في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منا إلى إطلاع متابعينا الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع أحد القامات الاقتصادية، ممن خبروا دروب الاقتصاد الوطني، وعايشوا تحدياته على مدى أكثر من ثلاثة عقود، نحاوره ونستجلي من خلاله ما وراء الخبر... في لقاء شامل يتناول واقع وآفاق الاقتصاد الموريتاني، وأبرز المعوقات والمشاكل التي تعيق تطويره، فأهلا وسهلا بضيفنا الكريم معالي الوزير محمد بن العابد.
موقع الفكر: نود منكم أن تحدثونا عن الوضع الاقتصادي يوم تسلمكم لمهامكم كوزير في الفترة الانتقالية.
الوزير محمد بن العابد: الوضعية التي كانت سائدة أيام تولي وزارة الاقتصاد في بلدنا كان ذلك بعد انقلاب 2005م. وكان البلد آنذاك يعيش أزمة متعددة الجوانب، أزمة سياسية خانقة وأزمة اقتصادية وأزمة اجتماعية، ومن الناحية السياسية الكل يعرف أن الأزمة السياسية التي كانت موجودة ترتبت عليها محاولات انقلابية عديدة وترتب عليها انفلات أمني وأصبح الناس في خوف متواصل من أن يصبحون أو يبيتون على محاولات انقلابية جديدة وفقد الأرواح إلى غير ذلك.
الناحية الاقتصادية التي تهمنا أكثر من هذه في نطاق هذا الحوار، آنذاك كانت الثقة في الاقتصاد الوطني منعدمة تماما منعدمة في الداخل لدى المقاولين ولدى الناشطين الاقتصاديين المحليين نتيجة لتسخير الدولة لمرتبطين بالنظام آنذاك، ولتشابك مصالح الجانب الاقتصادي للنظام أو الذراع الاقتصادي للنظام السياسي القائم آنذاك، والثقة منعدمة أيضا مع الممولين، مع شركائنا في التنمية نتيجة لمغالطات كانت تقوم بها السلطات الموريتانية على مدى عشر سنوات في الفترة (1994 – 2004م.) ترتب عليها قلب الحقائق وتزوير مختلف المؤشرات؛ لكي يتواصل تدفق المعونات الخارجية على البلد، ولكن كان ذلك منفصلا تماما عن الواقع كانت المؤشرات التي يتم إعدادها وإيصالها لهيئات التمويل والهيئات المانحة، كانت لا وجود لها حقيقية، بل كانت مفتعلة وترتب على ذلك جفاء كبير مع الممولين وعزوف عن تمويل بلدنا وانعدام الثقة، إذا إنها كانت وضعية حرجة جدا، أضف إلى ذلك أنه نتيجة لترابط السياسي بالاقتصادي ونتيجة لانعدام الثقة مع الممولين كانت هناك وتيرة تنفيذ المشاريع العمومية والإصلاحات كانت بطيئة جدا، بحيث أنه ليست هنالك محاسبة، أنت على سبيل المثال لا الحصر إن منحت صفقة لإنشاء سد أو تشييد طريق أو لتشييد مبنى عمومي، إذا كانت لديك الحماية السياسية اللازمة لن تساءل وبالتالي يمكنك أن تشيد طريقا بغير المواصفات، أو سدا أو بناية عمومية إلى غير ذلك.. هذا ما كان سائدا آنذاك، يعني انعدام الثقة الداخلية وانعدام الثقة مع الممولين ورداءة في السياسات التنموية.
موقع الفكر: كم كان حجم الديون المترتبة في تلك الفترة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي على بلدنا؟
الوزير محمد بن العابد: عند حدوث انقلاب 2005م. كانت موريتانيا تطمح كغيرها من البلدان للاستفادة من مبادرة تخفيف المديونية للدول الفقيرة ذات المديونية العالية، غير أنها لم تتمكن منها آنذاك وبفضل الإصلاحات التي أجريناها في الحكومة الانتقالية تمكنا في سنة 2006م. من الاستفادة من هذه المبادرة، وتم محو 786 مليون دولار أمريكي من مديونيتنا الخارجية آنذاك، أي ما يمثل 22.4 في المتوسط وعلى مدى 30 سنة، كان المبلغ الإجمالي للديون الموريتانية في بداية 2006م. 2.3 مليار دولار، فإذا خصمنا منها 786 مليون دولار أمريكي التي تم إلغاؤها من المديونية فتبقى مديونيتنا تقريبا 1.5 مليار دولار، إذا يمكننا أن نقول أنه في 2006 بعد استفادتنا من إلغاء المديونية أصبح الدين الخارجي الموريتاني 1.5 مليار دولار ولك أن تقارنه مع حجمه عند انتهاء مأمورية الرئيس السابق، حيث وصل إلى أزيد من 5 مليارات دولار، مع طفرة كبيرة في العوائد مع حجم مديونية داخلية كبير، وربما مع ديون لمؤسسات خصوصية على الصامت أي مكتومة، قد تنبؤنا الأيام القادمة بحجمها.
