صباح اليوم ولما يصلني خبر إحالة الرئيس السابق فعليا إلى قاضي التحقيق اتصل بي أحد الأصدقاء الأعزاء وسألني من بين أسئلة أخرى: متى تتوقع الحكم على الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز؟ أجبته إجابة طويلة عريضة.. قد لا تهمكم.
ما يهمني هو أني وجدت فيه نموذجا لتفكير كثير من مرتادي هذا الفضاء في نظرهم إلى ملف صفقات العشرية الفاسدة؛ فقد كانوا يريدون أن يروا المتهمين في الأقفاص من دون تحقيق برلماني، وحين تأخر تشكيل محكمة العدل السامية قالوا إن الأمر انتهى.. وحين صدر تقرير اللجنة البرلمانية اعتبروه إدانة كافية للزج بالمعنيين في السجون ومصادرة أموالهم.. وحين طال في نظرهم تحقيق الشرطة قالوا إنها مجرد ملهاة ولن يحال الملف.. وحين أحيل أرادوا أن يحكم قاضي التحقيق، وهو يشرب قهوة الصباح من اليوم الخامس قبل الإحالة...
رويدكم هناك دولة تبنى، وربما يكون من أهم مقومات تثبيت دعائمها بناؤها في نفوسكم، وتعويدكم على أن سلوك الدولة أرشد من نزوات الأفراد وانفعالات الأفراد وأمزجة الأفراد.. ستأخذ العدالة مجراها، دون تدخل من أحد، وسينال المجرم عقابه دون نقص، وسيخرج البريء بريا من العيب.. وسترسى دعيمة جديدة لدولة القانون.. وسترد مظالم جديدة كل يوم..
أما يكفيكم أن رئيسكم يحيي كل يوم مقوما من مقومات دولتكم التي انهدت، ويقضي على داء من الأدواء التي استحكمت؟ بلى إنه يفعل، ولكن كثرة الضباب من حوله، وكثرة الضجيج من حولكم، والصور النمطية المتكدسة في الأذهان، ومن حولنا في كل مكان.. تأخذ أبصارنا. ولو تأمل متأمل لتبين أن سير القافلة الوئيد موصلها بأمان.
من كان يصدق أن قضاء موريتانيا وشرطة موريتانيا وبرلمان موريتانيا تحقق مع رئيس أفل زمانه، ومع مسؤولين خارجين للتو من مناصبهم دون أن تنالهم كلمة تجريح في الإعلام العمومي، أو ينهش أعراضهم مسؤولو الدولة ومتحدثوها، ودون أن تسلط الألسن على أسرهم وقبائلهم وجهاتهم..؟ من كان يصدق أن ينأى رئيس موريتاني عن الحديث عمن يعتبرون خصومه؟ أو يتورع رئيس موريتاني عن توجيه الأجهزة كل الأجهزة للإجهاز المعنوي على من يعتبرهم بعض الناس خصومه، ومن يكيلون له التهم تلميحا وتصريحا..؟
إنكم فعلا أمام بلد غير البلد الذي تعودتم، ورئيس غير الرؤساء الذين تعرفون، وستكونون أمام غد غير الذي كان يسوقكم إليه بعض محللي التمنيات. اصبروا قليلا، فعما قريب سترون.