في وقت ما تزال مشاكل نقص الحجرات وقلة عدد المعلمين وضعف الوعي بأهمية التعليم تقف كمعوقات بنيوية أمام النهوض بالتعليم، يكاد العام الدراسي ينتصف وتلاميذ آفطوط منطقة مثلث الأمل لا يجدون لعلاج الاختلالات المتراكمة غير الحديث الممجوج لوسائل الإعلام الحكومي عن أهمية المدرسة الجمهورية، والإمكانات التي سترفد بها المنظومة التعليمية، وعلى أرض الواقع فواقع المدارس يكفي عن حالها، وتراكمات الإهمال والفساد باضت وأفرخت لتنتج واقعا يستعصي على التغيير، ويعز على العلاج بمجرد الشعارات والدعاوى الجوفاء..ذلك ما كشفت عنه شهادات ومشاهدات فريق موقع الفكر أثناء تجواله في بعض من قرى آفطوط.
إهمال وتدن في المستويات
في طورطوكل يقف مبنى المدرسة المكونة من خمسة فصول شاهدا على مستوى الإهمال والتخبط الذي تعاني منه مؤسسات الداخل: فالجدران المتصدعة، والأرضيات المتقعرة، والأبواب والنوافذ الصدئة والمهترئة هي أول ما يصدم نظر الوافد إلى المدرسة.
أما داخل الحجرات فالسبورات أصبحت رمادية بعدما كانت سوداء، تملأ جنباتها التقعرات والنتوء، والموجود من الطاولات في حالة يرثى لها تجعل الأرضيات أفضل للجلوس من على هذه الهياكل الخشبية البالية..يعلق أحد التلاميذ.
وتحتاج المدارس إلى أسورة تحميها من هجمات الأنعام وأقدام السابلة..ولا يجد السكان غير التقدم بمطالبهم كل عام إلى الجهات المعنية دون أن يلمسوا أي تجاوب ولا لشكاواهم أي صدى كما صرح حرمة ولد الشيخ من السليوه 2 أدباي لموقع الفكر.
ويفضح ولد الشيخ ضعف مستويات التلاميذ الذين لا يستطيع أغلبهم القرءاة، وذلك بسبب عدم استقرار المدرسين والذين لا يكاد أحدهم يمضى شهرا أو اثنين حتي يتم تحويله، ودون أن يترك أي أثر يذكر. لذا يطالب بالكف عن تحويل المعلمين أثناء العام الدارسي، وبدل ذلك العمل على تعويض النقص من خلال اكتتاب العقدويين، ومنح التحفيزات التي تشجع المدرس على البقاء في القرى النائية، وتفعيل مبدأ العقوبة والمكافأة للقضاء على الاختلالات المسجلة.
يتتبع المدرس سيدي الخير آثار التصدعات في الجدران وهو يقول إنها لم تعد آمنة لاستقبال التلميذ لكن انعدم أي خيار آخر يحتم البقاء فيها حتى بناء أقسام جديدة!!
إنه الحل غير السحري لانتظار وفاء الجهات المسؤولة بوعودها ببناء المزيد من الحجرات، وتفريغ العدد الكافي من المعلمين، وتوزيد المدرسة بالأدوات والكتب المدرسية يعلق أحد الوكلاء.
الاكتظاظ : القاعدة لا الاستثناء
في عديد القرى لا تشكو المدرس من ضعف الإقبال، ولا من عزوف الآباء عن إلحاق أطفالهم بالمدارس بل إن الاكتظاظ لدرجة اللجوء إلى التجميع أو التدريس على فترتين هو القاعدة وليس الاستثناء.
لكن المفارقة أن يكون هذه الوضعية غير المستقرة هي ما يتوق لها معلمو الداخل، ولا ينكرها وكلاء التلاميذ، حيث يشرح الوجيه مسعود بلال من قرية إن المعلمين يفضلون القرى ذات المدارس المجمعة بحثا عن علاوة خاصة على جانب علاوتي البعد والازدواجية، إن الطريقة الوحيدة لإغراء المعلمين من أجل البقاء في هذه القرى النائية!!!
مما يستدعي متابعة أفضل من طرف المفتشيات التي تتبع لها هذه المدرس على حد تعبيره.
