الوزيرالسابق سيدي محمد محم في مقابلة على الفكر/ الحرب على الفساد خيار وطني التزم به النظام وقدمه في برنامجه الانتخابي.

 

في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منا إلى إطلاع متابعينا الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع أحد القامات السياسية  ممن خبروا دروب العمل السياسي،  نحاوره ونستجلي من خلاله ما وراء الخبر، في لقاء شامل يتناول أبرز القضايا المطروحة على  الساحة السياسية،  فأهلا وسهلا بضيفنا الكريم الوزير السابق المحامي سيدي محمد محم.

 

موقع الفكر: كيف تقيمون الوضع الحالي للدولة وهل النظام يعاني من تركة سلفه؟

الرئيس سيدي محمد بن محم:  بسم الله الرحمن الرحمين أشكركم جزيل الشكر الوضع الحالي نسبيا جيد إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الجانب المتعلق بأزمة كورونا التي ظللت سنة 2020م.

لا أحد يتوقع حاليا معدلات نمو اقتصادية مرتفعة أو إنجازات كبيرة في ظل هذه الأزمة، أنماط التسيير في العالم قائمة على تسيير ومفاهيم أزمة الحد الأدنى من كل شيء هو المرجو والمطلوب.

مع ذلك لا يختلف اثنان على أن الحكومة سيرت الأزمة بقدر من العقلانية والموضوعية  في الجانب الاجتماعي والصحي.

في جانبها الاجتماعي تم تزويد السوق بالمواد الأساسية وكان هناك تحكم معقول في الأسعار وإن كان من الصعب التحكم في الأسعار في مثل هذه الظروف.

إذا نظرنا إلى التعليم نجد أن معدلات النجاح في المسابقات الوطنية كانت معقولة بالمقارنة مع الدول الأخرى.

في الجانب السياسي الوضعية استثنائية بالكامل حيث أن هناك إجماعا وطنيا والتفافا حول رئيس الجمهورية.

كل القوة السياسية متفقة على مستوى ما من التهدئة ومتفقة على أن تتعاطى بشكل طبيعي وإن اختلفت مواقعها بين الموالاة والمعارضة.

هذا الوضع خفف من حدة الاحتقان وأعطى للممارسة السياسية في البلد طابعا استثنائيا وغير مألوف خلال الفترة الماضية.

نتوقع أن يستمر هذا الانفتاح لأنه مطلب وطني مطروح والغاية منه أننا قد نختلف وقد نتفق ولكن علينا أن نعرف ما يمكن أن نختلف فيه وما يلزمنا الاتفاق عليه.

 

موقع الفكر: هل ترون أن هذا النظام شكل  قطيعة مع النظام السابق أم أن الخلاف بينهما  شخصي بدليل  بقاء جسم النظام السابق على حاله؟

الرئيس سيدي محمد بن محم: هذا يتطلب عدة محددات، أولا: أين الخلاف؟ الأكيد أن النظام الحالي الذي يترأسه فخامة رئيس الجمهورية ببرنامجه الذي قدمه للشعب الموريتاني وصادق عليه خلال انتخابات مدعومة وطنيا ومعترف بنتائجها، يشكل قطيعة مع كل سلبيات الماضي ويتبنى كل إيجابياته.

فهو نظام متميز بشكل خاص ويحقق المصالحة مع الذات الوطنية في أبهى تجلياته.

 

موقع الفكر: هل يمكن أن يكون الرئيس السابق وحده المسؤول عن كل التجاوزات  دون بقية معاونيه؟

الرئيس سيدي محمد بذن محم:  مستويات المسؤولية متعددة وليست واحدة، فالمسؤولية الجزائية ليس من حقنا أن نتحدث عنها لأنها مهمة القضاء، أما المسؤولية السياسية نعم يتحملها النظام بالكامل، فالعلاقة بين مراكز النظام تحددها المساطر القانونية، لا يتوقع من أحد لم يذنب ذنبا أن يعاقب بجريرة شخص آخر، نحن كنا في نظام وذلك انطلاقا من عقد مع الشعب الموريتاني ومن أحدث منا ولم يف بعهده يحاسب حسب المساطر القانونية.

نعم دعمنا نظام الرئيس السابق انطلاقا من الشعارات التي قدمها للشعب الموريتاني محاربة الفساد والانحياز للفقراء وهي شعارات معلنة وصوت لها الشعب الموريتاني، من كان سلوكه وطريقته مطابقا لما كان معلنا يعتبر أوفى بما عاهد عليه الشعب الموريتاني ومن انحرف يجب أن يحاسب على انحرافه.

