السودان: من هما القائدان العسكريان البرهان واحميتي ؟؟

مع انهيار نظام عمر البشير، خرج عبد الفتاح البرهان من الظل بترؤسه مجلس السيادة الذي كلف بإدارة المرحلة الانتقالية، إلا أن شبح النظام العسكري طل برأسه من جديد عقب حله للمجلس واعتقال المسؤولين السياسيين المدنيين. ففرض نفسه كرجل المرحلة الجديدة، التي ظل خلالها الفريق محمد حمدان دقلو، الملقب بحميدتي، قائد القوات المستقلة عن الجيش داعما له فيها، وظله الذي يرافقه في غالبية خطواته، حتى بدأت تلوح في العلاقات بين الرجلين خلافات، تحولت اليوم إلى صراع عسكري على الأرض. فمن هما هذان الرجلان؟

لعب البرهان دورا رئيسيا بعيدا عن الأضواء في مشاركة السودان في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، ثم أصبح في دائرة الضوء حين تولى قيادة المجلس العسكري الانتقالي في أعقاب الإطاحة بنظام البشير على يد الجيش في 11 نيسان/أبريل 2019 إثر مظاهرات حاشدة، استمرت خمسة أشهر.

وبذلك، ظهر البرهان بشكل جلي ضمن صورة قادة السودان الجدد قبل أن يتحول للرجل القوي في البلاد، والذي كان من المفترض أن يرافق الانتقال الديمقراطي في البلاد سلميا حتى تسليم السلطة نهائيا للمدنيين. لكن مع مرور الوقت، أصبح المراقبون يشككون في صدق نواياه، ويعتبرون أن تحركاته تجسد مطامعه في الاستفراد بالسلطة.

وهذا، بقراره حل المؤسسات الانتقالية وفرض حالة الطوارئ في السودان، حيث أصبح يجسد الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان عودة الحكم العسكري، وسط ترحيب من البعض ورفض مطلق من آخرين، نددوا بما وصفوه بأنه "انقلاب" رغم تطميناته لهؤلاء بأنه يريد "تصحيح الثورة" التي أطاحت بالبشير.

إنه عسكري"

أمضى البرهان فترة من حياته المهنية كملحق عسكري لدى بكين. ويقول ضابط سوداني عن البرهان إنه: "ضابط كبير يعرف كيف يقود قواته"، مضيفا "ليست لديه ميول سياسية، إنه عسكري".

ولد البرهان عام 1960 في قرية قندتو شمال الخرطوم، ودرس في الكلية الحربية ولاحقا في مصر والأردن. وهو متزوج وأب لثلاثة أبناء. وكان قائدا لسلاح البر قبل أن يعينه البشير في منصب المفتّش العام للجيش.

في 12 نيسان/أبريل، أدى البرهان اليمين كرئيس للمجلس العسكري الذي تولى السلطة بعد البشير.

وتولى البرهان منصبه بعدما تنازل الفريق أول ركن عوض ابن عوف عن رئاسة المجلس العسكري بعد أقل من 24 ساعة في السلطة، تحت ضغط الشارع الذي كان ينظر إلى ابن عوف على أنه من داخل النظام وحليف مقرب من الرئيس السابق.

علاقات مع الخارج

مع استئناسه بأضواء السلطة، بات البرهان يتصرف ويعامل على أنه رئيس دولة. وهو يستقبل بانتظام المسؤولين والمبعوثين الأجانب الذين يزورون السودان.

يظهر بشكل عام ببزته العسكرية مع أوسمته على كتفه، وكان في الغالب مرفوقا بنائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع، خصمه العسكري اليوم.

خلال المفاوضات بين الجيش والمحتجين حول تركيبة الحكم، قام البرهان بزيارات إلى مصر والإمارات والسعودية. وتعد السعودية والإمارات من أبرز المانحين للسودان.

وتشير وسائل الإعلام السودانية ومحللون إلى أن البرهان تولى عملية تنسيق إرسال جنود سودانيين إلى اليمن في إطار التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين المدعومين من إيران.

وتقول ويلو بيردج، مؤلفة كتاب "الانتفاضات المدنية في السودان الحديث" وأستاذة التاريخ في جامعة نيوكاسل، إنه بموجب توليه الملف اليمني، عمل البرهان عن كثب مع قوات الدعم السريع، من دون أن تستبعد أن يكون دعم هذه المجموعة ساهم في إيصاله إلى السلطة"

حميدتي...الرقم الثاني في المعادلة العسكرية والسياسية السودانية

استطاع الفريق أول السوداني محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، أن يتسلق الدرجات، ليتحول إلى زعيم لجماعة الجنجويد المسلحة التي أثارت الخوف في النفوس وسحقت تمردا في دارفور. واكتسب نفوذا ثم دورا مهما في النظام السياسي السوداني الجديد، بوصفه ثاني أقوى رجل في البلاد وأحد أثريائها.

أدى حميدتي دورا بارزا في السياسة المضطربة في السودان على مدى عشر سنوات، ساعد خلالها في الإطاحة بالرئيس عمر البشير عام 2019، والذي كانت تربطه به علاقة وثيقة ذات يوم. ثم قام لاحقا بإخماد احتجاجات السودانيين الطامحين إلى الديمقراطية.

ومع توليه منصب نائب رئيس الدولة، تولى حميدتي، تاجر الجمال السابق والحاصل على قدر قليل من التعليم الأساسي، عددا من أهم الحقائب الوزارية في السودان بعد الإطاحة بالبشير، بما في ذلك الاقتصاد المنهار ومفاوضات السلام مع جماعات متمردة.

ويستمد الكثير من نفوذه من قوات الدعم السريع التابعة له، والتي أتقن مقاتلوها خبرة حروب الصحراء في منطقة دارفور، لكنهم يفتقرون إلى انضباط الجيش النظامي.

حمل حميدتي السلاح لأول مرة في منطقة غرب دارفور بعد أن قتل رجال هاجموا قافلته التجارية من نحو 60 شخصا من عائلته ونهبوا الجمال، وفقا لما ذكره محمد سعد المساعد السابق لحميدتي.

وانتشر الصراع في دارفور منذ عام 2003 بعد أن ثار متمردون معظمهم من غير العرب ضد الحكومة.

وشكل حميدتي، الرجل طويل القامة ذو الشخصية المهيبة، ميليشيات موالية للحكومة من رجال قبائل عربية، يعرفون محليا باسم الجنجويد، وذلك قبل أن تتحول تلك الميليشيات إلى قوات الدعم السريع الأكثر تنوعا.

واتهمت المحكمة الجنائية الدولية البشير ومسؤولين آخرين بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية في دارفور بدأت في عام 2003، وأدى الصراع إلى مقتل نحو 300 ألف شخص وتشريد 2.7 مليون. ولم توجه أي تهم إلى حميدتي.

حامي البشير

قالت مصادر مطلعة إنه عندما أراد البشير أن يحتمي من خصومه خلال فترة حكمه التي استمرت 30 عاما، اختار حميدتي لهذا الدور. ومع إعجابه بدهاء حميدتي ومهاراته القتالية، اعتمد البشير عليه في التعامل مع المتمردين على الحكومة في صراع دارفور وفي أماكن أخرى في السودان.

وتم إضفاء الشرعية على ميليشيات حميدتي. وحصل على رتبة عسكرية وكان له مطلق الحرية في السيطرة على مناجم الذهب في دارفور وبيع المورد الأكثر قيمة في السودان. وبينما توالت الأزمات الاقتصادية على البلاد، أصبح حميدتي ثريا.

وفي مقابلة مع بي.بي.سي قال حميدتي إنه ليس أول شخص يمتلك مناجم ذهب، ولا يوجد ما يمنع من العمل في الذهب.

وأبدى حميدتي القليل من التسامح مع المعارضة. وقال شهود إن قوات الدعم السريع شنت حملة دامية على تجمع احتجاجي في 2019 أمام وزارة الدفاع بعد الإطاحة بالبشير، مما أودى بحياة ما يزيد على مئة شخص. ونفى حميدتي إصدار أمر بالاعتداء على المحتجين.

"طموح غير محدود"

وبعد دعمه للبشير على مدى سنوات، شارك حميدتي عام 2019 في الإطاحة بحليفه القديم الذي واجه ضغوطا من احتجاجات حاشدة، طالبت بالديمقراطية وحل المشكلات الاقتصادية.

وفي إطار شراكة مدنية عسكرية أقيمت بعد عزل البشير، لم يهدر حميدتي أي وقت في محاولة رسم مستقبل السودان الذي حكمه قادة عسكريون استولوا على السلطة في معظم تاريخه بعد الاستعمار.

وتحدث علنا ​​عن الحاجة إلى "ديمقراطية حقيقية"، والتقى بالسفراء الغربيين. كما أقام صداقات قوية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بعد أن أرسل قوات الدعم السريع لدعمهم ضد الحوثيين المتحالفين مع إيران في الحرب الأهلية اليمنية. وأجرى محادثات مع الجماعات المتمردة.

وقالت شخصية معارضة، طلبت عدم نشر اسمها خوفا من تعرضها للانتقام، "خطط حميدتي ليصبح الرجل الأول في السودان. لديه طموح غير محدود".

واستولى الجيش في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 على السلطة وأعلن حالة الطوارئ، منهيا اتفاق تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين في خطوة نددت بها الجماعات السياسية ووصفتها بأنها انقلاب عسكري.

وقال حميدتي في بيان مصور إن الجيش استولى على السلطة "لتصحيح مسار ثورة الشعب" وتحقيق الاستقرار.

وقال حميدتي إن الجيش مستعد لتسليم السلطة في حالة التوصل إلى اتفاق أو إجراء انتخابات. ولم يقتنع الكثير من السودانيين بذلك.

لكن الانقسامات بين قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي والجيش عقّدت جهود استعادة الحكم المدني.

وحذر الجيش السوداني قبل أيام من خطر وقوع مواجهة بعد تحركات جماعة حميدتي شبه العسكرية، وهو ما حدث السبت باندلاع المواجهات المسلحة بين الطرفين أسفرت حتى الآن عن العشرات من القتلى.