موقع الفكر: هل تعتقدون أن الاقتراض من المؤسسات الدولية يشكل خطرا على التنمية من جهة وعلى التوازن المالي من جهة أخرى؟
الوزير محمد بن العابد: الاقتراض في حد ذاته لا يشكل خطرا، الخطر يكمن في استغلال الموارد المقترضة، هل استغلالها استغلال ناجع يساهم في توسيع القاعدة الإنتاجية للبلد وتحفيز استغلال كوامنه وخلق فرص عمل وتحسين الظروف المعيشية للناس أم أن الاقتراض يتم لتمويل مشاريع إن لم تكن وهمية على كل حال يكون مبالغ في تكلفتها وتكون ذات مردودية متوسطة أو رديئة، ويترتب عليها عمولات قد تكلف جل المبلغ المقترض وإن لم يكن جله فنسبة معتبرة منه، ولا شك أنكم اطلعتم قبل أشهر على نبأ استقالة مديرة في البنك الدولي بعد اكتشافها أن هنالك تزامنا ما بين صرف القروض التي يمنحها البنك الدولي للبلدان النامية هنالك وعملية عكسية، تتمثل في تهريب أو تحويل أموال طائلة من البلدان المستفيدة- بما فيها موريتانيا مع الأسف،- من هذه القروض إلى حسابات لأشخاص يتولون مناصب عمومية قد يكونون على هرم السلطة في ما يسمى بالجنان الضريبية، وهي بلدان في العالم لها أنظمة تشجع حفظ الموارد المنهوبة من البلدان النامية وغير النامية، و للإجابة بصفة واضحة على سؤالكم فالعبرة ليست بالاقتراض من أية مؤسسة، العبرة باستغلال أو تخصيص القروض لما ينفع الناس ويمكث في الأرض أو تخصيصها لعمليات الهدف الأساسي منها هو تحويل هذه الموارد إلى جيوب خاصة، كما شهدنا خلال العشرية الماضية على نطاق واسع في بلدنا مع الأسف.
موقع الفكر: هل خسرت موريتانيا أم ربحت من تعاملها مع المؤسسات المالية الدولية؟
الوزير محمد بن العابد: إذا ما رجعنا الذاكرة إلى تاريخ بدء العلاقة الوطيدة ما بين موريتانيا ومؤسستي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي نرى أن هذه العلاقة تعود إلى منتصف الثمانينات مع بداية حكم الرئيس الأسبق السيد معاوية ولد سيد أحمد الطايع، قبل ذلك الرئيس محـمد خونه ولد هيداله كان عصيا على التعامل مع المؤسستين، وحالة الاقتصاد آنذاك عند انقلاب 1984م، كان هنالك عجز مالي وكانت الدولة الموريتانية من الناحية الاقتصادية على حافة الانهيار، ومكرهة فارتمت في أحضان مؤسستي " Bretton Woods" وليست وحدها، إنما حذت آنذاك حذو جل البلدان الإفريقية، ففي 1984م، منذ 36 سنة، إذا ما عملنا تقييما لفترة التعاون هذه و التي تمتد على قرابة أربعة عقود، نرى أن لها بعض النتائج الحسنة، كما أن لها العديد من الإخفاقات، لكن يجب أن لا نضع اللوم على المؤسسات التي تقرضنا بل نضع اللوم علينا نحن؛ لأنه على السلطات الموريتانية أن تحدد أولوياتها وأن تحسن من حكامتها فتختار الطريق الأمثل لتمويل برامجها الإنمائية، فالمشكلة كانت دائما مشكلة حكامة، كان تنفيذ الاستثمارات- كما أسلفت- بطيئا، الإصلاحات تنفيذها بطيء هنالك تشابك ما بين السلطة السياسية وأصحاب رؤوس الأموال، وجل الثروات الوطنية وجل أصحاب الثروات الموريتانيين مصادر ثرواتهم التمويلات العمومية، ونرى أن الكثير منهم له ارتباطات مع أناس كانوا في فترة معينة إن لم يكونوا في هرم السلطة على كل حال في مراكز القرار، ونحن كما نقول بالحسانية "أهل اتويميرت متعارفين "؛ إذا الأمر واضح؛ وهو أن التحالف ما بين السلطة السياسة وبعض الفاعلين السياسيين خصوصا مع بدء ما سمي عندنا بالمسار الديمقراطي 1991 – 1992 ترتب عليه اتفاق غير مكتوب ما بين السلطة السياسية وأصحاب الأموال، نحن نمول الحملات نحن نساهم في إنجاح النواب والشيوخ والرؤساء، وبالمقابل السلطة الإدارية أو الإدارات العمومية تغض الطرف عن تجاوزاتنا في الصفقات العمومية، تغض الطرف عن عدم احترامنا لدفاتر الالتزامات، تغض الطرف عن عدم جودة المنشآت التي ننتجها أو نكلف بتشييدها في نطاق الصفقات العمومية؛ وفي ذلك تكون جودة المنشآت أو جودة الاستثمارات غير موجودة، أو على كال حال رديئة أو المنشآت والإنجازات لا تتناسب مع حجم التمويلات المرصدة لها، خصوصا إذا ما اعتبرنا أن ظاهرة الرشوة والفساد المالي في بلادنا كانت ظاهرة قوية جدا، والدراسة التي أجرتها الحكومة الموريتانية سنة 2007 – 2008 بالتعاون مع المجموعة الأوروبية والبنك الدولي أظهرت أن الفساد آنذاك كان مستشريا في موريتانيا، من هرم السلطة إلى أسفل مرتبة في الإدارة إلى البوابين، الكل يجد مصلحته في نظام عم فيه الفساد، وأظن أن هذه الحقيقة أصبحت أكثر تأكيدا وأكثر مرارة في الفترة 2008 – 2019م.