 

موقع الفكر: هاجمتم الرئيس السابق وعبتم تسييره وأنتم شركاء فيه فهل من تفسير؟

الرئيس سيدي محمد بن محم:  لم أهاجم التسيير بالتحديد قلت إنني كنت جزءا من النظام وأتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية، فدعمنا للنظام كان على أساس سياسات وبرامج معلنة قائمة على الحرب على الفساد والانحياز للفقراء. 

ولكنني تفاجأت بعد خروج الرئيس السابق من السلطة بإعلانه أنه من أغنى أغنياء البلد وطالبته انطلاقا من حقي وحق الشعب أن يحدد مصادر ثروته التي أعلن عنها.

الرئيس السابق تقلد عدة مناصب منذ السبعينات في الجيش ومن بعد أصبح رئيسا للجمهورية  لكن هذه الوظائف لا تبرر حيازته كل هذه الأموال.

فأنا لم أهاجم التسيير وإن كانت فيه مآخذ وما أشرفت عليه منه مستعد للمحاسبة عليه وسياسيا كنا جزءا من الشعب الموريتاني الذي صوت للبرنامج الذي قدمه الرئيس السابق.

قضية علمنا من عدمه التي تثار دائما، فالعلم إذا حصل يفيد التواطؤ، وهذا يحتاج شاهد إثبات، نحن على خلاف مع الرئيس السابق وعليه إثبات أن ما قام به كنا على علم به.

وأطلب من أي شخص لديه علم بعلمنا أن يقدم معلومات ومستعدون للمحاسبة، أما أننا كنا في شعارات عامة فلا تزر وازرة وزر أخرى.

 

موقع الفكر: متى ساءت علاقتكم مع النظام السابق؟

الرئيس سيدي محمد بن محم:  العلاقة ساءت بمحمد ولد عبد العزيز بعد ما ساءت علاقته بجميع النظام لأنه لم يبق معه إلا شخص أو اثنان، والنظام السابق أهله ما زالوا في نفس الطريق.

 

موقع الفكر: هل لعزيز فضل في نجاحكم نائبا في البرلمان وما ذا عن سحب الثقة من الحكومة في عهد الرئيس الأسبق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله؟

الرئيس سيدي محمد بن محم:  لم يكن له فضل في انتخابي نائبا لأني أصبحت نائبا قبل أن يصبح هو رئيسا أنا نجحت في 2006 وهو أصبح رئيسا سنة 2008م.

وهو كضابط لديه أيادي في العملية السياسية كان ضدي وباعترافه وبإمكانه أن يكذِّب.

أما مسألة حجب الثقة فهي ممارسة قانونية وخيار أخذه النواب بعد إقالة حكومة الزين ولد زيدان وتولي حكومة يحي ولد أحمد الوقف، كان هناك بعض النواب ذهبوا في هذا الخيار كنت النائب الذي تولى جمع التوقيعات من أجل حجب الثقة.

كان الهدف من الملتمس تشديد الرقابة على الحكومة ولم تناقشنا في ملتمس حجب الثقة لأنها قدمت استقالتها وانتهى الموضوع،  حتى فرصة المناقشة لم ترض أن تناقش معنا أو تحاجنا أمام الشعب الموريتاني، فقدمت استقالتها للرئيس المرحوم سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله وانتهى موضوع حجب الثقة، واستقالتها تعني قبولها ضمنيا بملتمس حجب الثقة، أما كون الانقلاب حدث بعد ذلك بشهرين أو ثلاثة فهذا موضوع آخر .

 

موقع الفكر: ما هو موقفكم من الدعوات التي تنطلق من هنا وهناك بخصوص الحوار السياسي ومن وجهة نظركم هل هناك حاجة أصلا له؟.

الرئيس سيدي محمد بن محم: لا أعتقد أن الحوار السياسي يمكن أن لا تكون هناك حاجة إليه لأن الحوار يجب أن يكون مستمرا ، ولكن الآلية هي التي يمكن أن تختلف لأننا تعودنا على حوارات تقليدية تجمع المجتمع المدني والمعارضة والمولاة وتتسم بالتباين الكبير والاصطفاف وكل شيء يبدأ من جديد دون أن يكون هناك تراكم.

الساحة اليوم تتطلب حوارا بأشكال غير تقليدية وهناك آليات كثيرة ولا يجب أن يكون بآلية تعطي انطباعا بأنه تكرار لتجارب سابقة سواء على المستوى الوطني أو القاري.

وأنا أوجه الدعوة هنا للأحزاب السياسية بقدر ما هي حريصة على التحاور يجب أن يكون الحوار بآلية أكثر جدوائية وأن يبتعد عن استنساخ التجارب السابقة.

