التجربة الديمقراطية الموريتانية أمام الاختبار / محمد الأمين سيدي بوبكر

بعد أزيد من ثلاثة عقود من بدء المسلسل الديمقراطي الموريتاني بكل مراحله، الصورية أيام حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد احمد الطايع، والمنفتحة أيام المرحلة الانتقالية، التي أدارها المرحوم العقيد اعل ولد محمد فال، والمحتقنة أيام حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، لم يعد من الحيف وضع التجربة الديمقراطية الموريتانية، أمام الاختبار، رغم ما مرت به من أحكام عرفية، وهزات أمنية، وأزمات سياسية، في فترات متفرقة من تاريخ البلد، ومتفاوتة الخطورة على مصيره.

 

عمليا تعتبر انتخابات 13 مايو 2023 البلدية والجهوية والنيابة المقبلة، أول اختبار فعلي لنيات الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، في خلق مناخ سياسي هادئ، وما انتهجه من انفتاح سياسي على مختلف الفرقاء السياسيين منذ وصوله سدة الحكم أواخر عام 2019، وقد وفق في هذا الاختبار إلى حد كبير؛ حيث بَعَثَتْ رسالته لرؤساء الأحزاب السياسية في بداية الحملة الانتخابية الجارية، برسالة جد إيجابية، مع ما توصلت إليه وزارة الداخلية واللامركزية قبل ذلك من توافق مع الأحزاب السياسية، أدى إلى تشكيل لجنة انتخابية توافقية، وإن لم تخل بعض قرارات هذه اللجنة من تحفظ بعض الأحزاب السياسية، إلا أنها في المجمل لم تسجل خروقات كبيرة تطعن في نزاهة العملية الانتخابية، إلى حد الآن.

 

إن كان يحسب لرئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني عدم الاصطفاف - المعلن على الأقل - مع الحزب الحاكم في المعترك الانتخابي الحالي، كما تفرض القواعد الدستورية، إلا أنه يحسب عليه عدم توجيه أعضاء حكومته وقادة ونشطاء الحزب الحاكم الذي يرأس الأغلبية الداعمة له، ويعتبر نفسه حزبًا له، بعدم توظيفه - كرئيس للجمهورية يفترض أن يكون على مسافة واحدة من كل الأحزاب السياسية كما توحي رسالته آنفة الذكر، وكما صرح الناطق باسم الحكومة خلال تعليقه على نتائج اجتماع مجلس الوزراء الأخير - بهذا الشكل الفج في الدعاية الانتخابية، التي وصلت حد تقديمه للجمهور كمتلازمة للحزب الحاكم وحصر دعمه وولائه بالانخراط في صفوفه.

 

وهي دعاية، وإن تغاضينا عن ما تنادي به من تحرش بالمادة السابعة والعشرين من الدستور الموريتاني، (تتعارض مهمة رئيس الجمهورية مع ممارسة أي وظيفة عمومية أو خصوصية ومع شغل منصب قيادي في أي حزب سياسي.) فهي تضر الرئيس أكثر بكثير مما تنفعه، وقد تنعكس سلبا على شعبيته، وتجعله في مواجهة مع القوى التقليدية الداعمة له من أحزاب سياسية وحتى مكونات اجتماعية لم تجد أنفسها في ترشيحات الحزب الحاكم وقررت الاحتكام معه إلى صناديق الاقتراع.

 

كما بعثت تصريحات الوزير الأول، المهددة أحيانًا والمستجدية أحايين أخرى، لمغاضبي الحزب الحاكم بالعودة إلى حاضنة حزبهم السابق، برسائل غير مطمئنة، في بلد لا تزال تجربته الديمقراطية غير ناضجة، ولا يفرق شعبه في الغالب بين الأشخاص والمناصب - وإن كانت لا مشاحة فيها بصفته الشخصية وحتى السياسية - لكنها تعيد إلى الأذهان مظاهر استغلال هيبة الدولة وتسخير مقدراتها للمصالح الحزبية الضيقة، التي قد لا تنعدم اليوم.

 

وفي المحصلة فإننا نعيش هذه الأيام جوا من التنافس المحموم بين كل الفرقاء السياسيين في البلد، في ظل حياد معلن للدولة، لم يعكر صفوه، في الظاهر، غير انخراط جل شاغلي مناصبها السياسية (الوزراء) في حملات الحزب الحاكم، وهو وإن كان حقا سياسيا، فقد أريد به باطل التأثير على إرادة الناخب الذي يخاف ويطمع في من يتولى تسيير المرافق الحكومية، وإن بتعيين قد ينخرم وينفرط بعد حين.