في سنة 1958 ألقى الرئيس المختار ولد داداه من أطار خطابا باللغة الفرنسية، حدد التوجهات الكبرى للبلاد المقبلة على استقلال غير ثقافي على الأقل، حفظ العشرات من التلاميذ ذلك الخطاب وتفاعلوا مع حركات الرئيس ولغة جسده ومع طريقته في نطق الحروف على الطريقة الفرنسية.
كان الخطاب من حيث المضمون مهما جدا، لأنه ربط المواطنين بوطن يسعون إليه، إلا بعض مضامين هذه الخطاب ذهبت أدراج الرياح، خصوصا عندما تحدث المختار رحمه الله تعالى عن موريتانيا التي شببها بطائر له جناحان هما الصحراء الغربية وأزواد، أغضب هذا الخطاب المختار ولد داداه وموديبو كيتا، وقص الجناحان، لم يستطيعا التحليق لحد الآن كأي جناح مقصوص، إلا أن الطائر أيضا لم يستطع النهوض كثيرا كأي طائر مقصوص الجناح.
بعد المختار بسنوات جاء خطاب الرابع والعشرين مع محمد خونه ولد هيدالة" الي ماهو كيف الرجاله" ثم طوته عجلة الأيام ولم يبق من الرابع والعشرين غير زحمة طرق خانقة في منطلق طريق أمل كثير الحفر.
في 1986 جاء خطاب النعمة التاريخي هاجم ولد الطايع " لقبيلات" وزعم أنه سيحارب القبلية التي يراها عائقا في وجه التنمية، لم يكن للقبلية يومها حضور قوي في البناء السياسي للدولة، فقد أفرغت من كثير من محتوياتها، وساعدت في ذلك الحركات السياسية والفكرية، التي ناضلت من أجل المواطنة، كانت القبلية تستمع إلى الخطاب التاريخي وتتضاحك مع أخواتها الجهوية والعنصرية والفساد والمحسوبية مرددات " أبشر بطول سلامة يا مربع"
بعد ذلك بسنوات قليلة كان ولد الطايع يطلق "نظام البيعة" لبناء حزبه الجمهوري الذي تقاطرت عليه القبائل ونفخ في صور صراعاتها، وأعادها سيرتها الأولى.
سقط ولد الطايع ولم يغن عنه خطاب النعمة التاريخي من شيئ، ثم جاءت فترات من بعده، كان ولد الشيخ عبد الله رحمه الله وحده صاحب خطاب تاريخي ولكن بعد مغادرته للسلطة، حينما صدح " لا تثريب عليكم" ثم تمنى لموريتانيا الخير وختم قائلا وما ذلك على الله " بعزيز"
كانت من بعده خطابات الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز تاريخية بكل ما تحمله الكلمة من معنى من حيث حجم الإثارة والغضب وحجم ما تتركه من جدل في الساحة، ومن حيث صعوبة قراءته لها، ومن حيث ما يكتنفه من شروح وحواش وهوامش من الذين يجلدونه الآن بالسب والشتائم والاتهامات.
مع رحيل ولد عبد العزيز، امتازت خطابات ولد الشيخ الغزواني بالفصاحة والوضوح وحسن القراءة، واكتناز المعاني، لكنها في النهاية خطابات، الخطاب الفعلي الذي يحتاجه المجتمع والدولة هو خطاب الإنجاز وليس السرديات الفكرية، ما يحتاجه البلد اليوم والآن الآن وليس غدا هو خطة عمل نوعية، تختصر الزمن والوسائل لتحقق الأهداف المطلوبة
أما تجمع الوزراء والمسؤولين في مشتلة وعلى عجل ليوقعوا وثيقة مستلة من خطاب رئيس الجمهورية في وادان أو جول في أو في نواكشوط، فليست أكثر من استمرار لعقلية تملقية استنفدت مصداقيتها في العهود السابقة، وأضفت كثيرا من الصفاقة والسماجة على كل ما تحوم حوله.
فهذا حديث معاد فيه تحصيل حاصل
فتحت وسائل الإعلام العمومي لعقود طرراروحواشي على خطابات الرؤساء، لكن أحدا لم يزده ذلك إلا تقززا وسخرية من وساءل الإعلام وتندرا عليها.
فما يحتاجه ولد الغزواني الآن ليس أشخاصا يحولون خطبه إلى مواثيق أو كتب أو مذكرات، لا يحتاج قولا على قول، حاجته أكثر إلى من يحولون أفكاره إلى أفعال، من يحاربون الفقر لا من يعظون الفقراء، وعندما تتوفر فرص عمل جيدة، ورواتب مجزية، وصحة متميزة، وزراعة عصرية تنخفض أسعار المواد الغذائية بسبب وجودها، عندما يسير التعليم بخطوات ناجحة في طريق الإصلاح، وتوجود المدرسة الجمهورية الحقة، وعندما يأتي العيد في ظروف اقتصادية جيدة، سيتناسى الجميع قبيلته التي تحميه وجهته التي تؤيه، وسيأتي خطاب وطني جامع، سيؤمن الناس بأن موريتانيا هي الوطن والمحضن وسيغنون لها مع الراحلة ديمي نشيد المرحوم فاضل إمام " يا أمنا يا أمنا لك الحنان والجنا".