لم يستطع السياسي والأستاذ القدير محمد الحافظ ولد إسماعيل مغالبة تيار الهجرة نحو النظام، لكنه أصر على البقاء رفقة ثلة من رفاقه فيما يشبه الاعتكاف في حزب التحالف الشعبي التقدمي الذي تقلصت دائرة نفوذه وقدراته، وتحول إلى حزب نخبوي، بعد أن خرج من انتخابات العام 1992، بنتيجة متواضعة، ضعيف الأداء يقتصر على مقر مركزي في حي شعبي في زقاق ضيق إلى الشمال من ما كان يعرف بالصيدلية المركزية في العاصمة نواكشوط.
كان الحزب رغم ضعفه السياسي الوريث الشرعي الوحيد للتيار الناصري القوي الذي مثل أهم قوة معارضة خلال سنوات الرئيس محمد خونه ولد هيدالة، وفي سبيل تلك المعارضة نال هذا التيار نصيبه غير منقوص فاحتضنت السجون والمنافي المئات من شبابه وقياداته، كما كان الواجهة الأكثر تعبيرا عن مطالب الهوية والاستقلال اللغوي للبلاد.
ولم تكن نشأة التيار الناصري حديثة، حيث يمكن القول إنه كان محمولا فكريا في أدبيات حركة النهضة، قبل الاستقلال وكان الصوت الوطني الأقوى الذي تخلق من أزمة الهوية وسؤال التعريب الذي رافق الاستقلال، لكن وجود تنظيم ناصري وطني وفعال لم يسبق سنة 1977، وفق القيادي الكبير في التيار محمدن ولد التمين، لكن وجود خلايا وهيئات تنسيق ناصرية متعددة كان سابقا لوجود التنظيم المحكم.
خلال هذه الفترة كان التيار ذا علاقة قوية بالتيار البعثي، وكان الطرفان في مواجهة دائمة مع الحركة الماركسية التي يمثلها الكادحون، ومع الزمن بدأت العلاقة تسوء بين جيران التيار البعثي، ووصلت حد الخلاف في المشتركات الفكرية، حيث يذكر القيادي الناصري محمد عبد الله ولد العيل أن الطرفين فشلا مرة في إصدار بيان مشترك بسبب رفض البعثيين تصدير البيان بالبسملة، ولاحقا سيتحدث عدد من الناصريين عن تعرضهم للتعذيب الشديد خلال اعتقالات سنة 1981 على يد ضباط من بينهم قيادي في التيار البعثي وهو المرحوم المفوض انده حبيب.
استقل التيار الناصري بنفسه منذ منتصف السبعينيات، لم يكن التيار ضمن القوى السياسية التي شاركت في الانقلاب على الرئيس المختار ولد داداه، وإنما شارك مولاي ولد بو اخريص في الإنقلاب بصفته الشخصية.
وسرعان ما تحول إلى معارضته للعسكر فيما يعرف بالثورة الناصرية سنة 1984، والتي فقد فيها الناصريون اثنين من خيرة قياداتهم السياسية والشبابية أثناء تلك الاعتقالات.
رغم معارضة بعض القيادات لهذه الثورة، فقد غلبهم الشباب، وتقررت الإنتفاضة ضد النظام، والحراك المناهض له بعد ايام العسل التي شهدتها علاقة التنظيم والنظام في سنواته الأولى.
ومع نشأة التيار الإسلامي منتصف السبعينيات تباين الناصريون أيضا مع الوافد الجديد، خصوصا أنهم كانوا يمثلون قبل ظهوره التيار العروبي المطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، لكن حجم التباين والخلافات الفكرية بين الطرفين، جعلهما يغرقان في مواجهات سياسية عنيفة ودائمة واتهامات متبادلة.
الناصريون من السجون إلى التغلغل في نظام ولد الطايع
كثف الناصريون حضورهم وقدراتهم خلال سنوات الثمانينيات، وكانوا يتعرضون بين الحين والآخر لاعتقالات مؤلمة، من بينها على سبيل المثال اجتماعات روتينية، لمجموعة منبثقة من التنظيم، لكنها مرتبطة بالنظام الليبي. ففي مؤتمر نظم في العاصمة نواكشوط بداية الثمانينيات، امتنع اغلب المؤتمرين عن مبايعة نظام القذافي، إلا مجموعة محدودة والظاهر ان الامن مطلع على محريات الأمور، حيث داهمت الشرطة المجموعة أثناء إحدى الجلسات، وذلك بناء على وشاية من قيادي كبير في التيار وفق ما كان متداولا يومها.
