في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منا إلى إطلاع متابعينا الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل وازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع أحد القامات الفكرية والدعوية ممن لهم عناية باللغة العربية والدين الاسلامي و أهل هذا البلد وشؤونه، وهو إلى ذلك ملم بتاريخ البلد، نحاوره ونستجلي من خلاله ما وراء الخبر، في لقاء شامل، نحاوره في هذا الجزء عن دور مجموعة الفلان في نشر اللغة العربية والدين الإسلامي وما دار حولها، ولما لضيفنا من خبرة اجتماعية.
فأهلا وسهلا بضيفنا الكريم
الأستاذ بون عمر لي
عضو المجلس الأعلى للفتوى والمظالم
موقع الفكر: حدثنا عن دور الفلان في نشر الاسلام واللغة العربية.
الشيخ بون عمر لي: كون اللغة العربية مؤهلة لأن تكون لغة العمل و الإدارة بموريتانيا لما لها من خصوصية حضارية ودينية، أنا أقول بالطبع نعم هي مؤهلة لذلك لأنها لغة يشترك فيها المسلمون جميعا و المجتمع الموريتاني مسلم مائة بالمائة، و اللغة العربية قادرة على أن تجمع انطلاقا من حمولتها الحضارية و الحمولة الدينية التي يشترك فيها الجميع، فهي لغة تعبد، لغة القرآن الكريم.
كيف لا تستطيع أن تكون مؤهلة لأن تكون لغة العمل و الإدارة ؟!!
هي قادرة على أن تكون لغة علم و عمل و إدارة، مؤهلة تأهيلا كافيا لذلك .
وقد عبر الشاعر حافظ إبراهيم عن هذه القيمة للغة العربية بقوله:
وسعت كتاب الله لفظا و غاية # و ما ضقت عن آي به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة # و تنسيق أسماء لمخترعات
أنا البحر في أحشائه الدر كامن # فهل سألوا الغواص عن صدفات.
هذه اللغة قادرة على أن تكون لغة ابداع ولغة إدارة ولغة علم، والتاريخ يشهد بأن اللغة العربية تعاملت مع جميع اللغات، وترجمت كل العلوم و الفلسفات، ثم استوعبت ما كتبه الآخرون و أعادت صياغة الكتابة من جديد بالتحسين والتطريز و
التصحيح ثم أعادت الإبداع من جديد.
لأن اللغة لا تكون لها قيمة إلا بقدر عطائها و بقدر ما تفيد المجتمعات، فيتعلق بها الناس ليجد فيها كل إنسان حاجته.
و اللغة العربية في موريتانيا هي اللغة الرسمية بنص الدستور، وبالتالي ينبغي أن تكون لغة الإدارة -وهي مؤهلة لذلك- كما ينبغي أن تكون لغة العمل والعلم، فيدرس بها الجميع و تمارس بها كل الأمور الإدارية من توثيق و غيره، والتعاون على هذا مسؤولية الجميع.
لكن الاشكالية الآن أننا ننظر إلى العربية من جانبين، جانب تنموي وجانب حضاري، هنا لابد أن نميز بين هذه الاستخدامات، فمجال التنمية لا يتعارض مع الهوية الحضارية، حتى ولو كان التعامل بإحدى اللغات الأخرى في العلم والاداريات بلغة أخرى فهذا لا يلغي الهوية و لا يتعارض معها، بل هو من قبيل الحاجة فقط، فمثلا معظم التخصصات الآن تدرس باللغات الأجنبية -الإنكليزية مثلا- و بالتالي كونها لغة للإدارة أو العمل والعلم يتطلب التعامل معها بمرونة و انفتاح.
و بقدر ما تبرهن اللغة على كفاءتها في حمل العلم ونقله، وفي تسهيل التواصل والتعامل مع الناس في مختلف مجالات التنمية، بقدر ما تكون لها أهمية و قيمة معتبرة، واللغة الرسمية في موريتانيا هي العربية، واللغات الوطنية هي لغات وطنية.
ولكن العربية وطنية و رسمية فلا بد أن يتوحد الناس عليها مع عدم إقصاء غيرها من اللغات.
و الضجة التي أثيرت مؤخرا بشأن الدعوة إلى ترسيخ الفرنسية و ترسيمها، كلها بسبب المناهج التربوية و في الإصلاحات التعليمية التي مررنا به، فهذه الاصلاحات كلها مرتجلة وتخدم أجندات سياسية في الغالب وهي غير تربوية، وبالتالي لم تؤد الهدف الأساسي من وضعها.
بل بالعكس من ذلك خرجت هذه الإصلاحات أجيالا من الاطر و المثقفين لا علاقة لهم بالعربية ولم يتكونوا بها، وبالتالي لابد من حقهم في أن يجدوا فرصهم وفق المناهج التي كونتهم الدولة بها.
و معالجة لهذا الوضع لابد من دراسة متدرجة تعالج المشكل من أصله، انطلاقا من تعريب المدرسة الجمهورية تعريبا يستهدف الجميع، كما تدرس اللغات الوطنية للجميع أيضا، حينها يكون بمقدور خريجي هذه المدرسة أن يمارسوا أعمالهم الإدارية و التسييرية بالعربية، و يمكنهم كذلك خدمة وطنهم من أي موقع بالعربية، وحينها ينتهي الاشكال ويختفي المشكل.
لكن قبل ذلك لابد من التعامل مع الناس- الذين كونتهم الدولة الموريتانية بلغة أخرى- بحكمة بحيث توفر لهم عملا يناسب تكوينهم.
و إصلاح 1979م الذي طبقته الدولة هو "أفشل إصلاح" وقد سبب كثيرا من المشاكل، ذلك أنه لم يحدد لغة للتكوين وترك الجميع يختار بنفسه مما أدى إلى فوضوية و ساهم في تقسيم المجتمع، وهذا هو سبب المشاكل الحالية.
و الأفضل هو أن تطبق الدولة نظام المدرسة الجمهورية التي تساوي بين الجميع و تخرج نفس الكفاءات و الأطر القادرين على خدمة بلدهم باللغة العربية التي توحد الجميع.
و الخلاصة هي أن اللغة العربية قادرة بالفعل على توحيد المجتمع و أن تضمن انسجامه و تعارفه، لكن يجب أن نسارع في إيجاد مدرسة جمهورية و نصلح المناهج التربوية بحيث تكون مبنية على الأسس التربوية السليمة، بعيدا عن العاطفة و الارتجال، و بعيدا كذلك عن الأهداف السياسية التي تدعوا إلى الفرقة.