 

موقع الفكر:  يرى البعض أن علاقتكم قوية بالإسلاميين في موريتانيا أو أنكم جزء منهم فما حقيقة هذا الكلام؟

الرئيس سيدي محمد بن محم: لا علم لي بتشكيل في المشهد السياسي يدعى: "الإسلاميون"، وأتعامل مع الساحة الموريتانية من زاوية الأحزاب السياسية وأنتمي لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية وأحترم كل الأحزاب السياسية الأخرى، وعلاقاتي طيبة بمختلف الطيف السياسي.

كتيارات فكرية الموريتانيون جميعا منخرطون في المشروع الإسلامي؛ وإن كانت الحركة الإسلامية أو الإسلاميين هذه مصطلحات  ارتبطت بتيارات ذات طابع تنظيمي  حركية معينة، ولكن في عصرنا انتهى ذلك، فالخط الفكري للموريتانيين يوحي بأنهم مؤمنون بأن الدين يقدم حلا للبشرية جمعاء وهو حل شامل لمشاكل العالم ومن هذا المنظور نقدمه كرسالة حوار وتسامح وخير للعالمين.

 

موقع الفكر: منذ مجيء النظام الحالي ظللتم خارج التعيين أو أي مسؤولية فما السبب؟

الرئيس سيدي محمد بن محم:  لم أشتغل في وظائف بتعيين سوى 18 شهرا من حياتي، هذا هو الاستثناء والقاعدة ما أنا عليه الآن، وتظل دائما حالة التعيين استثناء في حياتي.

 

 

موقع الفكر: يتداول على صفحات التواصل الاجتماعي أن هناك صفقة بين النظام الحالي والنظام السابق يتخلى فيها السابق عن التشويش على نظام ولد الغزواني في المقابل يتم تجميد ملف التحقيق بين القضاء والشرطة؟

الرئيس سيدي محمد بن محم: لا علم لي بها وأستبعدها، الموضوع ليس موضوع صفقات لأن ملف الفساد انطلق من البرلمان ووصل للقضاء ولا أعتقد أن السلطة التنفيذية ولا النظام القائم على علاقة بالملف بشكل مباشر.

ومن غير المحترم أن نتحدث عن الحرب على الفساد ومحاولة استرداد أموال الموريتانيين المنهوبة ويكون ذلك في إطار سياسي.

فالموضوع ليس موضوع صفقة لأن قضية الحرب على الفساد خيار وطني التزم به النظام وقدمه في برنامجه الانتخابي.

معركة القضاء معركة طويلة المدى ومن المهم طول النفس وفي النهاية لا غاية لدينا في استهداف أحد بريء وإذا اختلفنا مع شخص سياسيا نواجهه سياسيا.

المطلوب هو تحقيق قضائي نزيه لا يستهدف أحدا ولا يحابي أي أحد.

 معلوماتي أنه يسير بشكل جيد وأدلة الإدانة حصل منها الكثير حسب ما وصلني من بعض الأوساط القضائية، وأوساط المحامين.

 

موقع الفكر: يرى كثير من الموريتانيين أن النظام الحالي لم يقدم للبلد غير النيات الحسنة رغم مرور ربع فترته الرئاسية فكيف تردون؟

الرئيس سيدي محمد بن محم: النيات الحسنة مسألة إيجابية وهي تعبير عن الإرادة،  وبالعكس هناك برامج وخطط معلنة ولكن طابع الأزمة السائد في العالم له تأثير كبير.

 لا يوجد أي اقتصاد يمكن أن يحقق نموا في هذه الظرفية، فأنا أخاف عندما يحاول النظام الدخول في مغامرة إطلاق مشاريع كبرى؛ لأن الخوف من المستقبل هو السائد خصوصا في ظل التنبؤ بموجات جديدة من كورونا، أو وباء أشد فتكا، فلا يمكن لدولة معزولة أن تقوم ببناء اقتصاد لوحدها ولكن نحن قادرون في المستقبل على العبور من الأزمة وتخطي عنق الزجاجة إذا ما واصلنا بنفس الطريق.

 

موقع الفكر: لماذا من وجهة نظركم اختفى الخطاب الشرائحي خلال فترة حكم الرئيس الحالي؟

الرئيس سيدي محمد بن محم: مثل اختفاء الاصطفاف والاحتقان وهي كلها مسائل كانت إفرازا لمرحلة ما، وهذا يحقق لكم التمايز بين المرحلتين، وربما ثمرة من ثمرات النيات الحسنة التي أتى بها وهي إيجابية.

