الماء هو عصب الحياة وبدونه لا يمكن أن يتحقق الاستقرار أحرى أن توجد تنمية أو تطور... ورغم رسوخ هذه الحقيقة إلا أن معاناة الأرياف والقرى والتجمعات السكانية في موريتانيا مازالت مستمرة.. ورحلة البحث عن الماء تتجدد مع بزوغ كل فجر... وهي معاناة توجد في المدن الرئيسية رغم أن موريتانيا صنفت في تقرير لمعهد الموارد العالمية من بين الدول التي لا تتعرض لضغط المياه، ولديها مخزون معتبر من الماء.
وزارة المياه والصرف الصحي أطلقت في العام 2016م. مشروعا لتوفير المياه في الريف بتكلفة مالية إجمالية وصلت خمسة مليارات أوقية بتمويل مشترك بين الدولة الموريتانية والبنك الإفريقي للتنمية، وحسب بيان صادر عن الوزارة فإن "توفير المياه في الريف أحد التحديات الكبيرة التي تواجه الحكومة الموريتانية بسبب المطالب الشعبية المتزايدة بتوفير المياه في القرى".
وهذا التحدي تشكل البنية الإدارية أحد تعقيداته فابتداء من الوكالة الوطنية للماء الشروب والصرف الصحي وصولا إلى المكتب الوطني لخدمات الماء في الوسط الريفي ظلت البنية الإدارية غير ثابتة، إضافة لتحدي التقري العشوائي الذي يساهم في تشتيت الجهود الحكومية...
وقد قمنا في "موقع الفكر" بزيارات لقرى وتجمعات سكانية للوقوف على بعض المشاهدات المهمة...
المياه .. الجوهرة المفقودة
في قرية الخشبايه التي تبعد (12 كلم.) من تاشوط بولاية لبراكنة، يعتبر الماء أعز مفقود، حيث يعتمد سكان القرية على أدوات بدائية لجلب المياه من الآبار التي تبعد (3 كلم.) عن مساكنهم.
رحلة صباحية شاقة يخوضها الأطفال والنساء لجلب احتياجات الأسر من الماء، حسب ما صرح به السكان، وذلك وضع يزداد سوء مع حلول فصل الصيف.
قرية المبروك التابعة لبلدية مال تبدو أحسن حالا في الماضي لكنها الآن ومنذ أكثر من شهرين تعيش وضعا سيئا بسبب تعطل المضخة الوحيدة التي كانت تعتمد عليها القرية، حسب ما صرح لنا به الحسن ولد الصلاحة أحد سكان القرية، فمازالت جميع الحلول التي اتخذها السكان عاجزة عن إصلاح المضخة؛ مما اضطر السكان لاستخدام أدوات بدائية وقديمة قد تفيد في فترة الخريف مثل المستنقعات والآبار السطحية ( لعكل) ولكنها لن تصمد حتى فصل الصيف أحرى أن تصل بالسكان إلى فصل الخريف المقبل.
واقع يتفاقم في فصل الصيف
في فصل الصيف تزداد الوضعية سوءا وتتفاقم معاناة السكان بسبب نقص المياه ومشقة الحصول على القليل الموجود منها، هناك بعض القرى التي تنعدم فيها المياه بشكل كلي مما يضطر السكان للذهاب إلى أماكن أبعد للحصول على القليل من الماء، وهناك انخفاض منسوب المياه مما يضاعف المشقة ويزيد من الجهد المبذول لإخراج الكنز..
لا تقتصر المعاناة على حياة الأشخاص بل إن الحيوانات أيضا تعاني من نقص المياه؛ مما يضاعف مهمة البحث ويزيد من الضغط على السكان من أجل إيجاد مياه للبشر والدواب؛ مما يستدعي التحرك العاجل لوضع خطط وتنفيذ "مشاريع مستدامة" لإنقاذ الساكنة من مخاطر العطش.
إن بناء أي برنامج تنموي جاد ينبغي أن ينطلق من حاجيات السكان ومتطلباتهم وأول تلك المتطلبات هو توفير المياه الصالحة للشرب؛ مما سيعود بشكل إيجابي على حياة المواطنين، ويسهم في تحسين ظروفهم الصحية، ويساعدهم في بناء حياة مستقرة ؛ تسهم في تطوير التنمية المجتمعية.