قبل أيام قتل لصوص شابا داعية معروفا بالصدق والأمانة والتكسب من الحلال، ليست له سوابق إلا في الخير والبذل، لم يكلف أي سياسي موريتاني، بل حتى لم يكلف الأئمة والعلماء أنفسهم تعزية أسرة الفقيد، ولم تتوقف لوفاته الحياة.
كانت الشرطة سريعة بعد ذلك في القبض على الجناة، فيما لا يعرف هل سيخرجون من السجن بعد ذلك دون أن ينالوا نصيبهم من المحاكمة والقصاص، كما هو حال المرحوم عمر جوب، الذي يقال وفق محضر للشرطة ينسب إليه ارتكاب جريمة قتل سنة 2018.
ما كان الأمر ليصل إلى ما وصل إليه من الإثارة، لولا الشحن السياسي والعنصري وركوب موجة الوفاة الغامضة والغريبة التي راح ضحيتها جوب، توافد العشرات من السياسيين والمرشحين المخفقين إلى بيت المرحوم، وحولوه إلى بطل وطني، رغم أنه أسرته تعرف عنه أكثر مما يعرفه من يتمرسون وراء دمائه الآن، وينادون بثاراته.
في بيت أخر في السبخة، تتجرع أسرة صغيرة آلام القتل والفقد منذ 2018، حيث سدد جوب – وفق ما يقول محضر الشرطة- طعنة بسكين إلى صدر الشاب يبات فأرداه قتيلا.
لا أحد يذكر شيئا عن ذلك القتيل ولا عن أمه وأبيه و فصيلته التي تؤويه، الأكيد أنهم لم ينالوا نصيبا ولا حظا من العدالة، وطبعا لن يزورهم زائر من القوى السياسية والمدونين والمحرضين.
لم يتظاهر السياسيون مع الأسرة التي مات إبنها خنقا في المدرسة البحرية في نواذيبو، وتأخروا كثيرا في المطالبة بالعدالة الناجزة لعشرات القضايا التي بالت عليها الثعالب في الرفوف، وبقيت كرق منشور في بيت مهجور.
ليست المرة الأخيرة التي تتناقض القوى السياسية مع ذاتها ويحملها ذلك على اللغو والولوغ فيما يضر ولا ينفع، ومن الأمثلة الحية سكوتها عندما قتلت القوة الإفريقية مسنا يركب جمله في منطقة انبيكت الأحواش، ورفعها الصوت عاليا عندما أعلن الجيش أنه بعد مطاردة قوية قتل أحد اللصوص في مقاطعة مقامة، فهاجوا وماجوا.. .
" ذا النوع شتتن فتن وادور توف الأعمار افتن غرداو منه وذنيين"
صحيح، هنالك أخطاء بشعة تقع يوميا في مخافر الشرطة، وشيئا ما في المؤسسات العسكرية، هنالك غباء وتحكم للعنف، وهنالك لصوص ومجرمون يوزعون الرعب كل يوم، وهنالك سياسيون جاهزون لركوب الأمواج، حتى ولو أدى ذلك إلى الحرائق والرعب، وهز هيبة الدولة وتوسيع الشقة و الشرخ بين المواطنين.
فمتى سيعرف المتاجرون بالمواقف والقضايا أن الوطن أصغر من التجاذب وأغلى من المتاجرة؟.