رغم أني لستُ عضوا في حزب (تواصل) ولا في أي حزب سياسي آخر، فسأسمح لنفسي هنا باقتحام ساحة النقاشات الحالية في الحزب حول علاقته بالرئيس غزواني، والخلاف بين بعض رموزه وفي قواعده حول تقدير تلك العلاقة، خصوصا بعد اللقاءات الأخيرة مع ثلاثة من القادة، وإعادة فتح بعض المؤسسات الإسلامية تزامنا مع ذلك.
١. شكر الله الجهد وشفاعة الخير للقادة التواصليين الذين سعوا في استعادة بعض المؤسسات الإسلامية عملها، واللياقة السياسية تقتضي أن يشكروا الرئيس على هذه الخطوة، من باب الاعتراف بالجميل لمن قبل شفاعتهم الحسنة في هذا الموضوع.
٢. على أن واجب الشكر الشخصي هذا لا يشمل الجميع؛ فمجرد سماح غزواني لمجتمع مسلم متدين بإعادة فتح مؤسسة تعلّم الإسلام أو أخرى تعين المساكين (على حساب الأفراد المحسنين من أبناء المجتمع) ليس إنجازًا، ولا يستحق الثناء في ذاته؛ لأنه أمر بدهي، ومنعه ظلم فاحش.
٣. هذا النوع من القبول بالسقوف الواطئة، والإشادة بها، لا يخدم الحق والعدل، ولا يقدّم البلد خطوة إلى الأمام، ولا يدفع الحكام إلى التراجع عن ظلمهم، أو تدارك قصورهم، وواجب حمَلة همّ الإصلاح هو الدفع إلى تحسين الموجود، والمدافعة المحسوبة لتحقيق التغيير، لا الإشادة بالبديهيات المبتذلة بمنطق أي دولة محترمة أو سلطة عاقلة.
٤. شخصيا قدمتُ للنظام الموريتاني الجديد -كما قدّم له كثيرون- ما يكفي من (آفانْصْ) حسن الظن، ولستُ أنوي المزيد من ذلك، إذ لم ألاحظ في سلوكه العملي حتى الآن (بعيدا عن بلاغة الخطاب وحملات العلاقات العامة) ما يبشر بالخير عن نقلة إيجابية في البلد كنت أتوقعها وأتمناها.
٥. أسوأ ما يثير ريبتي في النظام الجديد هو علاقته الاستراتيجية الظاهرة والمُضمَرة بأبو ظبي، حيث يبدو مستأسراً لها بشكل كامل، وهذا الاستئسار الاستراتيجي-إذا استمر- سيكون كارثة على البلاد ومصيرها، وعلاقاتها الإقليمية والدولية في الخارج، والعلاقة بين السلطة والمجتمع في الداخل.
٦. ويلي ذلك في السوء انعدام الإرادة في تحقيق أي منجز ملموس في الأمور الجوهرية، مثل: إعادة بناء مؤسسات الدولة، أو السير خطوة نحو التحرر من حكم العسكر، أو خدمة المجتمع البائس على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي.
٧. إلى أن يكشف النظام الموريتاني الجديد عن وجهه، ويحسر عن رأسه، فسيظل بالنسة لي (ريحة حجرة)، وسأظل متحفظا على أي كلام تسويقي عنه، مع تفهمي لمقتضيات اللياقة السياسية والشخصية بالنسبة لبعض الأحبة في علاقتهم به، وفِي حديثهم عنه؛ ومع اعترافي بأنهم أكثر إحاطة مني بالخريطة الداخلية الموريتانية وحساسياتها وتوازناتها.
وخلاصة الأمر أن الشعوب الصبورة الشكورة والقوى السياسية ذات السقوف الواطئة قلَّ أن تخطو خطوة ببلادها نحو التطور السياسي، بسبب رضاها بزاد زهيد من حكامها، الذين يفترض -أخلاقيا وإنسانيا- أن يكونوا خدماً لها، لا جبارين عليها