نسائم الإشراق الحلقة رقم (1546) 24 مارس 2021م 11، شعبان 1442هـ الشيخ د. يوسف القرضاوي الحلقة رقم (574) ملتقى الفكر الإسلامي 1988 في مدينة (بوحنيفية) عن الحياة الروحية في الإسلام (تابع) الآخذون بالتصوف كله سنيه وبدعيه

المتوسطون بين الطرفين:

وهناك فئة الوسط بين طرف الغلاة في النفي، وطرف الغلاة في الإثبات، وخير الأمور أوسطها، هؤلاء يرون أن دعوى القائلين بأن التصوّف كله مستورد من خارج الدائرة الإسلامية، دعوى متطرفة مبالغ فيها، فممّا لا ريب فيه أن جذور التصوف إسلامية، ولذا اجتهد المتصوفة فيما بعد أن يستدلوا لمقاماتهم ومنازلهم بالقرآن أحيانًا، وبه وبالسنة أحيانًا أخرى، بالعبارة أحيانًا، وبالإشارة أخرى، كما فعل صاحب «منازل السائرين»، وكما حاول الإمام الغزالي في كل كتاب من كتبه الأربعين التي ضمّها كتابه الشهير «إحياء علوم الدين»: أن يستدل على كل موضوع يتحدَّث عنه بآيات القرآن وبالأحاديث النبوية، وبالآثار عن الصحابة والتابعين وسلف الأمة، حتى يثبت له المشروعية الإسلامية، وإن كان يورد أحيانا من الأحاديث ما لا يصلح للاستدلال به.

كما يرون أن المتصوفة كغيرهم من سار الطوائف، مثل: الفقهاء والمتكلمين والمفسرين والمحدثين، يؤخذ منهم ويرد عليهم، فهم بشر غير معصومين، وأعدل ما قيل فيهم ما قاله الإمام ابن تيمية عنهم:
«تنازع الناس في طريقهم: فطائفة ذمّت «الصوفية والتصوف» وقالوا: إنهم مبتدعون خارجون عن السنة، ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف، وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام.

وطائفة غلت فيهم، وادَّعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء ... وكلا طرفي هذه الأمور ذميم.

والصواب: أنهم مجتهدون في طاعة الله، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين، وفي كلَّ من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ، وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب، ومن المنتسبين إليهم مَنْ هو ظالم لنفسه، عاص لربه.

وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزنادقة، ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم: كالحلاج مثلا، فإن أكثر مشايخ الطريق أنكروه، وأخرجوه عن الطريق، مثل: الجنيد بن محمد سيد الطائفة وغيره»(1). اهـ.