الأستاذ: علي بكر سيسى
دأب المجتمع السونينكى في السنوات القليلة الماضية على تنظيم مهرجان دوري يتنقل بين عواصم الدول المتشاطئة لنهر السنغال (مالي، السنغال، غامبيا، وموريتانيا) التي تستضيف للمرة الثانية فعالياته، ويتخلله، ندوات يفترض ان تكون علمية حول تاريخ المجتمع السونينكى ودوره المحوري في منطقة الساحل منذ قرون خلت، سواء أكان هذا الدور اقتصاديا أم دعويا، أم سياسيا ولو على استحياء، إضافة لسمرات تسرد فيها أساطير وقصص بطولاتة تنسج حول أفراد قد قضوا، بطولات لانعرف مصداقيتها وإن صحت لاتعدو كونها حنين فطيم إلى حلمة الثدي هل يدر في حلقه قطرة لبن؟.
يضاف إلى تلكم الندوات والسمرات معارض عن الصناعات التقليدية، من الحياكة إلى الصباغة والحدادة، ومأكولات شعبية، ولكن الوجه الآخر شيطان هذه المهرجانات يكمن في تفاصيلها، التي سوف أشير إلى جملة منها في الملاحظات.
ومع ذلك ليس هناك خير محض ولا شر محض كذلك، والأخذ بالنمط الأوسط فضيلة. لذا لن أكتب هذه السطور تحاملا، وإنما وضع الأمور في نصابها الصحيح لمن تنطلي عليه الأشياء. منطلقا من قيمة العدل المنوه به في نصوص الشريعة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ).
فمن باب العدل والانصاف
شهدت بعض النسخ إضافات تذكر وتشكر من قبيل تنظيم ورش ذات طابع علمي أكاديمي واقتصادي، مثل بحث إنشاء أكاديمية سونينكية تعني بجمع تراث والمخطوطات العلمية وصيانتها. وكذلك بحث كيفية تنميط كتابة اللغة السونينكى لا سيما بعد رصد اختلافات بين الخط المالي والخط المعتمد من قبل كتاب مويتانيين وسنغاليين. وذلك حول بعض الأصوت مثل (nwa. لدى الماليين مقابل ŋa, لدى الآخرين. وفك المدغم وعدمه مثل Tappe, وTape....).
كما تم بحث إمكانية انشاء بنك يستقبل ودائع المودعين ويمكن المستثمرين من القروض.
ولا يماري ذو عقل من وجاهة مثل هذه الطروحات، كما لا يجد حرجا في المشاركة فيها وإبداء رأئه فيما له به علم. إن خلا من المسحة السياسية. والإيدولوجيات الانفصالية.
وقد لوحظ احتفاء رؤساء الدول المستضيفة، لهذه المهرجانات بها،
ففي غامبيا تولى الرئيس آدما بارو نفسه افتتاح المهرجان وفي السنغال كان الرئيس ماكي صال أبرز الحضور في حفل الافتتاح وموريتانيا في هذه النسخة (تسخة 2023), تريد أن تضفي عليها طابعها الخاص بدءا من الإشارة إليها في برنامج الحكومة وتقديم التسهيلات للمنظمين، وليس انتهاء من افتتاح رئيس الجمهورية محمد الشيخ الغزواني مشكورا لفعالياته، وقد وفق في خطابه حيث خاطب الموريتانيين بلغة الشعب والدولة، وأعطى فرصة لضيوفه فخاطبهم بما يفهمون استئناسا وتقديرا.
ومع هذا كله لا بد من إبداء الوجه الآخر لهذه التظاهرة الشعبية الذائعة الصيت، مجرد إشارات لما أنكرناه وندين الله بذلك، وما خفي أعظم.
وهي.
- الإغراق في تميجد التراث الثقافي بما فيها سلبيات (وغادو بيدا) التي اتخدتها الجمعية الموريتانية لترقية الثقافة واللغة السونينكية شعارا لها. وهي المستضيفة للمهرجان هذه السنة.
شعار يذكر بعهود الوثنية والجاهلية وقد قال الله تعالى (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ).
- الاختلاط الفاحش بين الجنسين، ولا ضرورة هنا تبيح المحظورة، كلنا شاهد عيان لما حدث من تدافع في أبواب الملعب الأولوبي بين الرجال والنساء. وقد كان من الممكن تخصيص أبواب للنساء وأخرى للرجال وكذلك المدرجات، وفي المسيرات الاستعراضية أمام الجمهور، أقل ما بوصف به المظهر أنه مظهر ديوثي منظم.
- استعراض النساء أزياءها وبكامل زينتهن راقصات مع وأمام الأجانب.
- التبذير والإسراف في الأموال دون طائل يذكر أو نفع مادي أو معنوي يتوخى من ورائها.
- الاحتفاء بالرقاصة بإنزالهم الفنادق والشقق المفروشة، وحرمان الباحثين الأكاديميين، ووفود الخطاب الديني من تلك الميزات، حيث حشر قرابة عشرين شخصا من المشار إليهم في بيت متواضع لا يتوفر إلا على دورة مياه واحدة.
أشبه ما يكون سجنا مفتوحا، وسلط عليهم الجوع بعد الإهمال تقزيما لدورهم. وسوف يرجع هؤلاء إلى بلدانهم بصورة سلبية عن كرم ضيافة الموريتانيين، على الرغم من الدعم السخي من الحكومة ورجال أعمال الدولة.
سخاء تم اسغلاله من طرف عصابة ظل بعد تمكنها من تحييد رئيس الجمعية الثقافية المستضيفة، ليس ما أكتبه تحاملا كما قلت ولا ادعاء اتحدى من ينكر أن نفتح تحقيقا قبل الانفضاض الجمع. إذ البينة على المدعي واليمين على من أنكر.
ويبقى توضيح بسيط لمن أنكر علينا معاشر الأئمة الحضور في هذه المهرجانات والمشاركة في هذه المناكر، نقول هدفنا شيئان
١. التعرف على ما يجري عن كثب فنثمن الإيجابي، وننبه على السلبي. لأن الحكم على شيء فرع عن تصوره.
٢. إكرام للضيوف وربط علاقات بمن نتقاطع معهم في الهم والتفكير.
- فرصة للتلاقي وتبادل الخبرات بين مختلف الفاعليين في المجتمع.
وفي الأخير يؤسفني استغلال موارد الشعب، في الرقصات الفلكلورية وطمس وجه الدين والضرب بالمشتركات الوطنية عرض الحائط. فقد خلا برنامج المهرجان عن أي محور يتحدث عن أثر الإسلام على الثقافة السونينكية تصوره وسلوكا، عن أي دور للمرابطين في جمع مكونات شعوب هذه المنطقة.
عن المساجد التاريخية واحتفاء ملوك السونينكى بالعرب دعاة وكتاب دواوين مترجمين باختصار بالإسلام كدين جامع .
علي بكر سيسي
نواكشوط
23/02/2023.