موقع الفكر: بصفتكم وزيرا سابقا وفضلا عن ذلك تقلدتم وظائف سامية في الدولة كيف تركتم الوضع الاقتصادي في البلد وكيف هو الآن؟
الوزير محمد بن العابد: أنا ذكرت بالوضعية التي وجدنا البلاد فيها غداة 2005م. الحالة الاقتصادية ردا على سؤالك الأول. وأظن أننا تركناه على أحسن ما يمكن أن يكون، نظرا للفترة الزمنية، ونظرا للأهداف التي رسمت بصفة تشاركية في تلك الفترة، الأهم أننا أعدنا للموريتانيين الثقة في دولتهم وفي اقتصادهم، أعدنا لهم الثقة في دولتهم عبر إصلاحات سياسية كان من المرتقب أن تمكن من تناوب سلمي على السلطة، ومن تعاطي للشأن السياسي بصفة متحضرة، وبصفة أخوية، وتنافس سليم، بين كل الفاعلين السياسيين عن طريق الإصلاحات التي أجريت آنذاك، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: تحديد المأموريات بمأموريتين غير قابلتين للزيادة، وإنشاء مؤسسة المعارضة الديمقراطية التي لها دور تشاوري مهم مع السلطة التنفيذية، وسن سنة حميدة في التشاور حول كل القضايا ذات الأهمية بالنسبة للوطن، وبالتالي أظن أن حزمة الإصلاحات السياسية التي حصلت خلال الفترة الانتقالية، والتي توجت بانتخابات برلمانية وبلدية ورئاسية أجمع الكل على شفافيتها، كانت كفيلة بأن تكون هنالك انطلاقة جديدة للدولة الموريتانية في ظل استقرار سياسي يضمن التنافس السلمي للسلطة، وفي الجانب الآخر على الجانب الاقتصادي قمنا بإصلاحات مكنت من إعادة الثقة في الاقتصاد الوطني، ومن عاش تلك الفترة يعلم أنه إبان المرحلة الانتقالية في السنة الأولى كانت جل المشاريع التنموية أو على الأصح جل مشاريع المنشآت في حالة توقف؛ نتيجة لغلاء البنزين؛ ولأن المقاولات الوطنية والأجنبية التي كانت تشرف أو تقوم بتنفيذ هذه المشاريع كانت تطالب بمراجعة لتكاليفها؛ نظرا للزيادة المطردة في أسعار المحروقات، ونحن خلال تلك الفترة -وبفضل الله- إثر ما حصلنا عليه من موارد استثنائية سواء كانت تلك التي تمخضت عن إلغاء المديونية التي ذكرت قبل حين (786 مليون دولار)، أو ما سمي آنذاك بعربون تسوية ملف "ود سايد" (100 مليون دولار)، وكذلك المائة مليون دولار الأخرى التي أسفر عنها فتح مجال الاتصالات أمام مستثمر ثالث؛ والذي نتجت عنه شركة شنقيتل، هذه الإيرادات المعتبرة مكنتنا آنذاك من دفع حركة النمو، عن طريق زيادة الأغلفة المالية المخصصة للمشاريع التي كانت متعثرة، ومكنتنا كذلك من تمويل مشاريع أخرى هامة، علاوة على ذلك أظن- وهذا هو المهم جدا- أننا استطعنا بفضل الإصلاحات التي ركزت على الشفافية وعلى الصرامة في التسيير، أن نستعيد ثقة الممولين والشركاء الذين كانوا يديرون الظهر لبلدنا قبل ذلك؛ نتيجة لأزمة ما سمي ببيانات المؤشرات الاقتصادية المغلوطة، واسترجعنا ثقتهم ومكننا ذلك -ما بين 3 أغسطس 2005 و31 مارس 2007- من تعبئة مبلغ 390 مليون دولار أمريكي؛ لتمويل المشاريع الكبرى في موريتانيا، وهذا المبلغ المعتبر كانت نسبة (55.8%) منه هبات أي عطايا خالصة للدولة الموريتانية، ونسبة 23.5% شبه هبات، ولم يكن مستوى القروض منه إلا 20.7% ، فكنا حريصين على أن لا نثقل كاهل بلدنا، وكاهل أجيالنا القادمة بديون لا مبرر لها، وخصوصا أننا استفدنا آنذاك من تخفيف المديونية، وكان من غير المنطقي أن نلجأ إلى تمويلات إلا إذا كانت على شكل هبات، أو شبه هبات أو كانت قروضا بشروط ميسرة وهو ما فعلنا، والحمد لله تمكنا آنذاك من رصد قرابة 400 مليون دولار منها نسبة تقريبا 80% هبات أو شبه هبات أي لا تأثير لها على المديونية، وتجلى ذلك في حجم المديونية التي تركنا 1.5 مليار، ولكم أن تقارنوه كما أسلفت مع ما آلت إليه الأمور بعد ذلك.
