انتهت على ما يبدو نتائج انتخابات مايو 2023 بتشكيل جديد للمشهد البرلماني حيث عصفت بآمال قوى وأحزاب سياسية ومرشحين راهنوا على قدراتهم وولاء الجماهير لهم، وحققت نقلة نوعية لآخرين كانوا في مواجهة أخطار متعددة.
في هذا التقرير يستعرض موقع الفكر أبرز الرابحين والخاسرين من الأحزاب والقوى السياسية والأشخاص الذين راهنوا على هذه الانتخابات
حزب الإنصاف: يمكن اعتبار حزب الإنصاف الرابح الأبرز في انتخابات مايو حيث استطاع حصد أعلى نسبة أصوات بين كل القوى السياسية، كما استطاع حسم أغلبية البلديات في موريتانيا، زيادة على حسم كل المجالس الجهوية في عموم موريتانيا.
ورغم أن الحزب يواجه أيضا الشوط الثاني في عدد من الدوائر البلدية والنيابية، ورغم فقدانها لقرابة 30% من البلديات إلا أنه حقق مكاسب نوعية من خلال سيطرته على العاصمة ورفع نسبته من اللوائح الوطنية.
وداخل الحزب فإن أبرز رابحيه هم:
رئيس الحزب ماء العينين ولد أييه الذي استطاع إدارة حملته بهدوء وصمت رغم الانتقادات التي وجهت له بالاختفاء عن المشهد السياسي وترك المنسقين يعملون لوحدهم
المختار ولد أجاي: مهندس السيطرة على العاصمة نواكشوط، وأحد صناع المسارات السياسية في الإنصاف وفي النظام بشكل عام.
النائب محمد ولد مكت: الذي استطاع كسب المنصب أكثر من نقطة قوة أبرزها ترشيحه على رأس اللائحة الوطنية للحزب بتوجيه وضغط من المؤسسة العسكرية، مما يجعله عنصر تأثير قوي في المستقبل السياسي للحزب.
النائبة الشابة خديجة وان: وهو وجه سياسي مغمور لا يعرف له أي ماض ولا تاريخ سياسي وقد حملتها أصوات الناخبين من أستاذة في أقصى شمال موريتانيا إلى سيدة في البرلمان.
في المقابل يذكر البعض أن حزب الإنصاف من أفشل نسخ الأحزاب الحاكمة في موريتانيا، فقد جبيت إليه عقول موريتانيا لأسباب متعددة منها الوعد والتهديد و الوعيد، لكن هذه النخب لاتجد ذواتها في هذا الكشول الكبير، فلا هو يثق فيها ولا هي تعتبره أو تعامله بأكثر من التعامل المصلحي اللحظي.
ووفق هذه الرؤية عاد الحزب لتهديد المغاضبين وحشر المناصرين في الزاوية ابتداء، وانتهاء باستخدام وسائل الدولة في تحقيق نصر مبني على الخداع والتزوير.
ومن بين الخاسرين في هذه الانتخابات عدد من قيادات الحزب مغاضبين وحزبيين ومن أبرز الخاسرين:
المختار ولد داهي: فرغم تواجده بعيدا عن القطاع المثقل بالهوم والمشاكل، حيث انتقل الوزير إلى مدينة كرو يجمع البيعة للحزب الحاكم و رغم كل الجهود، كان مرشح الحزب الحاكم أول المعترفين بالهزيمة أمام مرشح تواصل لعمدة المدينة.
النواب لم يكن حالهم بأحسن فقد أوردهم التحالف بين الفضيلة وتواصل إلى الشوط الثاني، مما جعله يضرب أخماسا بأسداس، بعد أن اختلت حساباته وتبخرت آماله في الفوز من الدورلا الأول.
أحمد ولد خطري: الذي مثل بالنسبة للنظام المنقذ في مواجهة "القاسم الانتخابي" في نواذيبو، قبل أن تصفعه الجماهير بخسارة كبيرة أعادته إلى نواكشوط، ومنحت حزب الكرامة نائبا وعمدة.
عالي ولد عيسى: الذي راهن على حزب الإصلاح في مواجهة حلف المختار ولد أجاي وانتهى الأمر بهزيمة مرشحيه بشكل عام.
حزب الاتحاد من أجل الوحدة والتقدم: برئاسة الناهة بنت مكناس استطاع هذا الحزب تعزيز مكاسبه السياسية، حيث ارتفع عدد نوابه إلى 7 بدلا من 3 في انتخابات 2018 كما حصل على عدد معتبر من البلديات.
حزب حاتم: استطاع حاتم انتهاج استيراتيجية جديدة أنقذته من الحل حيث تحول إلى حزب "مرشحي وزير الداخلية" الذي وجه إليه عددا من المقربين منه ومن رئيس الجمهورية اجتماعيا وسياسيا وقد استطاع الحزب إيصال رئيسه صالح ولد حننا إلى البرلمان رفقة الشابين حمود ولد يحيى وامياه بنت اخليفة المنتمين إلى مجموعة قبلية واحدة، فيما أخفق مرشحه في كيفه الصديق الشخصي لرئيس الجمهورية في الفوز، وما زال مرشحه في جيكني السياسي اسلكو ولد حيده مرشحا للفوز بقوة في الشوط الثاني للنيابيات في مواجهة مرشح حزب الإنصاف، و يمكن اعتبار الحزب رابحا جدا، حيث كسب حضورا نيابيا وتمويلا لحملته ونجا من سيف الحظر.
