ورقة أعدّها معهد الولايات المتحدة للسلام وترجمها المصطفى ولد البو
تحتاج منطقة الساحل الإفريقي إلى خطة قائمة على التنسيق المستمر لمواجهة المجموعات المسلحة
لكن مع تصاعد الاضطرابات في منطقة الساحل، فإن هذا الأمر يتطلب الاستجابة السريعة للعديد من الأزمات المتداخلة
مع عقد الاتحاد الإفريقي لقمته نهاية الأسبوع الماضي والتي جاءت في ظل تصاعد هجمات المسلحين في منطقة الساحل، مع هذا الظرف تبرز الحاجة الماسة إلى مضاعفة الجهود الإقليمية والدولية للتصدي للأزمات المتعددة بطريقة وآلية تتجاوز تلك الاستجابة التي تركز غالبا على الأمن فقط، والتي اتسمت بها جهود محاربة الإرهاب حتى الآن
أزمات متداخلة:
منطقة الساحل حزام جغرافي يشمل أكثر من عشرة بلدان، يمتد من السنغال وموريتانيا على المحيط الأطلسي إلى السودان وإريتريا على البحر الأحمر، وهي منطقة كانت ولعقد من الزمن مسرحا لأعمال عنف تقودها جماعات متطرفة في مناطق مثل ليبتاكو غورما (المتاخمة لحدود مالي والنيجر وبوركينا فاسو) وبحيرة تشاد (المتاخمة لحدود نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد) وقد ازداد العنف في السنوات الأخيرة وبدأ ينتشر جنوبا نحو ساحل غرب إفريقيا
أزمة العنف هذه تغذيها، وتغذي هي بدورها أزمات أخرى، منها:
النزوح: حتى ديسمبر 2022، تم تهجير أكثر من 2.6 مليون شخص من منازلهم في ليبتاكو جرما، و2.7 مليون آخرين من حوض بحيرة تشاد.
تغير المناخ: في منطقة يعيش فيها 80 في المائة من السكان على ما تجود به أراضيهم، ترتفع درجات حرارة منطقة الساحل بشكل أسرع من المتوسط العالمي، كما تعاني من ندرة الأمطار.
انعدام الأمن الغذائي: أدى العنف والتغيرات المناخية والنزوح وآثار جائحة كورونا، إلى جعل 5.1 مليون شخص في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، و4 ملايين شخص في حوض بحيرة تشاد، غير قادرين على تأمين قوتهم ليوم واحد على الأكثر.
تراجع الديمقراطية: أدى فشل الحكومات في تلبية احتياجات شعوبها إلى تأجيج أعمال العنف وزيادة في وتيرة الانقلابات، والتي وصلت إلى سبعة على مدى 26 شهرا فقط في منطقة الساحل أو حولها، بالإضافة إلى محاولة انقلاب في النيجر.
انتهاكات حقوق الإنسان: بين عامي 2019 و2021، وثقت الأمم المتحدة ومنظمات أخرى أكثر من 600 عملية قتل خارج إطار القانون، نفذتها قوات حكومية، بالإضافة إلى حالات الاختفاء القسري وغيرها من الانتهاكات، والتي اعتبرت كلها جزء من عملية الاستجابة الأمنية للعمليات الإرهابية.
التوترات العرقية وما نتج عنها من أعمال عنف أدت إلى تمزق النسيج الاجتماعي
تحدي انعدام الأمن
في عام 2019، طرد تحالف تقوده الولايات المتحدة تنظيم الدولة الإسلامية من معاقله في سوريا والعراق وقتل زعيمه أبو بكر البغدادي، ورغم ذلك، لم يهزم التنظيم كليا وانتقلت بعض قياداته وعناصره من الشرق الأوسط إلى إفريقيا حيث تنشط تسعة فروع للتنظيم إلى جانب التنظيمات المتطرفة العنيفة الأخرى والجماعات المسلحة في القارة.
منطقة ليبتاكو غورما في الساحل، مكان يجتمع فيه مزيج معقد من الجماعات المسلحة، حيث تنشط نصرة الإسلام والمسلمين ومجموعات مسلحة أخرى كمتمردين اندمجوا مع المجتمعات المحلية ودائما ما يجعلون الردود العسكرية التقليدية عديمة الفائدة.
إن مثل هذا السلوك المتمرد تساعده عوامل على الانتشار، مثل التوزيع غير العادل للثروات، وترك المظالم دون معالجة وتراجع الديمقراطية – وهي عوامل تعيق أيضا الحلول القابلة للتطبيق، ليس فقط للتطرف ولكن أيضا للأزمات المتداخلة في منطقة الساحل.
حتى الآن، مازالت الحلول الأمنية هي المعتمدة في مكافحة الإرهاب، مما يعني استخدام قوات الأمن لمحاربة المتطرفين وقد فشلت هذه الجهود في منطقة الساحل في السيطرة على موجات العنف الإرهابية المتصاعدة، بل إنها غذت العنف والإرهاب الذي سعت إلى إنهائه، كما أنه حتى عندما تتم محاولات غير أمنية لمنع التطرف العنيف أو معالجة الأسباب التي جعلته أكثر عرضة للحدوث، فإن هذه المحاولات غالبا ما تثبت أنها إما غير ذات صلة أو غير كافية.
