ضمن نشاطاته الأسبوعية، أقام النادي الثقافي العَرَبي بالشارقة، مساء أول أمس الخميس، ندوة ثقافية فكرية، تحت عنوان (مفهوم النّظر المقاصديّ وآليّاته)، تولى إدارتها الشاعر نصر بدوان، وحاضر فيها الباحث الموريتاني د. أحمد غوثم، مع تعقيب د. محمد الأمين السملالي. وقد حضرَها جمع من المثقفين والمهتمين، يتقدمهم د. عمر عبد العزيز رئيس مجلس الإدارة بالنادي.
تحدث الشاعر بدوان في البداية، عن نشأة البشرية، ونزول الرسالات السماوية، التي تحمل الخير والهداية للإنسان، وكان ختامها مع الرسالة الإسلامية الخالدة، والتي تحمل في طياتها كل مقاصد الخير والصلاح للبشرية.
ثم تناول المحاضر د. أحمد غوثمالكلام، منطلقا من صلاحية التشريع الإسلامي لكل زمان ومكان، باعتباره ختام التشريعات السماوية، وبما أن النصوص التشريعية محدودة محصورة، فيما الوقائع والمستجدات غير متناهية ولا معدودة، فلا بد من منهجية علمية تضمن استثمار تلك النصوص بما يغطي الحوادث المتجددة، ولا يكون ذلك إلا بالرجوع إلى علم "مقاصد الشريعة"، وخصوصاً في عصرنا الحديث، الذي تجددت فيه إشكالات معاصرة لم تكن مطروحة فيما سبق. وقد استطاع العلماء–يضيف غوثم- إيجاد حلول مناسبة لها من خلال اللجوء إلى النظرية المقاصدية، باعتبار أن "الشريعة إنَّما وضعت لمصالح العباد في العاجل والآجل"، كما يقول الشاطبي.
واستفاض المحاضر في الحديث عن النظرية المقاصدية، وأصالتها ضمن مباحث العلوم الشرعية، مع التوقف عند ضوابطها المنهجية، وبعض تطبيقاتها المعاصرة، في مجالات المعاملات والقضايا الطبية وغيرها.
أما الدكتور السملالي فقد بدأ تعقيبه بالحديث عن جدلية الإفراط والتفريط في التعامل مع النصوص الشرعية من القرآن والسنة، حيث دائما يوجد طرفان أحدهما يقف عند حرفية النصوص بشكل مبالغ فيه، وطرف آخر يلجأ إلى إفراغ النصوص من مضامينها، أما الوسطية المطلوبة فهي بين هذا وذاك، تعمل بالنصوص وتقدسها، ولكنها أيضا تستخرج منها ما فيها من القواعد الكلية والمقاصد الخفِيّة، وبتلك المنهجية الوسطية استطاع علماء المسلمين أن يصنعوا منهجا علميا محْكماً في التعامل مع النصوص واستثمارها، يسمى: "علم أصول الفقة"، حيث تدخل "المباحث المقاصدية" ضمن هذا العلم.
وأضاف السملالي أن الفقة الإسلامي يعد بدون مبالغة، مفخرةً للحضارة الإسلامية، حيث دوّن علماؤنا مئات المجلدات التي تتناول بالتفصيل كل جزئيات الحياة، سواء في العبادات أو المعاملات، وذلك ما حدا بالمشرّعين الغربيين إلى الاستعانة بالفقة الإسلامي في صياغة القوانين والتشريعات، وأولها القانون الفرنسي، الذي استفاد من الاحتكاك مع التراث الفقهي الإسلامي في مصر.
وأخيرا الدكتور عمر عبدالعزيز، مشيدا بالمحاضرة وبموضوعها الذي رآه بالغ الأهمية، لما فيه معالجة فكرية وقانونية للكثير من قضايا المجمتع المعاصر، كما عرّج على الحديث عن احتكاك الحضارة الغربية بالمسلمين في الأندلس، وما جرى حينها من أخذ وعطاء بين الحضارتين، كانت فيه الحضارة الإسلامية هي السبّاقة والمثال الذي يحتذى به.
وفي الختام، قام رئيس مجلس الإدارة د. عمر عبدالعزيز بتكريم المقدّم والمحاضرين، ومنحهم درع النادي.