مع وصول الرئيس معاوية ولد الطايع إلى الحكم بدأ مسار جديد، عزز نفوذ وحضور الناصريين في مفاصل الحكم،فطلابهم الذين درسوا في الثانويات خلال السبعينيات قد أصبحوا رجالا، وتولوا بحكم الزمن مقاليد وظائف متعددة، وأصبح حضورهم طاغيا في المؤسسات العمومية، وانفتح عليهم ولد الطايع، حيث عين سيدي محمد ولد ببكر المحسوب على التيار الناصري بمفهومه العام، دون أن تكون له علاقة بتنظيم الناصريين وزيرا للمالية، ثم وزيرا أول، كما ترقى القيادي الناصري الرشيد ولد صالح رحمه الله تعالى ليصل إلى رئاسة البرلمان.
يقول الرئيس الخليل ولد الطيب لموقع الفكر: "رحبنا بنظام معاوية لأنه جاء على أنقاض رئيس زج بنا في السجون، ومن جهة أخرى استبشرنا خيرا بخطابه الذي أعلن وقادنا طموحنا وسعينا إلى أن نجد موطئ قدم في السلطة على غرار باقي التيارات السياسية الأخرى، فاتصلنا به ودخلنا حكومته سنة 1988.
في البداية اتصلت بمعاوية عن طريق أخيه أحمد بن الطائع عليه رحمة الله، وتحاورت معه وتحاور معه عدد من الزملاء الآخرين باسم التيار الناصري، ونتيجة لهذا الحوار وهذه اللقاءات قرر أن يشركنا في حكومته، فدخل أحمد ولد اخليفة ولد جدو والرشيد ولد صالح رحمه الله، فقد دخلا بصفتهما يمثلان طيفا سياسيا، ولم يدخلا عن طريق قبائلهما.
إلى 1997 حيث خرجت من نظامه مجموعة من الناصريين، وليس كل الناصريين.
وكنت ضمن المجموعة التي خرجت من الحكومة".
كان الناصريون قوة نوعية في الحزب الجمهوري، لكن علاقاتهم بدأت تسوء مع نظام ولد الطايع، حيث غادروا حزبه سنة 1997، واستقال عدد منهم من وظائف مهمة مثل استقالة القيادي الناصري محمد الأمين ولد الناتي من منصبه مديرا لديوان كاتب الدولة لمحو الأمية، وغادرت الجماعة الناصرية إلى حزب اتحاد القوى الديمقراطية، وتولوا فيه مناصب نوعية، ولم تطل إقامة الناصريين في هذا الحزب، حيث شكوا مما يرونه ديكتاتورية وغيابا في الرؤية الديمقراطية لدى قائده أحمد ولد داداه، وتوجهوا إلى تكوين بنيتهم وعلاقاتهم الخاصة.
جدير بالذكر أن هذه المجموعة كانت الجزء الأقل من الناصريين، حيث بقيت مجموعة كبيرة داخل الحزب الجمهوري ولم تغادره، فيما اختارت مجموعات أخرى من الأطر والأساتذة الانحناء للعاصفة، والخروج من المعترك السياسي
في الضفة الأخرى كان الناصريون قد أسسوا حزب التحالف الشعبي التقدمي الضعيف الحضور والتأثير، وظل ينكمش بشكل متواصل ومتزايد ليتحول إلى مجرد مكتب صغير في حي شعبي بمقاطعة تفرغ زينة ( كبتال).
التحالف الجديد.. زواج الشرعية والشعبية
لم يكد الزعيم الجماهيري لحركة الحر مسعود ولد بلخير يغادر منصبه وزيرا للتنمية الريفية نهاية الثمانينيات حتى انخرط في مسار سياسي معارض شديد الراديكالية بمقاييس السلطة يومها، كانت التراتبية الاجتماعي في مرمى نيران ولد بلخير، الذي ترشح معارضا لانتخابات 1990، ونافس بقوة على بعض الدوائر في العاصمة، وفي المقابل نافست لائحة الأطرالمحسوبة على التيار النثاصر في دوائر أخرى قوة أقل.