الآن المديونية تقارب 6 مليارات دولار ولكن للإجابة بالدقة على السؤال يجب أن نفصل بين فترتين، نحن لدينا الآن رئيس جديد تولى مهامه قبل سنة أو سنة وشهرين أو ثلاثة، عند قدومه إلى السلطة كانت مديونية البلد تقريبا 5.2 مليار دولار إذا وجد مديونية عالية لم يكن لها مبرر اقتصادي نظرا لأن الدولة الموريتانية عاشت خلال العشرية الماضية فترة طفرة مالية خصوصا ما بين سنتي 2009 و2014 نتيجة للزيادة المطردة في أسعار الحديد، إذا، كانت هنالك مفارقة كبيرة فرغم توفر الموارد لدى الدولة في نفس الوقت كانت هنالك سياسة اقتراض لا يمكن تفسيرها؛ إلا بأن الهدف الوحيد منها هو تحويل الأموال الموجهة للتنمية إلى جيوب خصوصية، ورأينا ذلك لما قامت اللجنة البرلمانية التي سنتحدث عنها لا شك، رأينا حجم ذلك فيما توصل إليه تقرير اللجنة البرلمانية، فخلال الفترة ما بين 2008 – 2019 أثقل كاهل الدولة الموريتانية بقروض لا مبرر لها، ولا تتناسب مع حجم الإنجازات التي كان من المفترض أن تصرف عليها.
موقع الفكر: جودة الاستثمار لا تزال منخفضة بسبب توظيف الغالبية العظمى من الاستثمارات في تشييد المباني بدلاً من البنية التحتية العامة أو الآلات والمعدات فما رأيكم؟
الوزير محمد بن العابد: لا أظن أن هذا دقيقا؛ لأن العبرة ليست بتشييد المباني أو غيرها، فعلا هنالك بعض المباني التي ربما لم تكن الحاجة ضرورية لها في الوقت الراهن، أو كان يمكن تأجيلها، أو كانت هنالك احتياجات ألح منها، ولكن على كل حال العبرة ليست بهذا، لا شك أنك تتحدث عن مبنى الجمعية الوطنية الجديد، أو مبنى المجلس الدستوري، الدولة يجب أن تكون لها أبهة ويكون لها رموزها، الجمعية الوطنية والمجلس الدستوري هيئتين دستوريتين؛ يجب أن تكونا في مبان تفرض الاحترام، العبرة ليست في هذا، العبرة في تنفيذ المشاريع العمومية، وفي تخصيص الموارد خلال فترة الطفرة التي شهدناها، وفي الاقتراض المفرط الذي يتناسب مع حجم التمويلات، إذا ما أخذنا على سبيل المثال لا الحصر قطاعين أساسيين، هما: قطاع الطرق البرية، وقطاع الطاقة الكهربائية، نرى أن الحكومة الموريتانية خلال الفترة 2008 – 2019 استثمرت في هذين القطاعين مئات ملايين الدولارات، إن لم تكن المليارات، بدون أن يترتب على ذلك تحسين ملحوظ في انسيابية وأمان النقل داخل المدن وما بين المدن، إذا ما أخذنا على سبيل المثال لا الحصر طريق نواكشوط النعمة الذي لا زال يحصد الأرواح بالمئات سنويا أو بالآلاف، وإذا ما رأينا طريق نواذيبو التي تتهالك، وطريق أطار بعض الشيء، إذا أخذنا في الجانب الآخر مشاريع الكهرباء لا شك أنكم لاحظتم أو رأيتم كجميع المورتانيين مشروع الطاقة الشمسية في داخلة نواذيبو بمنطقة بولنوار إن لم تخني الذاكرة، والذي طمرته الرمال تماما، بينما أنفقت الدولة أو يقول المسؤولون القائمون عليها إنهم أنفقوا فيه 50 مليون دولار أو 30 مليون دولار لا أتذكر بالضبط الآن، يعني ما كان عندنا في هذه الفترة مع الأسف ترك انطباعا عن أن الاستثمار العمومي غير جيد، الاستثمار العمومي قد يكون جيدا لكن لن يكون جيدا إلا إذا كانت هناك إرادة سياسية قوية، وكانت هناك صرامة في تنفيذ الاستثمار العمومي، وكان هنالك عكس ما شهدناه خلال الفترة الماضية، وهو توجيه الاستثمار العمومي إلى قطاع المنشآت، وخصوصا الطرق والطاقة الشمسية، نتيجة لحجم العمولات فيها، فالكل يعرف أن إعداد طريق معبدة عنده مقاييس فنية، وهنالك دفتر الشروط الفنية ودفتر الالتزامات الذي توقع عليه الشركات التي تمنح هذه الصفقات ينص على أن سماكة الطريق يجب أن تكون من 7 أو 8 أو 9 سنتمتر، والمواد التي توضع قبل التعبيد لها خصوصيات أيضا فماذا يجري؟ الذي يجري أن هنالك غش في سماكة الطريق وفي المواد المستعملة، وبالتالي نرى أن الطرقات في أول مطر تذوب كما شاهدنا ذلك في العديد من الطرق، هذا لا يمكن أن يحصل إلا إذا كان هنالك تواطؤ بين السلطة المانحة لهذه الصفقات والشركات التي يعهد إليها بتنفيذ هذه الصفقات، والأمر جلي والتقرير البرلماني أظهر ذلك يعني بصفة لا غبار عليها.