على الرغم من بذل جهود كبيرة، فقد تضاعفت أعمال العنف وانتشرت خلال العقد الماضي في منطقة الساحل، لهذه الأسباب، أصبح من المألوف سماع السياسيين يتحدثون بكل صراحة عن عدم نجاعة الحلول الأمنية وغير الأمنية على حد سواء والتي هي أقرب إلى معالجة نزيف شرياني بإسعافات أولية.
عناصر النجاح المحتملة
مادامت لا توجد حتى الآن رصاصة فضية (سلاح فعّال) للقضاء على التطرف العنيف، فإنه يمكن لعدد من العناصر تحسين الاستجابة في منطقة الساحل، أولا، إلى جانب الحلول الأمنية، يجب أن يتوفر تمويل مناسب يهدف إلى معالجة الظروف التي تسهل وجود التطرف العنيف وانتشاره، ويشمل هذا الأمر تحسين وصول الناس إلى خدمات مثل التعليم والصحة والعدالة والوظائف، بالإضافة إلى إعادة بناء الثقة بين المكونات الاجتماعية، وبناء القدرات المحلية لدعم سيادة القانون، وتعزيز الوعي بحقوق الإنسان، ومن الضروري أيضا وجود آليات للمساءلة للتصدي لإفلات قوات الأمن من العقاب، يجب جمع العناصر آنفة الذكر في قالب ذي صلة بالظروف المحلية وقابل للتكيف مع أي تغيرات طارئة، وقد بذلت الحكومات الإفريقية إلى جانب كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي ومنظمات أخرى، بذلت جهودا كبيرة لتحقيق هذا الهدف، ربما تكون الجهود الواعدة حتى الآن هي مبادرة مشتركة بين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، برئاسة الرئيس النيجري السابق، محمد يوسفو، لتشكيل ما يسميه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "استراتيجية المجتمع الدولي الجديدة لمنطقة الساحل" والذي علّق عليها بالقول" ما نقوم به الآن غير كاف، وهذا يعني أننا يجب أن نعترف بفشلنا كمجتمع دولي وأن نجد نهجا آخر، لأن هذه المنطقة تنتقل من سيء إلى أسوأ ".
حتى الآن، تأكد أن تنسيق استجابة موحدة يمثل تحديا كبيرا، وغالبا ما يتم الاستهزاء به باعتباره غير عملي، لكن الجهود الحالية يمكن أن تتغلب على هذه التحديات من خلال الاستفادة من الزملاء العاملين في مجال العمل الإنساني الذين ينسقون من أجل الاستجابات الفعالة للأزمات الإنسانية المعقدة من خلال منظومة تابعة للأمم المتحدة، تختار منظمات محددة للتنسيق بين العديد من العاملين في أجزاء مختلفة من مناطق الأزمات ويوزع المهام على الجهات الفاعلة المتعددة التي تستجيب لحالة الطوارئ، وقد توفر هذه المنظومة خططا مدروسة لبناء استجابة دولية على النطاق المطلوب لمنطقة الساحل والأزمات المتداخلة فيها.
يجب أن تراعي استجابة منطقة الساحل أيضا، كيفية تثبيط اقتصادات الحرب التي ترسخت في المنطقة، وهو عامل غالبا ما يتم تجاهله كعنصر نجاح.
كما هو الحال في أي نظام سياسي أو اقتصادي، يفتقر إلى الشفافية، تستفيد العديد من النخب - بما في ذلك السياسيون - من العنف في إفريقيا، فتستفيد الجهات الفاعلة الحكومية من الحرب من خلال:
تلقي رشاوي للسماح بنشاط الجماعات الإجرامية، أو الانضمام إلى ذلك النشاط (مثل الاتجار بالمخدرات) مع الجماعات الإرهابية.
الممارسات الفاسدة، مثل سحب الأموال من الميزانية (مع غياب الرقابة والمساءلة) بهدف التربح أو لتمويل الصراع.
ويستفيد المتطرفون من الحرب من خلال:
فرض إتاوات على العمل الإنساني، كما تفعل حركة الشباب المجاهدين في الصومال، أو على السكان المحليين، كما يفعل تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية غرب إفريقيا في حوض بحيرة تشاد.
الجريمة المنظمة وعمليات الاختطاف للحصول على فدية أو السطو على البنوك أو غسل الأموال.
إن دراسة الاقتصاد السياسي للصراع مع استجابة شاملة ومُحكمة التنسيق ومراعية للصراعات وطبيعتها، هي أمور ستسهم في كشف الطرق التي تعمل بها اقتصادات الحرب وما يمكن القيام به لتثبيطها، بالإضافة إلى ثني الجهات الفاعلة الحكومية عن الاستفادة من أعمال العنف، أما على مستوى الجماعات المتطرفة، فإن تحسين قدرة الدول على مراقبة ومنع التدفقات المالية سيحد من تمويل هذه الجماعات وأعضائها.