وبناء على نتائج الانتخابات البلدية أصبح مسعود عضوا في المجلس البلدي للعاصمة، بعد هزيمته على يد لائحة الشورى بقيادة الداه ولد الشيخ، التي مثلت تحالفا بين الإسلاميين والنظام ورجال الأعمال، لاحقا سيكون ولد بلخير قياديا فعالا في التشكيل السياسي للمعارضة وسيتولى بعد ذلك الأمانة العامة لحزب اتحاد القوى الديمقراطية، في التوليفة التي دخل بها أحمد بن داده رئيسا للحزب، قبل أن يدخل في صراع مرير مع رئيسه أحمد ولد داداه، لتخرج حركة الحر من الحزب، وتؤسس حزب العمل من أجل التغيير AC ، ومن خلاله واصل ولد بلخير التبشير بخطابه التحريري حسب أنصاره والتحريضي حسب خصومه، ولاحقا سيتم حل الحزب في العام 2001 بتهمة التطرف السياسي، قبل أن يتم بعد ذلك رفض مشروعه السياسي الآخر، حزب المعاهدة من أجل التغيير.
كان حزب العمل من أجل التغيير AC خاض انتخابات 2001، فنال عضوية البرلمان، و حصد بعض البلديات مثل بلدية الميناء التي كانت من نصيب القيادي في الحر محمد ولد بربص، من جهة أخرى نال أحد قادة التيار الناصري عضوية المجلس البلدي في عرفات كمنتخب من خلال حزب التكتل، وآلت إليه البلدية بعد اعتقال وإقالة عمدتها المنتخب عن حزب التكتل محمد جميل ولد منصور.
طوال سنتين على الأقل من الانتظار كان مسعود ولد بلخير في بحث دائب عن شرعية سياسية مفقودة لقوة جماهيرية فعالة، أما الناصريون فقد كانوا ينقبون بقوة عن شعبية تسربت بين مفاصل النظام أو في سراديب اللامبالاة والإحباط الذين كان مسيطرا على أغلب النخب وعامة المواطنين.
بدأت المفاوضات عسيرة واستمرت سرية وهادئة، وانتهت سنة 2003، بإعلان اندماج جديد بين الحركة الناصرية المعارضة وحركة الحر، تنازل بموجبه الناصريون عن رئاسة الحزب لمسعود ولد بلخير، وتولى الرئيس السابق لحزب التحالف الشعبي التقدمي محمد الحافظ ولد إسماعيل منصب الأمين العام، قبل أن يتولى لاحقا منصب رئيس المجلس الوطني، وبعد ذلك تضاءل حضوره في الحزب وفي الشأن السياسي بشكل كبير، وبقي الحزب خالصا لحركة الحر، إلا ما كان من هوامش ناصرية قليلة ومحدودية الأداء والحضور.
التحالف.. صراع رفاق الحر.
بسط مسعود ولد بلخير نفوذه بقوة على حزب التحالف الشعبي التقدمي، واستطاع أن يكون رقما صعبا في رئاسيات 2003، حيث حل ثالثا بعد الرئيسين السابقين معاوية ولد الطايع ومحمد خونه ولد هيدالة، كما حل ثالثا أيضا في انتخابات 2006، ليحل ثانيا في الانتخابات الرئاسية في العام 2009.
وكان لدعمه للرئيس الأسبق المرحوم سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله دور كبير في إيصاله إلى السلطة عبر مفاوضات شاقة قادها سياسيون من التيار الناصري، وتولاها عن المجلس العسكري الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني.
وانتهت بتعيين وزراء من حزب التحالف الشعبي التقدمي من بينهم القيادي الحالي في حركة إيرا عمر ولد يالي ومحمد الحافظ ولد إسماعيل ومحمد ولد بربص ومحمد الأمين ولد الناتي، إضافة إلى منح مسعود ولد بلخير رئاسة البرلمان، زيادة على تعيينات واسعة لعدد كبير من أطر الحر وشخصياتها في مناصب متعددة.