الخاسرون الأبرز ...الأحزاب العريقة
اختار رئيس حزب اتحاد قوى التقدم عدم الترشح ودفع بمجموعة من القيادات التاريخية تنتمي إلى مجموعات الزنوج والحراطين وهو ما أثار غضبا واسعا في صفوف أنصار الحزب وقياداته، وخصوصا ما يعرف بقيادات التمويل التي ينتمي إليها عدد من المقربين اجتماعيا من الرئيس محمد ولد مولود.
وخاض الحزب حملة باهتة بل عديمة الجدوى، حيث لم يهتم به أحد من داعميه السابقين وانتهى به المطاف إلى هزيمة ساحقة.
وستفرض هذه النتيجة على الحزب مراجعة خياراته ومواقفه بل وتشكيلته، حيث يمكن اعتبار رئيسه محمد ولد مولود خاسرا فعليا بسبب إخفاق مرشحيه الذين قدمهم في الحصول على أي مكسب انتخابي، فيما مقابل تذمر داعميه الماليين من موقفه، إضافة إلى أن الرجل الذي يرأس الحزب منذ العام 1997 بات يقوده إلى موت سريري، بعد أن أصبح مغاضبوه أكثر حظوظا انتخابية، كما هو حال السيدة كادياتا مالك جالو التي استطاعت إقامة تحالف قوي ذي نفس عرقي استطاع كسب 6 مقاعد نيابية
حزب التكتل...حملة بلا ساسة ولا تمويل
قفز عدد من القادة الفاعلين في حزب التكتل من مركبه الغارق في سفينة التدهور، استقال ابراهيم ولد الدي وقطع صلته بالحزب، وخرجت منى منت الدي ورشحت نفسها من حزب الفضيلة لتفوز بمقعد برلماني، فيما عجز كل مرشحي التكتل عن تحقيق أدنى اختراق، وبات حزب المعارضة الأول الذي خرجت كل الأحزاب من عباءته في نهاية المطاف حزبا بالغ القزمية يتمتع بذاكرة مفعمة بالنضال والمكاسب والفرص الضائعة، وحاضر يعجز عن مواجهة صناديق الاقتراع.
وتأتي نتائج الحزب في وقت أصبح فيه رئيسه أحمد ولد داداه وحيدا بعد مغادرة عدد كبير من جيل التأسيس الذي رافقه وتحولهم إلى أحزاب أخرى أو تقاعدهم سياسيا، مما قد يؤدي إلى بروز قيادة جديدة تحاول إنقاذ الحزب ذي التاريخ السياسي العريض.
التحالف.. مسعود ورفاقه خارج البرلمان
حافظ حزب التحالف الشعبي التقدمي خلال المأموريات البرلمانية الثلاث على حضور يتراوح ما بين خمسة إلى ثلاثة نواب، قبل أن يتقلص إلى الصفر في الانتخابات الأخيرة، التي رافقها أيضا تسرب جديد في قيادات الحزب تحو حزب الإنصاف، حيث غادره مقربو مسعود الذين صبروا معه بعد خروج الكتلة المركزية من حركة الحر، وهكذا غادر النائب السابق اسغير ولد العتيق، قبل أن يلحق به الوزير السابق محمد ولد يرك، الذي باشر حملة نوعية لصالح حزب الإنصاف وكان جزء من الرهانات السياسية لوزير الثقافة محمد ولد اسويدات
حزب تواصل.. مكاسب بطعم الخسارة
تراجع حزب تواصل مقارنة مع انتخابات 2018 التي تراجع فيها أيضا مقارنة مع انتخابات 2013، وسيكون من الصعب أن يتجاوز حزب تواصل 11 نائبا على الأكثر، أما البلديات فقد خسر فيها تواصل مكتسباته التاريخية في العاصمة نواكشوط، قبل أن يعوضها ببلديات هامشية في الداخل.
ويمكن اعتبار مرشحي الحزب الفائزين رابحين جميعا رغم مجهولية أكثريتهم لدى الرأي العام، حيث نالوا ثقة جماهير معبأة تلقائيا على دعم الحزب والسير مع خطواته، فيما يمكن اعتبار الخاسرين الأكبر في هذه الانتخابات في حزب تواصل هم:
رئيسه حمادي ولد سيدي المختار: الذي واجه أزمة ترشيحات وأزمة انتخابات ونتائج في أول مأموريته، ودفعت به الأحداث إلى الصدام المتوقع مع مغاضبي حزبه ومع النظام.