موقع الفكر: كيف ترون وضعية البلد من حيث الشفافية المالية؟
الوزير محمد بن العابد: إذا ما أخذنا المؤشرات الدولية التي تتعلق بالشفافية وتتعلق بالحكامة وتتعلق بالرشوة إلى غير ذلك نرى أن البلد ما زال في ذيل البلدان من حيث هذه المؤشرات وأن عليه أن يقوم بالإصلاحات الضرورية لكي تتحسن صورته لدى مواطنيه أولا، ولدى المستثمرين ولدى المنظومة الدولية من جانب آخر، لا سر في الشفافية، الشفافية سلوك تتعود عليه بعض الأنظمة وليست إعلانات، معناها أننا كنا دائما عندنا- وخصوصا خلال الفترة الماضية- تشدق بالشفافية حتى أننا رأينا سربا من الوزراء يقومون بحركات بهلوانية قرب قصر المؤتمرات أظنه تخليدا لليوم الوطني لمحاربة الرشوة بينما الكل يعرف ما كانت عليه الأمور فالعبرة ليست بالمنطوق الرسمي للسياسات، العبرة في التصرف اليومي في تسيير الشأن العام، وما لوحظ خلال العشرية الماضية هو أن الشفافية كانت شعارا أجوف، وكانت الشفافية ومحاربة الفساد إلى غير ذلك... شعارات جوفاء وكلمات حق أريد بها باطل، وكانت الأمور تجري عكسها تماما، عكس ما يجري مع النظام الجديد رأينا أن هنالك على الأقل استعدادا ورحابة صدر لتقبل النقد ولتصحيح المسار كلما ظهر أن هنالك خرق، وعلى كل حال نحن نعلم أن الأمور لا يمكن أن تتغير بصفة جذرية ما بين عشية وضحاها، والمهم هو أن تكون هنالك مسائلة حقيقية وأن تكون هنالك نية صادقة لدى السلطات العمومية لمحاربة الفساد، ومحاربة كل مظاهر سوء التسيير، وهذا ما لمسناه من خطابات السيد رئيس الجمهورية، وما لمسناه أيضا من الإعلان العام لسياسة الحكومة الذي تقدم به الوزير الأول قبل فترة أمام البرلمان والرئيس أكد في أكثر من مرة أن الدولة لن تحمي أي مفسد ورأينا أنه نزع من الواجهة بعض معاونيه اللذين تحوم شكوك حول مشاركتهم في عمليات فساد، ونأمل أن يتوطد هذا التوجه، وأن تكون محاربة الفساد سلوكا لا تصريحات ولا شعارات.
موقع الفكر: هل يمكن أن تعطونا أرقاما عن حجم منهوبات ومسروقات المال العام؟
الوزير محمد بن العابد: لاحظت مثلكم ما تطرق إليه تقرير لجنة التحقيق البرلمانية، وبعض الأرقام التي نشرتها بعض الصحف الاستقصائية، ولكن أظن أن أصدق ما يمكن أن نصف به حجم المسروقات خلال فترة النظام المنصرف أو المنصرف رأسه على الأصح هو شعار إحدى شركات الاتصالات أنه "أكثر مما تتخيل"، ولو إذا قلنا نهب العشرات من ملايير الدولارات ذلك ليس شيئا، نحن كموريتانيين علينا أن نكون على استعداد لتحمل الصدمة وأنه يوما بعد يوم قد نتفاجئ بحجم الدمار الاقتصادي وحجم النهب الممنهج الذي دأب نظام المنصرف محمـد ولد عبد العزيز ومن أعانوه على هدم بلدهم مع الأسف وأنا على كل حال كنت من أولئك الذين قالوا خلال تلك الفترة ، إننا لا نرى إلا القليل من عمليات النصب والاحتيال والتدمير الممنهج التي كانت السلطة تقوم عليها، وبالتالي لن أتجرأ على إعطاء أي رقم، وسأكتفي بالقول بالتأكيد على أن كل رقم يمكن أن نعلن عنه لا شك أنه أقل بكثير من الحجم الحقيقي للدمار، ذلك لماذا؟ لأننا في فترة كانت فيها طفرة اقتصادية وكما ذكرت فأسعار الحديد انتقلت من قرابة 50 دولارا للطن إلى أزيد من 160 دولارا، ورأينا مسبحا في إحدى محميات الرئيس المنصرف المسبح وحده كلف مئات الملايين فما بالك بكل العمليات الأخرى، أنا أظن أنه علينا فقط أن نعتمد شعار "أكثر مما تتخيل"، فالمنصرف مع الأسف كان لديه - وأنا ذكرت بذلك في أكثر من مرة – كان لديه جشع مرضي وحتى لو امتلك ملئ الأرض ذهبا لظل جائعا لأنه أمر مرضي ليس طبيعيا.