ولم يطل المقام، حيث أسقط انقلاب الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الرئيس ولد الشيخ عبد الله، ودخل ولد بلخير مجددا في عمق المعارضة، مما أدى إلى خروج متزايد للجماعة الناصرية وخصوصا الخليل ولد الطيب وبعض مقربيه سياسيا، باتجاه النظام، وبدأ حضور الناصريين في خفوت متزايد.
ويرجع خروج الخليل ولد الطيب من الحزب إلى الصغوط التي مارستها عناصر نافذة في حركة الحر ضده بعد عودته من إحدى زياراته المثيرة لليبيا، ماجعله ينسحب من الحزب.
لاحقا ستنفجر الأمور أمام ولد بلخير، بعد صراعه العميق مع قيادات فعالة في حركة الحر، وخلال مؤتمر الحزب سنة 2009، تحدث مسعود بكل صرامة ووضوح مؤكدا أنه هو رئيس حزب التحالف ولن يسمح بانتزاع مكانته أو تحطيمها، فخرج الرفاق جماعات بعد أخرى، وقد كان أقوى الانسحابات خروج نائب رئيس الحزب عمر ولد يالي، ثم خروج كتلة القوى العمالية بقيادة الساموري ولد بي ومحمد ولد بربص ومجموعات أخرى متعددة.
قبل أن تدخل الأطراف في سجال وسباب عبر المواقع وصفحات الجرائد، وسرعان ما توالى الخروج أيضا مع مجموعة من أطر الحزب في دار النعيم، ولاحقا مع مجموعة أخرى قوية من أطر الحزب في ازويرات، إضافة إلى انسحاب مجموعة الميناء أيضا بقيادة الزعيم الحالي للمعارضة عن حزب تواصل.
ومع ظهور حركة إيرا، وتأسيس حزب المستقبل بقيادة الساموري ولد بي اتضح أن مسعود ولد بلخير لم يعد الفاعل الوحيد في الملف السياسي المعبر عن شريحة لحراطين، وبدأ دوره يتراجع خصوصا في ظل رفضه إقامة مؤتمر للحزب، وتآكل هيئاته القيادية، ورغم ذلك ظل ولد بلخير ذا قدرة على صناعة تحالفات قوية والتموقع بين الحين والآخر، حيث أعاد العلاقة مع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وأسس مع رفيقه السابق في حركة الحر بيجل ولد هميد كتلة المعاهدة بالإضافة إلى حزب الصواب الذي استفاد من موقعه بين " رفاق الحر"
واصل ولد بلخير رئاسة البرلمان إلى اكتمال مأموريته، ونال لاحقا رئاسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي، واستطاع أن يحصد مستوى من الإجماع لدى الجماهير الموريتانية بعد أن صار خطابه أكثر هدوء ووطنية، أو على الأقل بعد أن أصبح وطنيا جدا مقارنة مع خطابات شرائحية أخرى صدرت من بعده.
وقد حقق مسعود ولد بلخير، وفق بعض المراقبين، مفاجأة ترقى لكونها انقلابا حين تمكن في الحملة الانتخابية 2009 من استقطاب مجموعات وقوى اجتماعية معتبرة.
حيث قال في مهرجان حاشد بمدينة أطار، إنه لم يتخيل إن ياتي اليوم الذي يحتضنه فيه المجتمع الموريتاني بهذه الصورة التي جعلته يبكي تأثرا في ذلك التجمع الانتخابي.
هل حلت حركة الحر؟
يقول محمد بن بربص لموقع الفكر: لا، حركة الحر أصبحت فكرة ولم تحل رغم ما وقع من مطبات وتباين في الرؤى، وكان يراعى في حركة الحر أنها فكرة للجميع ،والغرض منها استئصال مشاكل معينة وبناء جسور تمكن من انصهار الموريتانيين فيما بينهم من أجل بناء دولة قانون، وعدالة، وما حدث هو انقسام الناس على أساس الفكر وبقي أناس متمسكين بالحر برئاسة مسعود بن بلخير وقد أعلن في 2009م. حل الحركة وبقي آخرون متمسكين بها وأبوا إلا أن يواصلوا في الحركة، ورأت المجموعة أن مسعود وإن كان ترأسها إلا أنه ليس له الحق في حلها دون الرجوع إلى تشاور أو مؤتمر،
ورأينا أن حركة الحر ليست حركة عنصرية وليست "شوفينية" وأنها تخدم المصلحة العليا لموريتانيا بما تنجزه من جر الناس المهمشة لتلتحق بالركب..
