كانت هذه كلها محاولات للإنقاذ، ولكن المؤامرة قد أكملت وأحكمت خيوطها، وبدأت في التنفيذ، تحت سمع وبصر بريطانيا دولة الانتداب على فلسطين، وتمكّنت عصابات الإرهاب التي كانت تملك من الأسلحة ما تشاء - في حين يحرم على أيَّ فلسطيني تملك أي سلاح - من فرض سلطانها بالقوة وبالحديد وبالنار، والمجازر الرهيبة التي تقذف الرعب في قلوب الفلسطينيين، فخرجوا من ديارهم قسرًا وقهرًا، ليرثها الغرباء القادمون من خارج فلسطين، ورأينا مدن فلسطين الكبرى تسقط مدينة مدينة، حيفا ويافا وعكا، وغيرها، ويرثيها أخونا الخطيب المؤثر زعيم الجامعة المصرية، مصطفى مؤمن بصوته الباكي في إذاعة مصر، ونحن نسمع ونبكي، ونغلي من داخلنا، ولا نملك غير الدموع.
قيام دولة «إسرئيل»:
وما زلنا كذلك حتى انتهت الحرب العالمية الثانية، وقامت الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ثم قامت دولة إسرائيل 15 مايو سنة 1948م، واعترفت بها بعد دقائق: أمريكا، كما اعترفت بريطانيا وروسيا وأوربا، وأعلن الجميع: أنها خلقت لتبقى! ثم ساقونا إلى الاعتقال في جبل الطور، في عهد الملكية، وجاءوا بالمتطوِّعين الأبطال بلباس الميدان إلى ما وراء القضبان، جزاء لهم على ما أبدوه من بطولات شهد بها اليهود أنفسهم، وشهد بها القادة البريطانيون، كما شهدت بها الدماء الزكية التي أريقت على تراب فلسطين، وجثث الشهداء التي واراها ذلك الثري الطاهر.