ماذا بعد الحديث الواسع عن التزوير ؟ ٠ محمد الأمين الفاضل

أشرتُ في مقالي السابق الذي قدمتُ فيه قراءة تحليلية مطولة للنتائج الأولية لانتخابات 13 مايو2023، أشرتُ في ذلك المقال إلى أن أغلب الأحزاب السياسية في المعارضة والأغلبية باستثناء حزب الإنصاف الذي اكتفى ببعض التظلمات قد أجمعت على أن انتخابات 13 مايو قد شهدت عمليات تزوير واسعة وغير مسبوقة.

 لنطرح السؤال : من يتحمل أخطاء اللجنة المستقلة للانتخابات؟

للإجابة على هذا السؤال علينا أن نوضح بعض الأمور من خلال المقارنة بين انتخابات 2018 و انتخابات 2023.

1 ـ في انتخابات 2018 نزل رئيس الجمهورية إلى الميدان للمشاركة بقوة في حملة الاتحاد من أجل الجمهورية. في انتخابات 2023 لم يسجل أي تدخل لرئيس الجمهورية في الحملة الانتخابية؛

2 ـ في انتخابات 2018 كنا أمام لجنة غير توافقية لم تمثل فيها أغلب أحزاب المعارضة..في لجنة 2023 مُثلت جميع أحزاب المعارضة في هذه اللجنة والتي يعتبر رئيسها ونائبه من المحسوبين على المعارضة، أو على الأقل من المقربين منها خلال فترة العشرية؛

3 ـ لاحظنا خلال الحملة الانتخابية في سابقة من نوعها أن التجاذبات الانتخابية كانت أشد بين حزب الإنصاف وأحزاب الأغلبية، أكثر مما هو الحال بين الأغلبية والمعارضة؛

4 ـ بخصوص توفير الموارد المالية للجنة فإن الحكومة لم تقصر في هذا المجال، ووفرت للجنة ميزانية ضخمة جدا، لا يمكن أن تقارن بميزانية اللجنة السابقة، كما أن الأحزاب السياسية حصلت على الدعم المالي في الوقت المناسب.

نظرا لكل ذلك فإنه يمكن القول وبكل اطمئنان بأن أخطاء لجنة الانتخابات الحالية وفشلها البيِّن تتحمله الأحزاب السياسية في الأغلبية والمعارضة على حد سواء، ولا يتحمله رئيس الجمهورية، والذي كان حريصا على الاستجابة لكل مطالب المعارضة وشروطها خلال الحوار الممهد لهذه الانتخابات، وهو الحوار الذي أجرته الأحزاب السياسية مع وزارة الداخلية.

كان على المعارضة في مؤتمرها الصحفي الأخير أن تكون أكثر شجاعة، وأن تتحمل علنا نصيبها من فشل اللجنة.

لم تتحمل المعارضة نصيبها من فشل اللجنة، وإنما هددت في مؤتمرها الصحفي بالنزول إلى الشارع، وهذا التهديد قد لا يطرح مشكلة كبيرة للنظام، وذلك لكون جمهور المعارضة قد لا يستجيب لأي دعوة للنزول إلى الشارع، وقد ظهرت بوادر ذلك الرفض في مواقع التواصل الاجتماعي، فجمهور المعارضة يرى أن المعارضة قد تخلت عنه خلال السنوات الماضية، ولم تنزل إلى الشارع دفاعا عنه، وهو اليوم لن يستجيب لدعوتها التي جاءت من بعد حصولها على نتائج ضعيفة جدا في الانتخابات.

المشكلة ليست في تهديد المعارضة بالنزول إلى الشارع، وإنما في عدم اعترافها بنتائج الانتخابات، فمن المعروف بأن رئيس الجمهورية عمل منذ وصوله إلى السطلة على تهدئة الأجواء السياسية والانفتاح على المعارضة، ولذا فهو لن يرتاح لانتخابات لا تعترف المعارضة ولا الأغلبية باستثناء حزب الإنصاف بنتائجها.

إن الأخطاء الكبيرة للجنة الانتخابات وضعت النظام أمام خيارات صعبة، فإما أن يعتمد نتائج انتخابات لا تعترف معظم الأحزاب في المعارضة والأغلبية بنتائجها، ويكسر بذلك مناخ التهدئة الذي حققه رئيس الجمهورية وبذل جهدا كبيرا في سبيل تحقيقه، وإما أن يعيد هذه الانتخابات جزئيا أو كليا وهو ما ستترتب عليها مشاكل وتحديات كثيرة.

ويبقى السيناريو الأقرب هو أن تستأنف وزارة الداخلية اجتماعاتها بالأحزاب السياسية، وأن تفتح نقاشا جديا معها من أجل الخروج بحلول توافقية لمعالجة الأخطاء التي ارتكبتها لجنة الانتخابات.

وبغض النظر عما سيحدث، فسأبقى من الذين يعتقدون بأن لجان الانتخابات السياسية، والتي يتم تشكيلها من طرف الأحزاب السياسية هي في الغالب لجان فاشلة، وسيبقى البديل الأفضل هو تشكيل لجنة انتخابية فنية تضم خبرات وكفاءات غير سياسية مشهود لها بالاستقامة وحسن السيرة الوظيفية.

تنبيه : هذا المقال يعبر فقط عن رأيي كمتابع لقضايا الشأن العام، وحاولتُ أن أكون فيه موضوعيا وأن أقدم من خلاله رأيا تحليليا واستشرافيا لمسار انتخابات 13 مايو، وهو لا يعبر ـ بأي حال من الأحوال ـ عن رأيي كمرشح خاسر في هذه الانتخابات، يعتقد بأنه كان ضحية من ضحايا التزوير والارتباك وانشغال القائمين على لجنة الانتخابات بتشغيل الأقارب والبحث عن مكاسب شخصية بدلا من الإنشغال بتأدية الأمانة الجسيمة التي كلفوا بها. لو كتبتُ المقال بصفتي مرشحا خاسرا في هذه الانتخابات لكان نقدي للجنة الانتخابات أشد وأقسى مما هو عليه في هذا المقال.