كتب أستاذنا الدكتور محمد المختار الشنقيطي عن اللقاءات مع السيد الرئيس محمد ولد الغزواني والشفاعة - والسقوف - والشعوب ....
ولأن دكتورنا الحبيب علمنا - معشر تلامذته - ضرورة التحرر من التقليد بنقاش الأفكار ومطارحة الآراء وكسر حاجز الصمت عن صيد الخاطر الذي أضحى ثروة تدفع الى الفهم والتجديد وتزيل ركام الريبة عن السائرين .
لقد أنجز أستاذنا ثروة معرفية غزيرة وأضاف إضافات عظيمة لمدرسة الفهم والفكر والتجديد وقد ناقش الشيخ الغنوشي الذي نعلم جميعا حجم مايكن له من تجلة وتقدير وقوم بعض مواقفه .
علمنا أستاذ الجيل أن نصدح بالرأي الذي يعنُّ للواحد منًا حتى ولو كان متعلقا ب"مسلمات" تتعلق بتراث السلف درج الناس على أنها ثوابت لفرط ما استسهلوا التسليم بها ...
من هذا الباب أود نقاش شيخنا الجليل وأستاذنا الكبير مع حفظ مكانته في العلم وقامته في النضال وقول الحق الذي أضحى له عنوانا ووسام شرف لبلادنا بكونه قدوة ومرجعا في الفكر النير والعلم الواسع وصوت الحق المزلزل الذي لا يخاف في الله لومة لائم ...
1- تحدث دكتورنا أولًا عن بعض الخطوات التي اعتبرها مسوغا للشكر المتفهم وقبوله لأنها رفع للمظالم وإنصاف للمظلومين ، ثم في الفقرة الثانية نفى أن تكون مثل تلك الخطوات مُستحقا للشكر لأنها حق مكتسب ! وذلك لعمري أمر عجاب وهو بعيد عن تقدير الظروف المحيطة بنا ، والواقع الصعب وأجواء التوتر التي كانت سيدة الموقف قبل قدوم الرئيس الغزواني .
إن البلاد التي لبدتها الصراعات والمناكفات شدا وجذبا بعض أهلها يلعن بعضا والسلطة فيها سيف مسلط على كل عمل حر ونافع جاد ، حيث أعملت السلطات المنصرفة سيف الإغلاق والمنع لكل أبواب الخير ومدارس العلم ومجامع العمل الإسلامي الوسطي وقد شنت حربا إعلامية لا هوادة فيها تُوِّجت بإعلان رئيسها في خرجات رسمية بأنه لا فرق بين الوسطي من أهل العمل الإسلامي والمتطرف بل ذهب أبعد من ذلك ليعلن أننا أفظع من اليهود والنصارى ... ألا يعتبر مجرد توقف ذلك السلوك العدواني الشرس بخطابه وأفعاله إنجازًا ؟ ومؤشرا لوحده، فكيف وقد تجاوز ذلك للإنصاف ورفع بعض المظالم ورد الاعتبار ، والقبول بالمُتحامل عليه والمستهدف شريكا طبيعيا في الوطن مستشارا مثل غيره في الأمور الجارية .
2- إذا كنا واقعيين كما يدعونا إلى ذلك الدكتور الشنقيطي في ثنايا سفره الضخم المميز (الأزمة الدستورية في الحضارة الاسلامية) وتحت عنوان هام هو - بين الامكان والتحقق-
حيث ينسب للفيلسوف الالماني هيجل قولا ثمينا على حد تعبير الدكتور : مبينا (الفارق الهائل بين المبدأ في حالة تجريد وبين تحققه العيني )
كما نسب الى ذات الفيلسوف هيجل الفرق بين مرحلة غرس المبدأ ومرحلة إدخاله في مختلف أنسجة الواقع المعاش ... (بتصرف).
تأسيسا على ما سبق أليس من الواجب علينا أن نكون واقعيين أكثر في أجواء كهذه ومرحبين بكل بصيص أمل يشي بإيجابية وينضح بتغيير؟ ...
3- إن إدراكنا سيادة الدكتور لحجم الاكراهات والعقبات يجعلنا نثمن مجرد التحول من الاستهداف إلى التحاور والتلاقي وهي الميزة التي بدأ بها الرئيس محمد ولد الغزواني حكمه حاضا على نزع فتيل الكراهية والقطيعة بين أبناء الشعب الواحد ، أليس من أدبياتنا سيادة الدكتور الاشادة بكل خير وبهيج وجميل) على حد تعبير المفكر الكبير محمد أحمد الراشد ، فهو في بيداء الاستهداف والبيع في سوق المحاور الدولية عمل ثمين مهما قل وعلينا ورُشد التعقل يحدونا أن نثمنه ونطلب رفع الوصاية على المجتمع.
