أصحاب الغار والإسقاط على الحياة المعاصرة الحلقة (11)

كتب الدكتور المرسي محمود شولح لموقع الفكر

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
مع النموذج الثانى الذى يمثل نموذج العفة من خلال حديث أصحاب الغار()
وقفت المرأة أمام مراودة الرجل كثيراً ، وامتنعت منه ، ولكنها تحت ضغط الحاجة سلمت نفسها إليه بعد ثلاث مرات
( وفى رواية سالم سبب إجابتها بعد امتناعها فقال : "فامتنعت منى حتى ألمت بها سنة - أي سنة قحط - فجاءتني فأعطيتها " ، ويجمع بينه وبين رواية نافع بأنها امتنعت أولاً عفة ، ودافعت بطلب المال فلما احتاجت أجابت ) ().
"فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلى بيني وبين نفسها ففعلت .."
وفى رواية أخرى عن النعمان : " أنها ترددت إليه ثلاث مرات تطلب منه شيئاً من معروفه ، ويأبى عليها إلا أن تمكنه من نفسها ، فأجابت في الثالثة بعد أن استأذنت زوجها فأذن لها ، وقال لها : أغنى عيالك ، قال فرجعت فناشدتني بالله فأبيت عليها ، فأسلمت إلى نفسها " ().
وفى هذا دلالات :
_ امتناع المرأة الحرة الشريفة عن التفريط فى الشرف والعرض()
_هزيمة بعض النساء أمام الحاجة المتكررة ، وإلحاح أرباب الأموال عليهن فى أخذ شرفهن مقابل قضاء الحاجة
- أثر الحاجة والفقر على الأخلاق ، فإن الحاجة تؤدى إلى التفريط في الشرف ، وتضييع الأعراض فى بعض الحالات
- أثر الحاجة على أهل العفة والطهارة ، فالمرأة معروف عنها عفتها, ورغم ذلك تأثرت بالقحط النازل بها وبأسرتها ، وقبلت التفريط في العرض .
- استغلال أصحاب الأغراض حاجات الناس ، والظروف المالية التي يقعون فيها ، فهم لا يسعون إلى إصلاح أحوالهم وقضاء حاجاتهم ، وإنما يستغلون ظروفهم لإرضاء شهواتهم ، وإشباع غرائزهم .
- الضغط على المرأة من جهات عدة أشدها تأثرها بعيالها ، فهي تراهم في حاجة شديدة ولا تصبر على تألمهم وجوعهم ، وتسلم نفسها للذئاب الجائعة من أجل إشباع أولادها .
- موقف الزوج الذي استجاب تحت ضغط الحاجة لاستئذان زوجه في تسليم نفسها لا يعفيه من المسئولية ، ولا يغلف فعله ، ولا يعطيه الحق في إذنه ، فليس موقفاً مشرفاً .
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَة : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ ، وَالدَّيُّوثُ ، ‏وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى )) ().
وقد أخرج الرجل  من هذه الورطة عدم إقدام الرجل على الفاحشة بعد ذلك ، ولكن ليس للزوج شيء يرفع به وجهه في وجه زوجه ، وليس عنده رصيد مشرف لديها يبقى حياته الزوجية ، وأي زوجة كريمة لا تقبل الوجود مع رجل قبل أن يفرط في شرفها وعرضها .
ومن خلال هذا الجانب من القصة يتجلى ما يأتى:
- أثر الفقر عموماً في وجود المشكلات الخلقية في المجتمع ،ولهذا استعاذ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الفقر وربطه بالكفر
عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ : كَانَ أَبِي يَقُولُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ ، فَكُنْتُ أَقُولُهُنَّ ، فَقَالَ أَبِي : أَيْ بُنَيَّ عَمَّنْ أَخَذْتَ هَذَا ؟ قُلْتُ : عَنْكَ ، قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهُنَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ "().
_يلزم محاربة الفقر وتجفيف منابعه ، والسعي بالطرق الشرعية إلى إغناء المجتمع وإرضاء الطبقات الكادحة فيه ، كي تغلق الأبواب أمام الجرائم ، وتسد منافذ الشرور .
_تدبير المرأة العاقلة من خلال عرض الحاجة على أكثر من شخص ، فإنها تضمن وقوعها فى أيدى الأمناء والكرماء الذين بلبون الحوائج ويراعون المقتضيات الإنسانية والأدبية، فلا تعدم المروءة أصحابها()
_وجود هيئات ومؤسسات تلاحظ الحالات وأصحاب الحاجات فى الأماكن المختلفة، وتسعى لمنع الكوارث قبل وقوعها
والتوفيق بيد الله