العمدة السابق الحسن ولد محمد: الذي غادر بلدية عرفات، وهزم في طريقه إلى المجلس الجهوي بفارق كبير، رغم تشبثه وأنصاره بأن ما حصل هو نتيجة التزوير
مدير الحملة شيخاني ولد بيب: مدير حملة 2023 التي هبطت بالحزب مجددا إلى خسارة عدد من مكاسبه وأخرجته من العاصمة إلى " الوادي الأبيض" حتى لا نقول" بواد غير زرع" ما يمثل تراجعا في الصيت والصورة.
تراجعت حصيلة المكاسب السياسية لبيرام ولد اعبيدي وحل ثالثا في اللائحة الوطنية بفارق 10 آلاف صوت خلف سابقه حزب تواصل، لكنه استطاع أيضا دخول البرلمان من ثلاثة من مرافقيه وهو مكسب في حد ذاته يحافظ به الرجل على صورته أمام جماهيره التي يصفها بالصامدة.
لم يستطع بيرام تحصيل أي حضور فعلي في البلديات والمجالس الجهوية، وبدا أنه خسر كتلة كبيرة من أنصاره وداعميه بعد تراجع عدد كبير من داعميه الماليين عن الاستثمار فيه وبعد أن ساءت علاقته أيضا مع النظام الذي تقرب منه بداية وصوله إلى السلطة.
الوجه الآخر للصورة
المراقبون يؤكدون أن تواصل ليس في طريقه إلى التراجع، و أنما حدث هو تزوير فج برأي الجميع و السلطة ذاتها مدركة لذلك، وما حصلت عليه ليس " غلب" وإنما " تاصبت الناس ذوك الل إعدل بيديهم"
ولولا التزوير الفاحش لهزم الحزب الحاكم في البلديات والجهويات، ولحصل حزب التحالف على مقاعد بعدد اللوائح الوطنية، ولتبعه في ذلك التكتل وتقدم.
اللجنة المستقلة.. خسارة قاتلة للسمعة
لا يمكن استثناء اللجنة المستقلة للانتخابات من الخسارة، بل يمكن اعتبارها الخاسر الأبرز حيث صنعت أزمة سياسية عميقة، وقضت على الاحترافية التي اكتسبتها التجربة الانتخابية في موريتانيا منذ 2006 إلى نهاية مأمورية الرئيس السابق محمد فال ولد بلال.
وجلبت اللجنة للنظام أزمة سياسية كبيرة، جعلته متهما بممارسة التزوير، فيما تؤكد مصادر متعددة أن سوء إدارة اللجنة وضعف قدراتها مع ضخامة ميزانيتها كان السبب الأول للهزة الانتخابية التي أفضت إلى أزمة سياسية كان النظام والمعارضة حريصين على تأجيلها.
رئيس الجمهورية.. الخسارة التاريخية
يبقى رئيس الجمهورية الخاسر الأكبر بصفته صاحب السلطة المخول من الشعب بحماية البلد وصيانة مكتسباته، وبيده مفاتيح الحل والتعقيد، والكرة في مرماه يصدق فيه قول المتقدمين" إن هذا الأمر فيكم نزل وبكم ارتفع.."
وسيخسر الإجماع على شخصه بسبب عدم حزمه في مواجهة الذين عكروا صفو الانتخابات بقطع دابر كل المستويات التي أمرت وتلك التي نفذتـ، إقالة وعقابا.
ومن يدقق في الأمور يدرك أن كل ما حاق بالديمقراطية في هذه الأيام تتحمله السلطة التي سخرت القوة العمومية لتدمر في لحظات ما بناه الموريتانيون جميعا حين خرج الولاة لفتح المكاتب عنوة ليجهزوا بذلك على ما تبقى من هيبة الدولة.
ويرى للبعض أن الرئيس غزواني أكبر الخاسرين في هذه الانتخاباتـ، فلأول مرة ترفع الأحزاب المعارضة الصوت عاليا ضد السلطة، وتتهمها بالتزوير الفج الذي لم يحدث في أيام ولد الطائع.
ولأول مرة في موريتانيا تطالب أحزاب المولاة بإعادة الانتخابات، باعتبارها انتخابات مزورة.
يقع هذا بدون أسباب وجيهة، خاصة أن هذه الأحزاب ردت الجميل لانفتاح الرئيس عليها وتركت تهييج الشارع، وهاهو النظام يكافئها بالتزوير ضدها.
ويرى البعض أن رئيس لبجمهورية غائب عما حدث وفقا لما أخبر هو به قادة المعارضة في اجتماعهم الأخير، حيث اقتصر دوره على دعم الديمقراطية من خلال توفير ماتطلبه اللجنة في سبيل القيام بعملها من جهة، ومن جهة أخرى تدخل في كل مرة لتلبية مطالب المعارضة، لقناعته حسب البعض بأن الانتخابات النزيهة جزء من الحفاظ على أمن البلاد.
وفي المحصلة، فلا فرق بين علمه بما حدث وجهله به وفق أحد قادة المعارضة.
"فإن كنت لاتدري فتلك مصبية وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم".