بحصيلة دموية.. مقتل ثلاثة إرهابيين..واستشهاد ثلاثة عسكريين أسبوع من الرعب والترقب.. الدرك الموريتاني ينهي أزمة الإرهابيين الفارين/ إعداد موقع الفكر

وأخيرا انتهت في كهوف منطقة لمصيدي بولاية آدرار قصة الهروب المرعب الذي نفذه أربعة "إرهابيين" موريتانيين، استطاعوا  النفاذ العنيف من أقدم وأشهر سجون موريتانيا، ونشروا الرعب والترقب طيلة أيام ستة، عاش فيها الموريتانيون على أعصابهم في انتظار خبر مفرح بالقبض على الجناة.
بين البداية الحزينة والنهاية المفجعة، سال دم كثير وحبرعلى رق منشور، وعاش الموريتانيون عزلة افتراضية، بسبب قطع شبكة الانترنت عن الهواتف، فعميت الأنباء عن المتتبعين، وتزايدت الشائعات دون جدوى.
قصة اللحظات الأخيرة
تتعدد الروايات حول لحظة العثور على الإرهابيين، ومن أشهر هذه الروايات
-    تعطل سيارة الإرهابيين والعثور عليها من أحد الناقلين، حيث استفسروه عن بعض الطرق الجانبية، قبل أن يساعدهم في استبدال عجلات السيارة، قبل أن يعود أدراجهم ليبلغ عنهم عمدة بلدية المداح الذي نقل الخبر بدوره إلى الشرطة
ورغم التماسك النظري لهذه الرواية، فإن فيها ثغرات متعددة منها:
-    صعوبة ترك الإرهابيين للشخص المذكور دون اعتداء عليه جسديا أو سلب سيارته، خصوصا أنهم في حاجة لسيارة يواصلون بها فرارهم من وجه الأمن والعدالة.
-    رواية الاشتباه في السيارة دون الاقتراب منها: وتبدو هذه الرواية أكثر تماسكا: حيث يقول عمدة المداح إن سيارة مشتبها فيها تم رصدها في هذه المنطقة  التي تبعد 35 كم، عن قرية المداح، من طرف  بعض السكان، حيث تم إبلاغ الدرك، الذين لاحظوا وجود السيارة خالية من الركاب، حيث طلب عناصر الدرك الإمداد، لتبدأ بعد ذلك مواجهة دامية انتهت بمقتل 3 مسلحين،  وتسليم رابعهم نفسه إلى الـأمن، لتنتهي بذلك القصة الدامية.
لاحقا تم ترميم هذه الرواية بأخرى تقول إن الأمن الموريتاني هو الذي سمح للإهابيين بمغادرة العاصمة، وتركهم تحت المراقبة إلى حين عزلهم عن المناطق المأهولة بالسكان
وتتناقض هذه الرواية بشكل تام مع معطيات متعددة منها:
-    أن وجود الإرهابيين في منطقة معزولة عن السكان لا يتطلب السماح لهم بالانتقال لمسافة تزيد على 500 كلم، حيث كان بالإمكان مواجهتهم على بعد 20 كلم من العاصمة أو أقل إذا كانوا بالفعل تحت المراقبة، بدل السماح لهم بالوصول إلى منطقة تعيش انتعاشا جديدا للسياحة بعد سنوات من إقلاع السواح عن رمال وجبال آدرار.
-    دقة وتواتر الأخبار التي كانت تتحدث عن غياب أي خيط جديد إلى صباح أمس الجمعة، وسط حالة من الإحباط في صفوف الأجهزة الأمنية المكلفة بتتبع الفارين.
-    مداهمات متعددة داخل العاصمة نواكشوط، خصوصا في مقاطعتي دار النعيم وتيارت وخصوصا حي عين الطلح.
مما يعني أن العثور على المعنيين جاء دون تنسيق أو متابعة، بل كان بسبب الوعي الأمني عند السكان المحليين الذين شاهدوا السيارة بين جبال لمصيدي البعيدة عن حركة السيارات والبشر.
ليلة الفرار ..مالذي حصل ..وكيف  

مساء الخامس من مارس، دوت حركة رصاص وعنف غير متوقع في السجن المدني بانواكشوط، سقط إثره وبسرعة شهيد من الحرس الوطني، قبل أن يلحق به زميله الثاني الذي انتزع منه الإرهابيون سلاحه، ورشقوه برصاصة غادرة، خارج السجن استطاع الإرهابيون إصابة حرسيين آخرين بجراح وخطف سيارة  تخلصوا منها في منطقة كارافور الحي الساكن بعد أن تعطلت إحدى عجلاتها..ثم ابتلعهم الظلام بعد ذلك طيلة ستة أيام حسوما، انتهت بظهورهم في أقصى ولاية آدرار.
ذهب ثلاثة من الإرهابين برصاص الجيش الموريتاني، مصطحبين معهم أجوبة على أسئلة تقرع أبواب الأمن والعدالة الموريتانية.
-    كيف تمكن الإرهابيون من إدخال قطع السلاح إلى السجن الذي يحتوي بعض أخطر المسجونين في موريتانيا؟.
-    هل استفاد العنصر الأبرز في عملية الفرار السالك ولد الشيخ من علاقته الاجتماعية ببعض كبار المسؤولين في قطاع الحرس من أجل تسهيل بعض إدخال بعض مقتنياته؟.
-    هل توجد خلايا نائمة تابعة للتنظيمات الإرهابية في موريتانيا، وهل استفادت جماعات التطرف من فترة المتاركة في بناء شبكات علاقات سرية داخل موريتانيا.
-    هل كانت إجراءات السلامة والاحتياط متناسبة مع حجم المخاوف الأمنية خصوصا أن اثنين من الفارين قبض عليهما خلال فترة قريبا وخصوصا خلال العامين المنصرمين مما يعني أن الخطر ما زال ماثلا وربما يتفاقم
-    كيف حصل الإرهابيون على السيارة الثانية التي قطعوا بها حوالي 500 كلم، وكيف أمنوا الوقود الكافي لقطع هذه المسافة الهائلة، زيادة على التموين.
-    هل تمكن الأمن الموريتاني من رصد تحركات المعنيين بالفعل، قبل أن يفلتوا من شبكة رقابته.
-    هل يدير عناصر من الإرهابيين علاقات واتصالات مع شبكات إرهابية خارجية، خصوصا أنه تم التداول قبل ثلاث سنوات عن دعم مالي توصل به أحد المعتقلين، ليتم اكتشاف خيوطه بعد فترة من وصوله إلى البلاد
وبين تلك الأسئلة المتعددة، يمكن التساؤل أيضا عن أي حاضنة إرهابية ينتمي إليها الفارون، وهل يحسبون على تنظيم داعش، أم على تنظيم النصرة الناشط في المنطقة.

- هل نحن راضون عن وضعية السجن وحياة نزلائه، وإذا كنا راضين فهل يمكن أن نكون أرضى.

- كيف نجمع بين بعض السجناء، فنترك بعضهم فريسة لبعض.

ماذا بعد حادثة السجن
يفترض أن النظام سيعيد ترتيب أوراقه الأمنية في مجالات متعددة  أبرزها:
-    إعادة التعامل مع ظاهرة الإرهاب من جديد، والانتقال من الإشادة والمبالغة في الاستيراتيجية الأمنية الموريتانية إلى معالجة الثغرات التي تعاني منها والتي أظهرتها بجلاء عملية هروب السجناء الخطيرين
-    إعادة الهيكلة القيادية في الأجهزة الأمنية والعسكرية والدفع بعناصر جديدة إلى الواجهة، والتخلص من عدد من العناصر التي أظهرت الأحداث الأخيرة إخفاقها في التنبؤ بالخطر، أحرى الاحتياط قبل وقوعه، ومن ثم النجاح في مواجهته.
-    انتهاج سياسة وقائية تعمل على كشف ما أمكن من الخلايا النائمة لللتظيمات الإرهابية التي لا يتوقع أن تنتعش في العالم من حولنا وتغفل إقامة وجود في موريتانيا التي ظلت لسنوات حاضنة لإنتاج القيادات الفكرية في التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل.

- الإلتفات للسجون، والتحسين من وضعيته المزرية بشهادة الجميع، طولا وعرضا، تغذية وتربية، وتكوينا، وتأطيرا.

- فتح الأمل أمام الجميع بأن وجودهم في السجن ليس نهائيا وأن خروجهم منه ممكن، لكنه يرتبط بتحسن في السلوك، وسلامة الفكر، والإقلاع عن الجرم المقترف إن وجد، و النية أن لايعود، وكما قال الناطق باسم الحكومة، فإن من أغلقت في وجهه فرص الخروج من طول المحكومية، سيفكر في طريق للخروج ويبحث عن ثغرة ينفذ منها.
وبين هذه الاحتمالات المتعددة، يبقى الاستمرار في خيار المتاركة، والحرص على توسيع دائرة التهدئة بدل السير في مواجهة  حدية لا يعرف سقف زمني ولا مكاني لها، الخيار الأبرز الذي لن يفرط فيه النظام الذي يمكن اعتباره الصانع الأساسي للاستيراتيجية الوقائية في مواجهة الإرهاب في موريتانيا.