لاحَ فى خاطري أن أسجل إنطباعاتي عن المشهد السّياسي الوطني بعد الوضع القَهْقَري للمعارضة التقليدية وهُوَ ما لم يخطر على بال كل الشّركاء السّياسيين…فهل نعيش فعلا زوبعة إنتخابية وإنتفاضة مكاتب أَمْ أنّها مآلات طبيعية مُحْتَمَلَة فى بورصة الديمقراطية المُشْتَرَاة؟ هل زرعت المعارضة الرِّيح لِتَحصد العواصف أَمْ أنَّ أشرعة السفينة مالت حيث تَمِيلُ السلطة والقبيلة والزّبونية والجهوية والمحسوبية أو بشكل أدق ،المال السياسي ؟
لم أكن من المراقبين على آلية إفراز النتائج ولا على حتى مراحل سَيْر الحملات الانتخابية وبرامج المرشحين ، ولكن بَدَا لي من الوهلة الاولى أنّ ديمقراطيتنا ليست مُحصنة كما يعتقد الطّيف المعارض (بعضه)المُغَازل للمخزن ولا أيضا أولئك القابعين وراء حاضنة القبيلة والجهة والعرق والشريحة!!!!!! إنَّ المال السياسي هو عَدُو الإرادة والحرية ولن تستقيم الحياة السياسية لِقَوم يمارسون الإبتزاز وشراء الضمائر وأَيُّ سباق إنتخابي لا تتساوى فيه الفُرص والإمكانات والوسائل اللوجستية ،لن يفرز إلاّ طابورًا من المأجورين والمحكومين بالولاء المطلق لِأصحاب القرار ومن هذا المنظور كان توفير الوقت أجدى من ضخّ مليارات الأوقية لتنظيم الإقتراع…! إنّ الديمقراطية تربية وسلوك ومسؤولية وليست سوقا لِشراء الذّمم ،كما أنّها لا يمكن أن تكون مطية لتحقيق المآرب والنزوات والأطماع الشخصية وليست كذلك حلبة للصّراع بين الشّخصيات والقبائل والفئات والشّرائح وليست فرصة لشرعنة الحُكم والسلطة يَتَحَكَم من خلالها طيف سياسي على أطياف يتقاسمون جميعًا الإنتماء لهذه الحوزة التّرابية الغالية والتى يَعِزُّ علينا ماوصلت إليه من تدهور وغياب البنية التحتية وتخلف وهضم الحقوق وتضييع فُرص التنمية الكثيرة الواعدة (الذهب-الغاز -البترول-المعادن -الثروة السمكية والحيوانية ،شمامة…)إنّها بإختصار سانحة الجميع للخروج من هذا النفق المظلم..إنّها مُتَنَفس لنا لِتدارك ماضاع ويضيع منذ الإستقلال الى يومنا هذا!!!! متى سيدرك الفرقاء السّياسيين أنّ شنقيط أكبر منهم جميعًا وليست حِكرا لفئة دون أخرى وأنّ من يحترمون القيّم الوطنية هو الخُلصاء(المخلصون) الذين يستحقون أخذ زِمام الأمور…!!! هل يُمَثِّلُ المنتخبون الجُدد طموحات ورغبات الجماهير فى التّغيير المنشود والنّهوض بالبلد الى المكانة اللائقة فى عصر أصبحت التّحديات فيه ذات لَبُوس جديد ،مازلنا دون حدّه الأدنى؟ لا شكّ أنّ هذا اللغط الكبير (المهرجانات-التّنديد) الذى حصل بعد فرز النتائج ،يبعث نوعًا من التوجس والخوف بإستمرار من تأثير المال السّياسي على تشكيل الخارطة وعلى إرادة المواطن وحرية الإختيار مِمَّا يُساهم فى تحييد الممثلين الحقيقيين عن دائرة القرار وتنميةالبلد وبالتالي إفلاس الديمقراطية وتكريس الإستغلال السّياسي على المشهد بشكل عام ، الأمر الذى يُحَتِّمُ سنّ قوانين صارمة وإصدار فتوى شرعية ملزمة بمعاقبة رواد المال السّياسي -المُشترين للذّمم-ناخبين ومُنتخبين-!!!!! ومن ناحية أخرى فإنّ الأخلاق الديمقراطية تفرض على المتنافسين ،القَبُول بالأمر الواقع وأن يجعلوا من الكبوات والنكسات دروسا لِتقييم المسار وبلورة رؤية طموحة للمستقبل وهذا ما تقتضيه المرحلة المقبلة ،إِذْ أنّ الدّعوة لِحَمل السلاح ليست تِرياقًا ناجعا لِحلحلة الأزمات التى تستفحل يوما بعد يوم فى ربوعنا والتهدئة ذات أولوية قصوى والإستقرار ضروري..كما أنّه على المسؤولين أن يتحملوا الأمانة حيث أنّ الرهان الحقيقي هو الحِرص على إيجاد ديمقراطية سليمة وتَنْخِيلِهَا من كل الشّوائب…
وفى الختام هل كان معروف الرُّصافي يستوحي زماننا حيث يقول :
أمًا السياسة فأتركوا أبدًا وإلاّ تندَموا
إنّ السياسة سرّها لو تعلمون مُطلسم .