بعد ذلك أليس العمل على توسيع دائرة المشترك من الهم الوطني والمتفق عليه وهو كبير من الثوابت والطموحات أمر مطلوب ، أليس كل ذلك أولى من التنابز والتراشق كل من خندقه يذكي شيطنة الآخر ويترك الفرصة للأعداء والمتربصين كي ينفذوا خططهم الجهنمية بغية التفرقة والاستنزاف والخاسر هنا هو الدولة ونحن والمجتمع.
4- سيدي الدكتور إن الفرق شاسع بين من يقود على الأرض القطار بحمله المتنوع ويبحث له عن طرق فسيحة تتسع لكل أبناء البلد ومن ينظر في سماوات الإبداع فكرا ثاقبا ورأيا سديدا نيرا ومهما حلق التنظير توقدا ورشدا سيظل فقه الواقف على الأرض الملم بتفاصيل الامكانيات والإكراهات أقرب إلى المتحصل من النفرة وليدة المعاناة .
إن الواقع يفرض التعامل مع السقف الذي لن يرتفع في البلاد الهشة إلا بخطة تجعل السواعد مشتركة في رفعه في آن واحد وأي خلل في التوازن مؤذن بالسقوط عند فقهاء الإنشاءات
إن التعامل مع الممكن هدي نبوي مهما دنت سقوفه ظاهريا أو ارتفعت دلالاته مستقبليا
لقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم نزع صفة الرسالة عنه بأبي هو وأمي وتسليم أبي بصير وأباجندل يوم الحديبية ولقد اعترض الرأي العام الاسلامي ممثلا في الصحابة ودموع عمر تنهمر لأن الدنية أعطيت في الدين و السقوف .... فإذا كان ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقبوله لبعض الأمر الواقع مع الكفرة الفجرة من عتاة قريش فإن القبول واجب بأي سقف يشي بتغير في الأفق مع أبناء الملة والوطن الذين ينحصر الفرق معهم في الجدية في التطبيق والالتزام ويتحد معهم في المشتركات والطموحات ،
إن فقه القادة وهم يقبضون على جمر الواقع ويرشدون الفرص ويعالجون بواقعية فن الممكن مختلف اختلافا تاما على أرض الواقع عن أي تنظير مجرد .
5- أما موضوع طول النفَس وطرق المعالجة فالناس فيه على أطباق وطباعهم فيه متباينة لقد اعترف أستاذنا بانه أعطى الرئيس غزواني من الوقت والفرص فهو إذا لا يعترض على المبدأ في التعامل والتوقع لذلك يظل اجتهاده في نهاية الزمن الكافي ووقت الانتظار مجرد تقدير شخصي نحترمه ولكنه مجال يسوغ فيه الاختلاف والاجتهاد ولا نص ثمة ملزم لأحد صريحا في الدلالة قاطعي الثبوت .
6 نعم إن الاندفاع في سياسة المحاور التي وُرط البلد فيها من طرف من كان في الحكم قبلُ مرفوضة وقاضية على كل ألوان السيادة والاستقلال وأثرها بالغ الهدم للمكتسبات الوطنية ولكن النظر بعدل لظروف البلد وما يعانيه من فقر وأجواء الكوارث التي تحيط به بعد الجائحة مع أهمية كل دعم أو فلس يودع في الخزينة العمومية ويشد من تماسك العملة الوطنية والقوة الشرائية للمواطن الذي تحيط به الأخطار ، كل ذلك مدعاة إلى تفهم إدارة إرث النظام المنصرف بقدر ضاف من التماسك والصبر والحكمة ، وعلى من لم يبتلى بتدبير أقوات الناس وتأمين حاجياتهم المختلفة أن ينصف القابض على جمر واقع مر ومركب .
7- إن الشعوب الصبورة تفلح حقا إن هي رزقت قادة يحققون لها التطلعات ورغد العيش بأقل الخسائر وفي جو العافية ، ولذلك المنحى تكاليف باهظة أحيانًا في السمعة والتجريح قد لا يسلم من اتهام النيات ونبز بإعطاء الدنية في الدين والنضال ، لكن حسن القصد والصدق مع الله ثم مع الأمة والتجرد للصالح العام كل ذلك فيه عزاء وبلسم شاف لجراح يثخن بها المشفقون أحيانًا من يجتهد في الصالح العام بما لا يتبادر لكل ناظر أويقتنع به كل بصير .
إن الشعوب في النهاية سوف تُكبر في من يتصدون للشأن العام إنهم نجحوا في توفير الطاقات التي تضيع في الصراعات والمناكفات ثم يبنون على كل خير ويوسعوا دائرة المشترك وينتزعوا الحقوق بأقل الأثمان وأيسرها.