أدت الطفرة في عمليات المقاولة من الباطن، وأعمال التشييد التي تنفذها جهات غير مختصة في العقود الأخيرة إلى تنامي ظاهرة المباني المدرسية المهجورة أو تلك التي على وشك لانعدام الترميم، وعدم الاحتكام إلى معايير فنية في تشييد المباني المدرسية.
في أودي لمكيل يقول الوجيه خطاري ولد بلخير إن مبنى المدرسة والذي عبارة عن قسمين أصبح في وضع مزري بل ويمثل خطرا على التلاميذ محملا الإدارات التعليمية مسؤولية استلام مبان مدرسية غير صالحة من مقاولي البناء.
في مصيدة التسرب
ليس الواقع المعيشي الصعب، ولا ظروف العزلة والأمية وحدها التي تقف وراء ارتفاع نسب التسرب المدرسي في قرى آفطوط، بل إن النقص الحاد في أعداد المعلمين خاصة المزدوجين منهم يمثل أكثر العوامل ترددا في شكاوى أولياء التلاميذ، ولا يسعف في علاج هذا النقص الحلول الترقيعية التي تلجأ لها بعض المدارس كالتجميع أو الدراسة على فترتين وذلك لانعكاسات هذه الحلول على مستوى ضعف التحصيل، وتدني المستويات التعليمية كما تكشف عن ذلك نسب النجاح في مسابقة الشهادة الابتدائية حيث تعدد المدارس التي لم ينجح منها أي مرشح، لينتهي الأمر بالتلاميذ إلى التسرب أو الهجرة إلى أقرب مركز حضري.
وهذا ما يؤكده المدرس بأودي لمكيل محمد محمود ولد سيدي الخير مضيفا أن الوضع المعيشي الصعب في قرى آفطوط يقف عائقا أمام تفرغ التلاميذ، ويضاعف من الجهد الملقى على عاتق المدرس الذي لا يجد أي معين أو مساعد. حتى أن الدراسة تكاد أن تتوقف في موسم الحصاد وأشهر الصيف واشتداد الحرارة بسبب الحاجة إلى مساعدة الأطفال لذويهم في هذه المواسم الخاصة وفق تعبيره.
يقول ولد سيد الخير وهو يشير إلى ساحة المدرسة لا سياج ولا حائط مما يجعل المدرسة إسطبلا للحمير ويزيد من تآكل مبانيها.
الباب الخلفي الإهمال..
بضعة كتب وسبورة متهالكة كل ما تبقى من تجهيزات في قرى الخشب والطين، حيث تظل المدارس وحدها المبنية بالاسمنت والمسقفة بالصفيح، ميزة لا تشاركها فيها حتى المصليات والتي تبدو في أمس الحاجة إلى البناء.
في فرع لادم يطرح الوجيه الخليفة ولد لغظف مشكل تغيب المدرسين، والذي يحمله مسؤولية تعطيل المدارس مما عطل الدراسة وساهم في ارتفاع نسب التسرب خاصة بين الفتيات في المرحلة الابتدائية أما في التعليم الثانوي فإن انعدام أي إعداديا خارج عواصم المقاطعات أو في المراكز الإدارية أرغم الكثرة الكاثرة على ترك التمدرس، والانكفاء على أعمالهم التقليدية في العري أو الحراثة.
التمدرس الفوضوي
إذا كان التقري العشوائي معول هدم لجهود التنمية الاقتصادية فإن التمدرس الفوضوي يشل المنظومة التعليمة في الدخل ويقوض أداءها كما يشرح المدرس ولد سيدي الخير حيث يرى أن الحل هو في القضاء على التمدرس العشوائي بتجميع القرى المتقاربة في مدارس موحدة مما يوفر الكثير من النفقات والجهد فيما يظل مطلب توفير الطاولات والكتب ثانويا مع الوضع المتهالك للأقسام، وفي ظل المخاوف من تكرار نفس تجارب البناء السابقة والتي عهد فيها إلى مقاولين كل همهم جني الأرباح وتكديس الأموال ولو كان ذلك على حساب تعلم ومستقبل المئات من أطفال آفطوط الذين لا يجدون حيلة اليوم ولا يهتدون سبيلا.