بعيدا عن الخوض في المسائل الخلافية ككراهة التطريب في القراءة وما المقصود بالتغني بالقرآن..
فإن هناك ظاهرة ملفتة -ولعلها من خصائص مجتمعنا- فرغم رصيدنا المعرفي الديني النظري، إلا أن الفجوة كبيرة حين يتعلق الأمر بالتطبيق العملي، فمثلا يحرص الكثير من الناس على أداء شعيرة التراويح، ولكنهم قد يفرطون في الفرائض أو ينقرونها نقرا استعجالا لصلاة التراويح والكل يحرص على أدائها شكلا لا روحا؛ فتراه يستميت في البحث عن إمام يسرع إسراعا، وتراه يحسب الوقت بالدقائق ،
كم استغرق هذا الامام؟ وكم استغرق ذاك الامام؟
قبل ليلتين كنت في مسجد الحي لأداء صلاة العشاء، وحين رفع الامام يديه للدخول في الفرض، انبرى له شيخ مسن في الصف الأمامي ممن يفترض أنهم أولوا الأحلام والنهى، ونهره قائلا "خفف... خفف... خفف.. وقد كان الشاب أكثر مطاوعة مما تتخيل فقد قرأ بالكوثر والاخلاص،
ونقر الركوع والسجود، وتجوز جدا في جلسة التسليم،
ثم نهض الكل إلى تراويحهم مستجمعين قواهم متخذين وضعية الفتح، وقد أجمعوا أمرهم وتواصوا بعدم التساهل او التهاون مع أي تعثر أو غلط يحصل من جهة الامام،
والامام يهُذّ الآي هذا، ويفري فريا، لا تكاد معه تتبين شيئا مما يقرأ حتى ولو كنت تحفظه عن ظهر قلب،
حين سلمنا من الفرض التفتت إلى أحدهم قائلا ما الفائدة من صلاة التراويح إذا كان ذلك يؤدي "لنقر" الفريضة؟؟!
والله تعالى يقول في الحديث القدسي: " وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه"
فأجابني بأن الناس في عجلة!!
إنه والله لأمر محزن أن يكون الامام دمية في أيدي العوام يملون عليه ما يفعل، مما يخالف السنة وأحكام الشرع،
والأدهى من ذلك أن يحاول بعض الأئمة مسايرة أهواء الناس لكي ينال رضاهم وثناءهم بأنه كان الاسرعَ، وبأنه قد حطم الرقم القياسي في مدة صلاة التراويح، فتراهم يتسابقون إلى مسجده وتكون شهرته بينهم على هذا الأساس.
لقد نسي الكثير منا أن صلاة التراويح فرصة لتدارس القرآن الكريم، ولسماع ءايات الله مبينات، فرصة للتدبر ، وفرصة للتذكر لمن ألقى السمع وهو شهيد، فحري بمن يقرأ في التراويح أن يسعى جهده ليتلوَ على الناس كلام ربهم بأسلوب ينتفعون به.
اللهم وفقنا لصيام رمضان وقيامة على الوجه الذي يرضيك.