 

موقع الفكر: البعض يتحدث عن انتخابات سابقة لأوانها فهل من تأكيد لذلك؟

الرئيس سيدي محمد بن محم: ليست لدي معلومات حول الموضوع ولكن لا أرى مبررات كبيرة للدخول في انتخابات سابقة لأوانها، لا وضع الأزمة التي تحدثت عنها يسمح أو الوضع السياسي يتطلبها، فهناك أغلبية للرئيس في البرلمان تقارب 90% وليست هناك مبررات لحل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة.

 

موقع الفكر: الشعب الموريتاني يريد استرجاع أمواله المنهوبة من طرف الرئيس السابق فهل يمكن أن تطمئن المواطن العادي بأن الملف انطلق ولن يتراجع النظام عنه حتى النهاية؟

الرئيس سيدي محمد بن محم: كما قلت لكم لا أعتقد أن التراجع ممكن، ولكن أي عملية تحقيق لديها إكراهاتها ومتطلباتها خصوصا إذا كان المطلوب إجراء تحقيق موضوعي واسترجاع الأموال المنهوبة وتكريس مبدأ المحاسبة للموظف العمومي أيا كان، هذه مسألة مطلوبة وسلوك جيد ويجب أن يستمر وإذا تعثر الملف سيكون لذلك انعكاسات كبيرة.

معلوماتي أن الملف يخطو خطوات جادة وكبيرة، وعادة نُحجم عن الحديث عن الملفات المعروضة أمام القضاء لسرية التحقيقيات وإمعانا في تكريس مبدأ الفصل بين السلطات.

 

موقع الفكر: ما رأيكم في تخوف البعض من أن تفشل السلطة في ملف الفساد بسبب عدم حبك الملفات المقدمة للقضاء خاصة وأن تجربة السنغال القريب منا باءت بالفشل بسبب عدم حبك الملفات المقدمة للقضاء وبالتالي وصفت المحاكمة على أنها سياسية؟

الرئيس سيدي محمد بن محم: إذا كانت هناك جرائم سياسية تجب المحاسبة عليها، وتوجيه الملف إلى القضاء العادي هو إبعاد لها عن السياسة، وإن كانت هناك فرص أخرى متاحة لتشكيل محكمة العدل السامية.

لدينا ثقة كبيرة في القاضي الموريتاني وقدرته على إصدار أحكام نزيهة وموضوعية، وتقدير الأدلة والبينات مسألة يجب أن تدرس بعناية كبيرة.

الضبطية القضائية الآن تعمل بشكل شفاف وبإشراف مباشر من وكيل الجمهورية والسلطة السياسية إلى الآن لم تتدخل في الملف.

وبقدر ما كانت السلطة السياسية حريصة على عدم تسييس الملف نحن في الساحة السياسية أيضا يجب أن نكون كذلك.

 

موقع الفكر: ما هو خطر الفساد على التنمية الاقتصادية؟

الرئيس سيدي محمد بن محم: الفساد موجود في جميع الدول حتى الدول المتقدمة، ولكن مستويات الفساد مختلفة هناك الفساد المتعلق بالإرادة السياسية.

هناك عوامل موضوعية تساهم في الفساد مثل انعدام كفاءة الإدارة وهشاشتها وضعف مستويات التكوين عند الموظفين وضعف الآلية الرقابية.

 كلما تطورت الآلية الرقابية طور المفسدون آلياتهم أيضا وبالتالي هناك سباق محموم بين الآليتين.

مع ذلك الحرب على الفساد يجب أن تستمر، من خلال تعزيز أدوار الإدارة وتكوينها وتعزيز آليات الرقابة مثل المجتمع المدني، والصحافة، والأحزاب السياسية.

 

موقع الفكر: ما هي الآثار المترتبة على تزوير الشهادات من وجهة نظركم؟

الرئيس سيدي محمد بن محم: تزوير الشهادات مشكلة من مشاكل الإدارة وسياقها الإصلاح الإداري وأثرها كبير على التعليم لأنه عند ما تسند مسؤولية التعليم لمزور شهادات يكون ذلك خطير جدا ويتعدى ضرره العمل الإداري المحدود إلى المستقبل.

من حيث المبدأ التزوير مرفوض سواء في الشهادات أو في غيرها.

 

موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟

الرئيس سيدي محمد بن محم: بارك الله فيكم أشكركم جزيل الشكر ومن خلالكم أهنئ الشعب الموريتاني وفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني والحكومة وأنتم الصحافة وأتمنى لكم ذكرى استقلال سعيدة وأن  يعبر البلد جائحة كورونا إلى بر الأمان.