إن ثبت أن وفاة الناشط الحقوقي الصوفي ولد الشين لم تكن طبيعية، وأنه توفي تحت التعذيب، وهناك إشارات كثيرة تدعم هذه الفرضية، إن ثبت ذلك، فإننا سنكون أمام جريمة في غاية الخطورة، يجب أن لا تمر دون تحقيق شفاف، وحساب عسير.
إننا أمام جريمة في منتهى الخطورة، وذلك لأسباب عديدة منها:
1 ـ خطورة جريمة القتل في ديننا الإسلامي، فجريمة قتل النفس من أبشع الجرائم، وأخطر الكبائر، وأفظع الذنوب، فمن سرق أو مارس ظلما مهما كانت طبيعته، لا يعتبر وكأنه سرق على الجميع، أو ظلم الجميع.. فقط من قتل نفسا بغير حق، فكأنما قتل الناس جميعا.
من قتل الصوفي ولد الشين رحمه الله، فكأنما قتل الموريتانيين جميعا، بل وكأنما قتل الناس جميعا؛
2 ـ لو كانت جريمة القتل هذه حدثت في منطقة غير أمنة لكان من واجبنا جميعا أن نندد بها. فمثلا عندما يدخل أي موريتاني منطقة خطر، كما يفعل بعض المنقبين الموريتانيين عند دخول مناطق الخطر في حدودنا الشمالية، ويقتل هناك فمن واجبنا أن نستنكر ونندد بأشد أشكال التنديد عملية القتل تلك، وذلك على الرغم من أن الضحية عرَّض نفسه لخطر الموت، وأنه يتحمل ـ بشكل أو بآخر ـ جزءا من المسؤولية. هذا عن الذي يدخل مناطق الخطر ويتعرض للقتل هناك، فكيف يكون الحال لمن يمكن أن يكون قد قُتل في مكان يُفترض فيه أن يكون المكان الأكثر أمنا وحماية للمواطن، ومن طرف أشخاص يفترض فيهم أنهم هم من يسهر على أمن المواطن؟
3 ـ لو كان الضحية مجرما لكان من واجبنا جميعا أن نتضامن معه إن تعرض للقتل في مفوضية للشرطة، ولو كان مواطنا عاديا لوجب التضامن معه. ولكن، ومما يزيد من بشاعة هذه الجريمة إن تأكد أننا أمام جريمة، هو أن الضحية لم يكن مواطنا عاديا، بل كان ناشطا حقوقيا يتبنى خطابا وطنيا جامعا يوحد ولا يشتت، ونحن في هذه البلاد في أمس الحاجة لمثل هذا الخطاب، خاصة وبعد أن أصبحت الخطابات الشرائحية والفئوية والقبلية والجهوية هي الخطابات الأكثر اتساعا والأعلى نبرة في هذه البلاد.
إن قتل الصوفي ولد الشين لا يتوقف عند قتله كإنسان، بل هو فوق ذلك يمثل عملية إسكات لخطاب حقوقي جامع نحن في هذه البلاد في أمس الحاجة إليه.
تلكم كانت ثلاث نقاط تجعل من جريمة قتل الصوفي ولد الشين، إن ثبت أنه توفي مقتولا، جريمة غير عادية، ويجب التعامل معها بشكل استثنائي، وأن يشكل التعامل معها بداية منعرج جديد في التعامل مع هذا النوع من الجرائم، سواء كان ذلك التعامل على مستوى التحقيق، أو على مستوى العقوبة.
هناك إشارات وأدلة تبشر بأن التعامل مع هذه الجريمة إن تأكدت أنها جريمة لن يكون مثل التعامل مع ما سبقها من جرائم مماثلة، ومن تلك الإشارات:
1 ـ التدخل المباشر لرئيس الجمهورية، وإعطائه لأوامر صارمة بخصوص الملف، ومن تلك الأوامر تشكيل فريق طبي محايد يضم خبرات في مجال الطب الشرعي لتشريح الجثة وإعداد تقرير طبي بأسباب الوفاة؛
2 ـ إرسال وفد باسم رئيس الجمهورية لتعزية أسرة الفقيد، وطمأنة الأسرة بأن التحقيق سيكون شفافا، وأن العدالة ستأخذ مجراها الطبيعي بخصوص هذا الملف؛
3 ـ إصدار أوامر لمفوض الشرطة بدار النعيم 2 بعدم مغادرة مكتبه، وتوقيف بعض عناصر الشرطة الذين كانوا يوجدون بالمفوضية وقت الفاجعة؛
4 ـ إشراك أسرة الفقيد في أهم محطات التحقيق، وإعلان اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان عن تشكيل فريق مشترك مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان للتحقيق بشكل شفاف في أسباب وفاة الفقيد؛
5 ـ وجود رأي عام يقظ يواكب مسار هذا الملف.
وتبقى كلمة
علينا أن نجعل من هذه الفاجعة الأليمة والجريمة النكراء إن أثبت التحقيق أننا أمام جريمة قتل، علينا أن نجعل منها منعرجا لتصحيح علاقة بعض عناصر الأمن بالمواطن، كما أنه من واجبنا جميعا أن لا نترك الخطاب الحقوقي الجامع الذي أطلقه الحقوقي الصوفي ولد الشين يتوقف بوفاته..فموريتانيا اليوم هي في أمس الحاجة إلى مثل هذا الخطاب الذي أراد صاحبه أن يجمع الموريتانيين في حياته، فجمعهم في فاجعة وفاته.
وأضم صوتي لكل من يُطالب بتخليد اسم الفقيد بوصفه صاحب خطاب حقوقي جامع، وصاحب دعوة لتعزيز اللحمة الوطنية بين مكونات وشرائح المجتمع الموريتاني.
رحم الله الصوفي ولد الشين وأسكنه فسيح جناته.
حفظ الله موريتانيا...