وأنا أعتبر نفسي وإن كنت خارج حزب المستقبل من حركة الحر فكرا وتنظيما ، والساموري بن بي أعلن أنه رئيسا لتنظيم الحر، والتنظيم يمكن أن تحله مجموعة وتعلن مجموعة أخرى التمسك به.
اما اسغير بن امبارك فقال لموقع الفكر: حركة الحر أرى أنها تيار اجتماعي محض، وكان الغرض والهدف من تأسيس هذه الحركة،هو القضاء على ظاهرة الرق الاجتماعية، فقد آن الأوان للقضاء عليها.
وأرى أن العبودية بمفهومها البشع غير موجودة ولكن هناك بقايا، والإشكال اليوم المطروح بالنسبة لهذه الفئة هو إدماجها في النسيج الاقتصادي حتى تلتحق بركب الفئات الأخرى، لأنها عانت كثيرا من التهميش اقتصاديا وعلميا؛ فلم تتح لها الفرصة في مرحلة معينة للتمدرس، وبالتالي أرى أن من واجب النظام القائم أن يعتمد سياسة التمييز الإيجابي لصالح هذه الفئة حتى تلتحق بركب الفئات الأخرى، هذا هو رأيي"
كان الرئيس مسعود ولد بالخير قد ذكر في العام 2009، أن حركة الحر لم تعد موجودة.
يقول الساموري ولد بي لموقع الفكر: "هذا ما قاله مسعود وقد ترك الحركة، لكن هناك أناس آخرون يقولون شيئا غير ذلك وهي أن الأسباب والدواعي التي نشأت من أجلها الحركة ما زالت قائمة فهي نشأت من أجل النضال ضد العبودية والاقصاء والغبن والتهميش وهذا كله ما يزال موجودا، وشريحة "لحراطين" ما زالت تراوح مكانها بالدونية والتهكم والحرمان من حقوقها الأساسية في الدولة، ويمكن أن نقول اليوم إن نسبة ٣٠- إلى٤٠% من "لحراطين" محرومون من حقهم في الاوراق الثبوتية وهذا يتم بشكل ممنهج ومقصود ولم تتخذ الآليات التي تمكنهم من تحقيق ذلك، وقول لكم إن حركة الحر مازالت موجودة وأنا أترأسها منذ العام ٢٠١٠م. وقيادتها لم تعد بتلك السرية بعد المراحل التي شهدت مستوى من الحياة الديمقراطية وترخيص الأحزاب، وقاداتها أصبحوا معروفين وتحدث فيها تغييرات طبيعية كالتي تحدث في أي تنظيم"
يقول بيجل بن هميد لموقع الفكر: العبودية قانونيا لم تعد موجودة فلم يعد هناك قانون يقر العبودية، والدولة قررت أن العبودية لم تعد موجودة، فكما قلتم، وهو أمر مؤكد أنه لم يعد موجودا منها إلا ما يمارس خلسة سواء من المملوك أو المالك، لأن الدولة لم تعد تسمح بذلك والعالم قد تجاوزه، ودائما ما أضرب مثالا على ذلك بالسرقة، فالسرقة يحرمها الشرع والدين ولكن لا يزال هناك من يقتحم المتاجر ويسرق، وهذا هو حال العبودية، فمن أراد أن يمارس العبودية لا يمكن أن يفعل ذلك إلا خلسة، فلا يمكن أن يعلن أحد أنه يملك عبدا، كما لا يمكن لأي أحد أن يقول إنه عبد وأن هذا سيده ومالكه، ومعنى هذا أنها لم تعد موجودة، أما المخلفات فلا بد من العمل دائما على التخلص منها.
