أنهى وزير الداخلية محمد أحمد ولد محمد الأمين مؤتمره الصحافي، بالتأكيد على أن أجهزة الأمن تملك الوسائل والقدرات لبسط الهدوء وفرض السيطرة واستتاب الأجواء، ثم عزى أسرة القتيلين جوب عمر ومحمد الأمين ولد صمب، الذين باتا عنوان أزمة أمنية جديدة، تقرع بقوة الضمير العام للمجتمع بشأن تعامل الشرطة مع موقوفيها، وفهم وتعامل قطاعات من المواطنين مع الاحتجاج باعتباره وسيلة للحرق والنهب والإرهاب المجتمعي.
من يصنع الأمواج؟
من يتحمل مسؤولية تنامي أمواج الضعف والأخطاء الأمنية، حتى يجد المتسلقون فرصة لركوبها.
إن الدولة بما تتكون منه من سلطة وشعب ووسائل إنتاج للقيم مسؤولة تماما عن كل خطأ يرتكبه فرد أو مؤسسة، لكن المسؤولية الأكثر وضوحا تقع على من بيدهم السلطة، ومن يقف الزمن بجانبهم، ومن تصطف الرؤوس لتؤدي لهم التحية والتقدير.
هنالك أكثر من سبب لتكرار حادثة الصوفي ولد الشيباني وعمر جوب ومحمد الأمين ولد صمب، وهنالك أيضا أكثر من فرصة وسبب لينتشر مئات الرعاع والغوغاء المسلحين بحقد عنصري، وهمجية عارمة لكي يسرقوا وينهبوا ويتركوا الخراب والدمار، والمال أثرا بعد عين.
إن مهمة الشرطة الطبيعية هي مواجهة الجانب الأكثر قذارة وعنفا من المجتمع والتصدي للذين لم تنجح مؤسسات التهذيب وقيم المجتمع في جعلهم مواطنين صالحين، وعندما تتم المواجهة مع هذا النمط فإن من الكثير من الأخطاء والعنف سيكون متوقعا.
لكن أن يتحول العنف والخطأ إلى ظاهرة، وأن يتم التعامل مع المواطن بقسوة بشكل دائم، فهو الأمر الذي يندى له جبين الأمن والعدالة، وينبغي أن تتغير من أجل إنهائه استيراتيجيات التكوين الأمني.
إن الوضعية الحالية لقطاع الأمن وإن شهدت مستوى متصاعدا مع تحسن الوسائل اللوجستية والمادية، إلا أنها لم تشهد تحسنا مؤسسيا، كما لم تشهد تحسنا مهنيا أيضا كبيرا.
يعتبر البعض أن دخول المواطن لأي مفوضية سيشعر بأنه دخل في قاعة رعب كبيرة، هنالك كثير من الصراخ والإهانات اللفظية سيتعرض لها، عندما يتم اعتقال متهم أو مشتبه به أو مشكو منه سيرمى في غرفة قذرة للغاية، وربما يجمع بين البريئ وعتاة أصحاب السوابق.
ويرى البعض أنه عندما يصل الأمر إلى القضاء وبعد أن يدان المتهم، فإنه سيحول إلى واحدة من أسرع وأفظع مؤسسات التكوين في الجريمة، حيث يتعايش القتلة والمغتصبون وسراق الهواتف الصغيرة وقناني الغاز، والمنتظرون للمحاكمة.
وفي المقابل وجد القاتل طريقه للخروج من السجن، دون أن ينال حظه من العقاب، ليعاود نشر سمومه بين الآمنين.
ومع استمرار كل هذه الأخطاء، بل والخطايا المؤلمة، من سيتحمل المسؤولية، ولماذا يتحول النقاش الضروري حول مسؤولية الجهات الأمنية إلى سرديات طويلة من المدائح على وزير الداخلية، رغم أن فترته شهدت إخفاقات مؤلمة، كان ينبغي أن يتحمل فيها مسؤوليته الأخلاقية، وينحني احتراما للشعب والدولة، ويدخل في قاموس المهنية استقالة مشرفة.
فخلال هذه الفترة فر السجناء الإرهابيون من السجن، ودفعت البلاد ثمن ذلك لأكثر من 10 أيام من انقطاع الانترنت، وخسائر مالية ناهزت مليار أوقية لليوم، بفعل تعطل الخدمات بشكل عام.
قبل هذه الحادثة جاءت أزمة الصوفي ولد الشين، ثم جاءت بعد ذلك حادثة عمر جوب، وبينهما قتل العديد من أبناء الوطن على يد عصابات الإجرام.
لا لوم على الشرطة مع ما يعانونه من نصب وتعب في بسط الأمن رغم شظف العيش وضعف المعاش المقدر لهم بعد التقاعد، رغم هذا إذا لم يسعفهم التكوين والتطوير المستمر في أفضل الآليات للتعاون مع المجرم الهارب والسكير العربيد، والمتغطرس الذي يزهوا بقوته ضد السكينة والأمن، فالشرطة ينبغي أن تستأسد عليهم بصحة الإجراءات وسلامة الممارسات، وأن تتفوق عليهم في مهنيتها وشرفها لسمو عملها الذي هو جزء من الكفاح السرمدي في سبيل الإله، وهذا مايجب أن تتعلمه الشرطة في فترة التكوين.
لقد أصبح لزاما على السلطة أن تعيد النظر في تكوين وتأطير قطاع الأمن، وهو أمر ليس بالعسير فما يحتاجه هذا القطاع هو تنمية المنهنية والاحتراف لا أكثر.
إن الحاجة اليوم ماسة لأن يراجع نظام ولد الشيخ الغزواني سياسته الأمنية، من حيث المحاور ونقاط التركيز ومن حيث القيم الملهة والمحترمة، ومن حيث الواجهات والأشخاص، وإلا فإن هنالك من يحفر تحت جذور حكمه، ويسعى للإضرار به، ويهشم بكل عدوانية صورته لدى الشارع، فهل سيتحرك قبل فوات الأوان.
أرى جلل الرمادي وميض جمر ويوشك أن يكون لها ضرام
أقول من التلهف ليت نفسي أأيقاظ أمية أم نيام.