أسرار الحرب في الساحل الإفريقي

الكاتب رمزي بارود

ترجمة موقع الفكر.  

رغم الحضور العسكري القوي بمالي فإن انعدام الاستقرار ما يزال متفشيا  في هذا البلد

 

قالت بعثة الأمم المتحدة بمالي المعروفة ب"مينيسما "في تقرير نشرته مؤخرا إن الثالث من يناير شهد غارات فرنسية على حفل زفاف بقرية بونتي وسط البلاد مما أدى إلى مقتل 22 من ضيوف الحفل.

 

وكما ورد في الوقائع المؤسسة على تحقيقات ومقابلات مع مئات من شهود العيان فإن 19 شخصا من المعنيين كانوا غير مسلحين ومقتلهم يعد جريمة حرب.

 

وعكس الحروب الأخرى  فإن حرب فرنسا بمالي تحظى بتغطية قليلة خارج نطاق وسائل الإعلام التي تتحدث باللغة الفرنسية.

 

الماضي الاستعماري بمالي

ومع أن الحدث أقل من التعامل مع المليشيا الإسلامية وأكبر من التعامل مع التدخل الخارجي. فإن مشاعر الكره لفرنسا تعود إلى  قرن من الزمان  ففي العام  1892 م احتلت فرنسا مملكة مالي وهي مملكة إفريقية غنية واستغلت مواردها وأعادت ترتيب حدودها مما أدى إلى إضعاف شعبها وتمزيق نظامها الاجتماعي.

وانتهى الاحتلال الفرنسي سنة 1960 م لكنه كان نهاية الفصل الأول ولم تكن إلا القصة ذاتها. فبقيت فرنسا حاضرة فيها وفي بقية  دول الساحل، تدافع عن مصالحها وتقوم بالتنسيق مع النخب المحلية للحفاظ على مكانتها.

وبمقدمة سريعة إلى نقفز إلى  شهر مارس سنة 2012 عندما انقلب النقيب آمادو سنغو على الرئيس المنتخب آمادو توماني توري استخدم مبرر حماية العاصمة باماكو من السقوط في يد حركة تحرير أزواد في شمال البلاد.

وكان المبرر المخادع الذي صاغه "سانغو" ذكيا كما كان مبررا أخلاقيا لرسم رواية كبرى بالنسبة لمختلف الحكومات الغربية ومن ضمن تلك القوى فرنسا التي ترى تهديد المليشيا الإسلامية أكبر خطر يواجه مناطق كثيرة في إفريقيا خاصة منطقة الساحل.

من المثير للاهتمام وليس من المفاجئ أن انقلاب سانغوا أغضب الحكومات الإفريقية لكنه تلقى بعضا من المساعدات من القوى الغربية وهو ما عقد الأمور نحو الأسوأ. وفي الشهور الموالية أدارت المليشيات المسلحة أكثر الأقاليم فقرا في الشمال.

 

لم تزح مجموعة الانقلاب من السلطة فعليا لكن نفوذ فرنسا وبقية الحكومات تسرب ببساطة عبر الحكومة الانتقالية التي بقي لسانغو وأنصاره نفوذ كبير عليها.

وفي 20 ديسمبر سنة2012 أصدر مجلس الأمن قرارا يحمل الرقم 2085 ويقتضي إرسال قوات بقيادة الاتحاد الإفريقي إلى مالي. وتفهم القرار من قبل الأمم المتحدة، واطلقت فرنسا حربا في مالي تحت مسمى عملية القط البري "سرفال".

وأسوأ ما يمكن أن يذكر هنا أن سيناريو مالي هو ذاته الذي طبق في ليبيا عقب القرار الأممي الذي مرره مجلس الأمن تحت الرقم 1973 وهو ما تمت ترجمته إلى إعلان حرب.

وكان هذان السيناريوهان مكلفين بالنسبة للبلدين كما سمح التدخل بازياد العنف إلى مستويات قياسية وأدى إلى تدخلات خارجية أكثر، وحروب بالوكالة.

عملية القط البري "سرفال "

في 15  يوليو 2014 أعلنت فرنسا انتهاء عملية سرفال ونجاحها مقدمة لائحة من ضحايا طرفي النزاع مع رقابة دولية قليلة. لكن بعد ذلك بقليل أعلنت انطلاق عملية أخرى تحت مسمى عملية "برخان".

وتشرف فرنسا على عملية برخان وتضم حلفاءها في مجموعة دول الساحل.

وكل دول الساحل هي مستعمرات فرنسية سابقة وتتكون من: "موريتانيا" و"بوركينا فاسو" و"تشاد" و"مالي" و"النيجر".

والهدف المعلن من التدخل الفرنسي في الساحل هو تقديم المساعدات المادية وتدريب قوات دول الساحل في حربها ضد الإرهاب.

وكما ذكرت وكالة "دوتشه فيله" الألمانية فإن التفاؤل الذي صاحب عملية "سرفال" تبخر كليا بسبب عملية برخان.

 وازدادت الوضعية الأمنية سوءا ليس في شمال البلاد فحسب بل في وسطها كذلك، كاشفة معنى الإحساس بالفوضى بين المزارعين الذي هجروا أرضهم بسبب مليشيا الدفاع الذاتي التي تعمل لأجندتها الخاصة.

الهرج بمالي

في الواقع تعكس الفوضى في الشوارع قلق الحكومة، ورغم الحضور الفرنسي القوي عسكريا فإن انعدام الاستقرار يبقى منتشرا بمالي. وآخر انقلاب عسكري وقع في أغسطس من عام 2020. وأسوء شيء ما زال موجودا هو تنوع قوات الطوارق التي تشكل تحديا كبيرا من الاستغلال الخارجي وقد توحدت حاليا تحت راية واحدة.

فما الهدف الحقيقي من التدخل!! من المؤكد أنه لم يكن يهدف إلى استرجاع الديمقراطية أو الاستقرار للبلاد.  وكما قالت كارن جيس  إن مصالح فرنسا في الإقليم مصالح اقتصادية بالدرجة الأولى.

ولتأكيد هذا الزعم نحتاج إلى مثال واحد وهو أن مالي غنية بالموارد المركزية بالنسبة للاقتصاد الفرنسي ، ف75%  من الكهرباء الفرنسية يتم توليدها من مفاعلات الطاقة النووية التي يستخرج لها معدن اليورانيوم  من دولة النيجر قرب النيجر حدود إقليم كيدال.

 

لذلك لم يكن من المفاجئ إعلان فرنسا التدخل العسكري عقب الإعلان عن تشكيل دولة أزواد في إبريل سنة 2012.

وكما يستمر القصف الفرنسي فإن الجيش الفرنسي يكذب ارتكاب أي أخطاء زاعما أن كل الضحايا من الجهاديين، وتبدو القصة وكأنها في نهايتها.. لكن ما دامت مالي تستغل من قبل الأجانب ويستمر فيها الفقر وعدم المواساة فإن القصة ستستمر...