وما دار بيننا في تلك الفترة من أن القضية لا يمكن أن تكون قضية لون، وبعد ذلك أصبحت الحركة اجتماعية ولم يكن بإمكانها أن تكون حركة سياسية وقد قلت لهم إن السياسة لها طريقها الخاص، وعندما تم إنشاء الأحزاب انضممت إلى أحدهم، وقلت بأنني لا يمكن أن أكون في حزب باسم شريحة، لأن من كان لديه حزب، المفترض أن يكون لديه برنامجًا لموريتانيا كلها، وبرنامج موريتانيا كلها لا يمكن أن يكون خاصا بجماعة عن أخرى بل يجب أن يكون لكل الموريتانيين بعربهم وزنوجهم"
النقيب ابريكه ولد أمبارك: كما قلت لك هذه قضية لحراطين، أنا التقيت بمسعود ولد بلخير في العام 1962 في أطار، كنت أدرس الإعدادية، وأعجبني طرحه في هذه القضية، وألفت نظركم إلى أنني حضرت أول اجتماع تأسيسي لحركة الحر في المقاطعة السادسة، وكنت حينها عسكريا، وقد فهمنا أن قضية لحراطين يجب أن تحل مشكلتها، ولكن فهمنا أننا من العرب، وقضية لحراطين لا تحل بتصفية الحسابات، أو الانتقام، من يريد حلها يترك الانتقام جانبا.
الرئيس مسعود لعب دورا حقيقيا فيها، وهناك آخرون معه؛ لأنه عند ما أسس حركة الحر مع الشخصيات المؤسسة، لم يبخل عليها بشيء وقدم ما استطاع لها وكتب كل شيء، وكنت معه وحدي، ولكنني كنت في الجيش.
ولكن قضية لحراطين تدر أموالا (قضية احلوه)؛ لأن الصهيونية والعلمانية يبحثون عنها، وعند ما يقوم شخص ويقول "لبيظنا" يمكن أن يدعموه.
اليوم 2020 علم الناس أن القضية لا يمكن حلها بالكلام، الأموال التي حصل عليها البعض هل استفاد منها أهل الكبات وآدوابه.
مسعود وولد الغزواني.. الترقب الحذر
لم ينفتح الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني بشكل كبير على حزب التحالف ورئيسه مسعود ولد بلخير، وقابل هو ذلك التحفظ بحملة إعلامية كبيرة، ويقول عارفون بالرجل إن حملاته القوية ضد النظام هي طريقته التقليدية للدخول في المفاوضات.
ولاحقا سيدخل ولد بلخير في تفاوض هادئ مع النظام، عاد بموجبه وبحماس كبير إلى حوار الداخلية، قبل أن يدخل في دوامة صمت لم يقطعها غير سعي بعض أنصاره وقيادات حزبه السابقين إلى التبشير بحزب الإنصاف داخل دوائر الدعم التقليدية للحزب.
يتقدم حزب التحالف الشعبي بلوائح قليلة للانتخابات، وفي بعض الأحيان قدم لوائح من شريحة واحدة لا أكثر بعد أن أصبح الحزب خالصا لما تبقى حول مسعود ولد بلخير من رفاق حركة الحر.
وفي حالة نادرة رشح الحزب القيادي الناصري أحمدو ولد عبد الله، على رأس لائحته الوطنية المختلطة، حيث يرى البعض أن مسعود يحاول لملمة الأنصار وإصلاح ما أثٱته الأيام الخوالي، فهل يصلح العطار ما افسد الدهر.
يحسب للتحالف – وخصوصا للناصريين- قدرتهم على احتواء حركة سياسية كبيرة وضخمة، وتهذيب بعض خطابها السياسي بعد سنوات من التطرف السياسي والفكري، كما يحسب الأمر ذاته لحركة الحر التي كذبت من خلال اندماجها مع حزب عروبي قومي الدعاية التي وصمت بها لسنوات بعداوتها لجء من المكون العربي.
غير أن التغول السياسي لحركة الحر داخل الحزب، وضعف مؤسسيته إلى أقصى درجة، ودخوله في سياسة المقايضات السياسية، أفقده زخمه الوطني كحزب قوي، كما أن خطابه الوطني الهادئ أفقده أيضا قطاعات جماهيرية تقليدية تنساق إلى الخطاب الراديكالي وترى فيه التعبير الوحيد عن قضيتها.
وفي طريق المحاق الذي يتجه إليه التحالف الشعبي التقدمي، تنطوي مسيرة قوتين من أبرز وأهم حركات النضال والوعي السياسي ورحلة مسيرة تحررية بدأت في أحد جوانبها من أثير " صوت العرب" وفي جانب آخر انطلق من مسيرة طفل مفعم بالحرية.. ولد وأغلال العبودية تدمي معصمي طموحاته.. وما زال يسير في طريق الطموح.