هذه هي الثورة التي عرفت باسم «ثورة أطفال الحجارة» فقد انطلق الصبيان يقاومون التجبر الإسرائيلي، والحديد الإسرائيلي، بالحجارة الصغيرة والحصى، يقذفونه بأيديهم، أو بالمقاليع الصغيرة «النبلة» يرمون بها الدبابات والمجنزرات والمصفحات، لا يبالون بالموت الذي يواجههم بإطلاق الرصاص عليهم من قبل العدو المتوحش، الذي لا يرحم طفلًا صغيرًا، ولا شيخًا كبيرًا، ولا امرأة مسنّة. وهو أينما توجه يقتل ويدمر، يَمنة ويَسرة، مشرقًا ومغربًا. فليس للروح ولا للحياة عنده قيمة ولا حرمة. ولا غرو، فقد علمته التوراة التي يقرؤها ويؤمن بها: أنه إذا حارب أهل هذه البلاد - فلسطين أو أرض كنعان - فالواجب عليه ألّا يستبقي فيها نسمة حية، وأن يبيد سكانها على بكرة أبيهم!
وقوفي مع الانتفاضة:
وكنت أرى من واجبي أن أقف بكل قوتي مع هذه الانتفاضة الشعبية العارمة، وأن أشد عضدها، وأقوى ظهرها، بلساني وقلمي، وحركتي واتصالاتي، وأن نجمع لها العون، من العرب والمسلمين حيثما كانوا. وما كنت أحب أن أسمي هذا العون «تبرعًا» بل أراه فرضًا على الأمة، وهو لون من الجهاد بالمال الذي أوجبه الله على الأمة: {وَجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ} [التوبة: 41]. وإذا كان الإخوة في فلسطين يبذلون - عن طواعية - أنفسهم ودماءهم، فلا أقل من أن نبذل نحن بعض أموالنا.
وكنت أقول: نستطيع أن نعطيهم من زكوات أموالنا، ومن زكاة فطرنا، ومن وصايا أمواتنا، ومن عوائد الأوقاف، ومن الحقوق الواجبة في المال بعد الزكاة، ومن الصدقات التطوعية، وغيرها. بل هم أولى بالزكاة من غيرهم، لأن كثيرًا منهم أصبحوا فقراء ومساكين وغارمين وأبناء سبيل «مشردين» وبوصفهم أيضًا من مصرف «في سبيل الله». بل إذا كان هناك مال مكتسب من شبهة أو حرام، مثل فوائد البنوك، فهم أولى بأن تصرف إليهم، بدل أن نتركها للبنوك، لأن المال مصرفه شرعًا: الفقراء وجهات الخير، وهم في مقدمتها.