاج قارتنا إلى علاقة بالكبار تحكمها المبادئ والمصالح، تستفيد من خبرات وخيرات الدول الكبرى، بعيدا عن نيران صراعاتها.