موقع الفكر: هل تعتقدون أن المسار الحالي الذي بدأ مع لجنة التحقيق البرلمانية وانتهى بالقضاء سيعيد أموال الدولة المنهوبة؟
الوزير محمد بن العابد: نأمل ذلك، وعلى كل حال المهم هو أن المسار الحالي يؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ الدولة الموريتانية، وهي مساءلة القائمين على الشأن العام مهما علت مناصبهم وحتى لو تعلق الأمر برئيس جمهورية سابق، فتمكن مساءلتهم أمام القضاء واسترجاع ما استحوذوا عليه بغير وجه شرعي من أموال الشعب الموريتاني، المسار قد يكون طويلا، ولكن المهم هو أنه انطلق وأظن أنه علينا جميعا أن نبارك للبرلمانيين ما قاموا به من عمل، وأن نبارك أيضا للسلطة التنفيذية، ونشكرها على عدم تدخلها في هذا الملف ونأمل أن يكون القضاء عند حسن ظن المواطنين الموريتانيين، وأنه سيعالج الملف بكل مهنية و إنصاف حتى تسترد الدولة الموريتانية خيراتها المنهوبة خلال العشرية الماضية فالعديد من الدول تمكنت من استرجاع مبالغ معتبرة كنيجيريا والجزائر إلى غير ذلك... ونحن لسنا نشاز وقد آن الأوان لتكون الدولة الموريتانية دولة يحاسب فيها المسئولون، وإن صح التعبير بالحسانية: "من تلثم على مبالغ معتبرة من أموالنا" يحق لنا أن نخلع لثامه ونسترد منه أموالنا.
موقع الفكر: ما هي الأسباب التي شجعت على نهب المال العام؟ وأين الخلل الذي أوصلنا إلى هذا الحد من الفساد؟
الوزير محمد بن العابد: قلت في ردي على سؤالك الماضي إن الأساس هو أن هنالك سنة حميدة بدأت مع هذا التحقيق، وما جاز على المثل يجوز على مماثله، نأمل أن تتوطد هذه السنة الحميدة وأن نعرف خلال الأسابيع والأعوام القادمة لجانا برلمانية ثم تحقيقات قضائية في مختلف الملفات التي تحوم حولها شكوك، إما شكوك فساد وإما شكوك ثراء بغير سبب إلى غير ذلك...
اللجنة البرلمانية كانت لديها فترة وجيزة وكانت لديها ملفات اعتبر السياسيون آنذاك وخصوصا آنذاك اعتبرت الأحزاب المعارضة والأصوات المعارضة وأنا كنت منها أنه يجب التحقيق فيها، وطالبنا بذلك، منذ أمد طويل ونحن نطالب بتحقيق في تسيير العشرية الماضية، ولا يمكن للجنة برلمانية أن تطلع بكل الملفات ولا يمكنها كذلك أن ترجع إلى ملفات قبل 30 سنة و40 سنة؛ لأنه هنالك ما يسمى بالتقادم، نحن نريد أن نصبح دولة قانون، دولة القانون تقول إنه بعد 10 سنوات تتقادم بعض الجنح، ولو أنني من اللذين يطالبون بأن تكون الجرائم الاقتصادية غير قابلة للتقادم، فيا حبذا لو نص القانون الموريتاني على أنه تمكن مسائلة أي مسؤول عن ملفات الفساد ولو كان ذلك قبل 30 سنة أو 20 سنة أو 40 سنة، فإن لم تتجذر المسائلة كسلوك اعتيادي لدى الموظفين ولدى مسيري الشأن العام فلن نكون بمأمن من إعادة تجربة ما عشناه مع الأسف خلال الفترة من 2008 – 2019م.
