كتب الدكتور المرسي محمود شولح لموقع الفكر
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
الولد يسعى لبر الوالدين بما يستطيعه، ويتمكن منه ، ويسعى لهذا المقصد ولو على سبيل راحته،فالراحة الحقيقية فى بر الوالدين
ومن خلال حديث أصحاب الغار تمثلت الحالة عند الولد فيما يأتي :
Å وقوع الإبن بين كراهيتين :
وقع الإبن بسبب تأخره عن والديه ، وعدم تقديم الطعام لهما في وقته بين كراهيتين :
الأولى : كراهية الإيقاظ .
كره الولد إيقاظ الوالدين من نومهما . ففي الحديث : "وكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي ، فكرهت أن أوقظهما ، وكرهت أن أدعهما فيستكنا لشربتهما " ، أما كراهته لإيقاظهما ، فظاهر لأن الإنسان يكره أن يوقظ من نومه ، ووقع في حديث على : " ثم جلست عند رؤوسهما بإنائي كراهية أن أؤرقهما أو أوذيهما " .
وفى حديث أنس : "كراهية أن أرد وسنهما ([1]) وفى حديث ابن أبى أوفى : "وكرهت أن أوقظهما من نومهما فيشق ذلك عليهما " ([2]).
فالخلود إلى النوم خلود للراحة ، وهو لا يرضى أن يشق عليهما باليقظة .
ولو أيقظهما من نومهما ما كان عليه شيء ، فهو قد قدم من عمله مجهداً ، ويريد الراحة ليستأنف العمل من جديد ، وأيضاً يعلم من أبويه حاجتهما إلى الطعام ونومهما دون أكل ، ويرى حاجة أبنائه الصغار إلى الطعام ، وهو يحل هذا كله بإيقاظ والديه، ولكنه كره ذلك .
وهذه الحالة العزيرة حجة على سلوكيات أبناء عابثين لا يبالون براحة الآباء ، ولا يحرصون على الإبقاء على نومهم ، وتصدر منهم الأصوات العالية ، وربما تكون بسبب متابعة مادة إعلامية تأخذهم متابعتها إلى رفع الصوت المزعج ، وهذا من دلالات الجرأة على الوالدين
الثانية: كراهية تركهما نائمين .
الكراهية الأخرى عند الولد كراهية تركهما نائمين دون أكل وشرب.
( وأما كراهته أن يدعهما ، فقد فسره بقوله : "فيستكنا لشربتهما " أي يضعفا لأنه عشاؤهما وترك العشاء يهرم ، وقوله : "يستكنا " من الاستكانة ، وقوله : "لشربتهما "، أي لعدم شربتهما ، فيصيران ضعيفين مسكينين ، والمسكين الذي لا شيء له) ([3]).
ولكنه تجاوز هذا كله وآثر الإبقاء عليهما نائمين وعدم إيقاظهما ، لأن النوم راحة ، وغياب عن الإحساس بألم الجوع والعطش ، فآثر راحتهما وغيابهما عن الدنيا .
وأهل العقل دائماً يحرصون على الإبقاء على نوم الوالدين جلباً للعافية وتحقيقاً للراحة النفسية والجسدية
_ الجلوس عند رؤوسهما :
قرر الولد بعد كراهيتين الجلوس عند رؤوس والديه , في حديث على رضى الله عنه: " ثم جلست عند رؤوسهما بإنائي كراهية أن أؤرقهما أو أوذيهما ".
وفى رواية : "فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر"
فقد لبث طول الليل واقفاً والقدح في يديه ، ومنتظراً استيقاظهما في أي وقت ، وهو بهذا يعطى المعنى الرائع لبر الوالدين الذي قد يراه بعض الناس تكلفاً ، فلماذا لم يطعم أبناءه الصغار ؟ ويبقى لوالديه نصيبهما من الطعام ، ولماذا لا يذهب للنوم ؟ وعند إدراكه يقظتهما يهرع إليهما ويقدم لهما الطعام ، ولكنه بهذا يقدر الوالدين ، لأن الله ربط شكرهما بشكره وطاعتهما بطاعته ، فيتعامل معهما من خلال التقدير والإجلال ، وهو لا يريد أن يتأخر عنهما بعد يقظتهما ولو وقتاً قليلاً ، وإنما يريد أن يكون الطعام بعد يقظتهما ، وأن يكون أول شيء مقدماً إليهما .
فقد تحلى الولد بالصبر على الوقوف طول الليل ، وبالصبر على رؤية الأبناء يتضاغون جوعاً ، وضرب مثلاً رائعاً في التحمل ، وقوة الإرادة .
فهذه المعاني مطلوبة في التعامل مع الوالدين ، وهى حجة على هؤلاء الذين لا يقدرون مكانة الوالدين ، ويقدمون عليهما الأبناء والزوجات .
والتوفيق بيد الله
يتبع إن شاء الله
([1])(والسنة : النعاس من غير نوم . ورجل وسنان ونعسان بمعنى واحد . والسنة : نعاس يبدأ في الرأس فإذا صار إلى القلب فهو نوم . وفي الحديث : وتوقظ الوسنان أي النائم الذي ليس بمستغرق في نومه . والوسن : أول النوم ) لسان العرب 15/215
([2]) فتح الباري 6 / 588 .
([3])فتح الباري 6 / 588 .