ترجمة موقع الفكر
كما اجتمع قادة دول غرب إفريقيا مع فرنسا وناقشوا تقدم حربهم ضد الإسلاميين المسلحين بمنطقة الساحل في قمة العشرين التي انعقدت في انجامينا شهر فبراير المنصرم ، فقد حضر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الاجتماع مبتسما وحاملا رسالة أمل وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية عائدة إلى المنطقة.
وقد تنفس الجميع الصعداء: فتردد الولايات المتحدة خلال رئاسة الرئيس ترامب جعلها تبدو وكأنها تنفض يديها من رمال الساحل والمنطقة شبه الجافة في الإقليم والتي تمتد نحو شمال إفريقيا.
وكانت واشنطن تجلس في الخطوط الخلفية تاركة حليفتها القديمة فرنسا أمامها.
لكن المشكلة الوحيدة هي عودة واشنطن مع نفس سياستها القديمة وهو أمر هام بالنسبة لدول مالي وبوركينافاسو وموريتانيا وتشاد والنيجر التي تحاول محاربة أكثر الجماعات الإسلامية المتمردة سرعة في الانتشار على المستوى العالمي.
و قال وزير الخارجية بلينكن إن تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة تحاول أن توسع من حضورها في الساحل وإن الولايات المتحدة ستواصل العمل مع شركائها الأفارقة ، مضيفا أنها ستعمل على بناء جهود في غرب إفريقيا وستتشارك مع دول الساحل الدروس المستخلصة عالميا من الحرب على التطرف.
وقد مهد التمرد الطارقي في شمال مالي عام 2012م. الأرضية الخصبة للمليشيات المسلحة لكي تحصل على موطئ قدم في الإقليم.
واليوم فإن مظلة الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة ومجموعة أنصار الإسلام والدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى هي أهم المنظمات في المنطقة.
وتضغط هذه المجموعات باتجاه بوركينافاسو وغرب النيجر مخلفة آلاف القتلى وملايين النازحين.
وقد تقلصت مصالح الولايات المتحدة بالإقليم وتناقصت لكن في نهاية المطاف كان الهدف الأساسي منها هو منع الجماعات المسلحة من مهاجمة الأراضي الأمريكية وبقي ذلك الهدف نفسه. وبقيت عدسة محاربة الإرهاب التي ترى الولايات المتحدة وحلفاؤها هي ذاتها.
فمنذ عام 2013 قادت فرنسا جهودا دولية ولديها حاليا 5100 جندي وهم جزء مما يعرف بعملية برخان ، كما شاركت الأمم المتحدة ب1500 في مالي ضمن قوات حفظ السلام من ستين بلدا ، إضافة إلى 5000 جندي أرسلتها دول الساحل. وفي يونيو شكل الاتحاد الأوربي ما يعرف بقوات تاكوبا ، وقدمت الولايات المتحدة المساعدات اللوجستية والتدريب ،وقامت القوات الخاصة الأمريكية بعدة عمليات عبر الإقليم.
وقال الباحث هني نيسيبا بمركز الصراعات المسلحة المحلية إنه تم استهداف الكثير من مقاتلي الجماعات المسلحة لكن هذه الجماعات تتزايد في الواقع ، مضيفا أن جذور المشكلة لها أسباب مختلفة على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
ففي بوركينافاسو التي يقدر سكانها بحوالي 20 مليون نسمة وتوجد بها أكثر من 60 مجموعة إثنية فإن عنف المليشيات أزاح الحكومة عن أجزاء واسعة من شمال البلاد وشرقها.
وأرض " الرجال المستقيمون" التي كانت تعرف بأنها أكثر بلدان غرب إفريقيا أمانا أصبحت أكثر البلدان خطورة، وليس هذا بسبب العنف القادم إليها من الحدود المالية فحسب بل هو بسبب العنف المحلي الذي لعب دورا في جثو البلاد على ركبتيها. فكل من قوات الأمن ومليشيا الدفاع الذاتي تستهدف مجموعات الأقليات متهمة إياهم بالأنشطة الإرهابية.
فالفلان الذين يعتبرون شبه رحل يتبعون قطعانهم، عانوا من هذا الأذى. وعادة ما تحدث مشاكل بين الرعاة التقليديين مع المزارعين. ونتيجة لما عانوه وانعزالهم أصبحوا هدفا للمجموعات المسلحة التي تستقطب أفرادهم .
فقبل قمة دول الساحل في فبراير ذكرت هيومن رايتس ووتش في تقرير لها أنه تم ارتكاب ست مائة عملية قتل خارج القانون في كل من بوركينافاسو ومالي والنيجر على يد الأمن المكلفة بمحاربة الإرهاب منذ عام 2019م.
وأدت العلاقة الخاطئة بين الحكومة المركزية البوركينابية إلى تداعي الدولة.
فسنوات العجز والفساد التي ميزت عهد الرئيس روش مارك كريستيان كابوري أدت إلى تراخي القبضة المركزية على المناطق الرعوية ومع كذلك أعيد انتخابه مرة أخرى . وهذا يعني أن بعض المجموعات المحلية وجدت دعما أحسن وعدلا تحت حكم الجماعات المسلحةأكثر من الدولة ذاتها.
فتعقيدات الأزمة المحلية بالنسبة لبوركينافاسو والممتدة عبر الإقليمية ليست ملائمة للمقاربة الدبلوماسية والدفاعية والتنموية الأمريكية. فعلى سبيل المثال العنف المحلي والضعف الحكومي جعلا كثيرا من السكان المحليين يرون أن الحكومة لها ضلع في تضييع حياتهم. ففي بوركينافاسو كثير من الزعماء المحليين لمجموعة موسي أكبر المجموعات الإثنية في البلاد يبتعدون عن مركز الحكم وهو ما يجعل من الصعب العمل على إحداث مقاربة تنموية. خاصة إن كانت تنظر بعدسة مكافحة الإرهاب.
وتقول الأستاذة مارغرت أريوتي ـ وهي أستاذة بجامعة جورجيا ومختصة في الحكامة ببوركينافاسو. " إذا كنتم تريدون من الناس أن يتوقفوا عن الالتحاق بهذه المجموعات أو أن يبتعدوا عن مساندتها فالطريق الأمثل لذلك هو أن تنشأوا شكلا حكوميا يقدم للناس الأشياء التي يحتاجونها ويحميهم ويعطيهم الفرص الاقتصادية ويعطيهم صوتا سياسيا.
وتضيف مارغريت في مقابلة مع مجلة فورين بولسي أن مكتب الصراعات والاستقرار والمساعدات الأمريكية يركزان على الحكامة لكن أفعالهما لا تترجم دائما في مختلف الإدارات بواشنطن.