المساءلة هي التحصين ضد الفساد، إذا كان المسؤول العمومي يعلم أنه يمكن أن يساءل في أي وقت ويمكن أن تسترد منه الأموال التي نهبها عنوة أوتلك التي ساهم في نهبها فلا شك أن ذلك سيحفز جميع المسؤولين العموميين على التفكير قبل أن يقدموا على أعمال غير شرعية ومشينة، إذا الأساس هو أن تنطلق، وأملنا أن نشهد خلال الدورة البرلمانية الحالية انطلاقة لجنة تحقيق برلمانية جديدة، ولم لا تكون اللجنة البرلمانية الجديدة تعالج ملفات في التسيير الحالي مثل صندوق كورونا كما يطالب به البعض؟ ولماذا لا تعالج عملية استبدال العملة الوطنية مطلع العام 2018م؟ و التي تحوم حولها شكوك تكاد تصل إلى مستوى اليقين عن عمليات نهب شابتها لم يشهد لها مثيل لا في الغرب ولا في الشرق، هذه مسؤولية البرلمانيين وعليهم أن يقوموا بها، وكما أسلفت نحن نشكر لهم البادرة التي تفضلوا بها خلال السنة الماضية وعليهم أن يجعلوا منها سنة حميدة، وسيكون الشعب الموريتاني ممتنا لهم.
موقع الفكر: ما هي الأسباب التي شجعت على نهب المال العام؟ وأين الخلل الذي أوصلنا إلى هذا الحد من الفساد؟؟
الوزير محمد بن العابد: الأسباب التي أدت إلى نهب المال العام
أولا: هي أسباب مجتمعية، وأسباب كذلك متعلقة بنظام الحكم في بلدنا، يمكن أن نقول إن ثقافة نهب المال العام تجذرت أساسا أو وجدت أساسا مع انتقال السلطة من المدنيين إلى العسكريين بعد انقلاب 1978م. وأن هذه الظاهرة تجذرت بعد انطلاق المسلسل الديمقراطي أو ما سمي بالمسلسل الديمقراطي أواخر سنة 1991م. حيث أحيى هذا المسلسل النعرات القبلية والجهوية حتى على مستوى القبيلة، وعلى مستوى الأسرة الواحدة أذكى نعرات المنافسة للحصول على الأصوات، وكأنه كان هناك اتفاق غير مكتوب بين السلطة السياسية ومسيري الشأن العام أنتم خذوا ما أمكنكم أن تأخذوه من المال العام، ووفروا لنا أصوات ذويكم في كل المناسبات الانتخابية، ونحن نغض النظر عن ذلك، وترتب على ذلك أن المجتمع الموريتاني أصبح مجتمعا ماديا ولا يكاد الطفل يبلغ سن الفطام إلا كان همه الأساسي هو تحصيل المال بأية طريقة، أصبح المجتمع يجل أصحاب المال بغض النظر عن مصادر مالهم، وينزلهم المنازل العليا من الاحترام والتقدير، بينما الناس التي تتعفف عن المال العام تعتبر بالمصطلح العامي "امنيفيشة" ولا "بلا شخصية" "ولا ماهو راجل" وإذا كان مجتمع كهذا يُجل النهب فلا يمكن أن ننتظر إلا توسع رقعة الفساد وهذا ما شهدناه، ولن تكون هناك قطيعة مع الفساد ما لم يحصل هنالك وعي لدى المجتمع الموريتاني بأن الفساد لا يمكن أن تحصل معه التنمية، وأن الفساد تترتب عليه مخاطر جمة مخاطر سياسية ومخاطر اقتصادية، حتى السلم الاجتماعي يهدده الفساد رأينا في العديد من الدول الناس تثور لأنها ترى أن ثلة قليلة من المواطنين تستأثر بكل الخيرات ولا تترك للمواطن البسيط سبيلا للعيش إلا الهجرة السرية أو السرقة أو التسول في الشوارع بينما نرى بعض الشباب في بعض الحالات لم يبلغوا سن الحلم يتصرفون في مليارات الأوقية لأن آبائهم ضباطا سامين أو موظفين سامين يسيرون ميزانيات استحوذوا عليها بغير وجه حق.
موقع الفكر: يقال إن المفتشية في الغالب تستهدف أصحاب السرقات الصغيرة وتترك السراق الكبار؟
الوزير محمد بن العابد: المفتشية حتى قبل سنة كانت أداة لدى السلطة التنفيذية؛ لتصفية بعض الحسابات، ورغم أن النصوص تمنحها استقلالية فلم تكن هذه النصوص مفعلة، وما لمسناه من السلطة الجديدة أن هنالك نية صادقة لتمكين المفتشية،- سواء تعلق الأمر بمفتشية الدولة أم بمحكمة الحسابات أم بأجهزة الرقابة الأخرى- من أداء مهامها على الوجه المطلوب، ونأمل أن يتم ذلك فعلا، والملاحظ هو أن المفتشية أو سلطات الرقابة كلها كانت تضع ثقلها في غير محله حيث تهتم بملفات تسيير الأمر فيها يتعلق بموارد- ولو كانت معتبرة بموارد- حجمها ليس بالكبير وتترك الصفقات الكبرى سواء تعلق الأمر بالمنشآت الكهربائية أو منشآت الطرق أو المعادن إلى غير ذلك، ونحن في بلد كلنا يعرف ما يجري ويعرف من يستفيد من صفقات الدولة وبما يعطى من تحت الطاولة بالتالي آن الأوان لكي تلعب أجهزة الرقابة دورها كاملا وأن تركز على الأهم بدل ما هو أقل أهمية.
موقع الفكر: ما رأيكم فيما يثار من ضعف الحكامة وآخر ذلك ما أثير عن تعيين لجان الصفقات وآلية اختيار أعضائها؟
الوزير محمد بن العابد: كما أسلفت لا يمكننا أن ننتظر تغيرا راديكاليا بين عشية وضحاها خصوصا أن جل الطواقم الإدارية ما زالت هي نفسها التي كانت في وظائفها قبل استلام الرئيس الجديد للسلطة، ماذا يعني ذلك؟ يعني أن هنالك في العديد من الإدارات أقوام مردوا على التلصص، مردوا على المخادعة مردوا على النفاق مردوا على استغلال كل مسابقة أو كل اكتتاب للتقرب من أصحاب النفوذ، وقد يواصلون ذلك النهج، ليست لدي حيثيات هذه القضية بالضبط ولكن ما طالعته عنها هو أنه حصلت حالات من الاكتتاب لا يمكن أن تحصل لو اتبعت المسطرة الاعتيادية، المهم هو أن السلطة المعنية أجابت وردت على الانتقادات التي وجهت لها، الرد أقنع البعض والبعض لم يقنعه والمهم عندي هو أن هنالك سنة حميدة هو أن كل قرار قد لا يكون شفافا قد لا يكون راعى المساطر الإجرائية يمكن اليوم انتقاده علنا ويكون هنالك تفاعل من الإدارة المعنية أو من الوزارة المعنية أو من السلطة المعنية في أسرع وقت هذه سنة حميدة وسيترتب عليها لا شك عزوف من دأبوا وجبلوا على الممارسات غير الشرعية سيترتب عليها عزوفهم عن تلك الممارسات أو إقصائهم من الوظائف من طرف السلطات على كل حال الأمر لم يكن كما كان والناس تتطلع إلى أن تكون الأمور شفافة وأن تتم مسائلة كل من يستغل نفوذه أو السلطة المخولة له للي أعناق النصوص المنظمة للاكتتاب أو المنظمة للصفقات إلى غير ذلك.
موقع الفكر: ما هو تعليقكم على اتساع العجز في ميزان الحساب الجاري وعدم التوسع في الاستثمار بالبنية التحتية وتحجيم إنتاج استراتيجية ضريبية أكثر شمولاً، بجانب عرقلة إصلاح مناخ الأعمال ومنع تحرير الأسواق ؟
الوزير محمد بن العابد: هنالك جانب تشجيع الاستثمار الخاص أو جلب المستثمرين الأجانب أو تحفيز وهنالك نجاعة الاستثمار العمومي وهنالك انعكاس الاستثمار سواء كان خصوصيا أو عموميا على المستوى المعيشي للمواطنين أو على الحالة الاقتصادية العامة، ما هو موضع إجماع اليوم لدى الاقتصاديين أو لدى المراقبين المتخصصين في حقل التنمية هو أن الاستثمارات في المنشآت الثقيلة أو في المنشآت الأساسية من طرق أو من شبكات الطاقة إلى غير ذلك أو موانئ أن هذا الاستثمار لم يعد من الوارد أن يكون على موارد الدولة سواء مواردها الذاتية أو موارد تقترضها؛ لأن هنالك العديد من هيئات التمويل تموله في نطاق شراكة بين القطاعين العمومي والخصوصي أو في نطاق مشاريع خصوصية وبالتالي يجب أن توجه الدولة استثماراتها إلى القطاعات التي تنمي الطاقة البشرية سواء تعلق الأمر بالصحة أو بالتعليم أو بالماء الشروب أو بفرص التشغيل وأن تترك الاستثمار في مجال المنشآت الأساسية للشراكة العمومية والخصوصية أو التنمية الخصوصية وأن تراقب ذلك طبعا، ما حصل عندنا هو أنه في فترة معينة، في فترة الطفرة الاقتصادية كما أسلفت علاوة على أننا حصلنا على كثير من الموارد، اقترضنا لتمويل منشآت ولم نر تلك المنشآت بالمواصفات التي كان يجب أن تكون عليها، اتضح كثيرا- والتقرير البرلماني أشار إلى ذلك- أن الهدف كان فقط هو صرف هذه الموارد المقترضة لكي تكون هنالك عمولات طائلة، أحد وزراء تلك الفترة أكن له الكثير من التقدير وهو الآن على الواجهة في المرحلة الحالية قال لي ذات يوم: يا فلان احمد الله على أنك لم تخدم مع هذا الرئيس؛ لأنه قاطع طريق بهذه العبارة قال لي: "احمد مولانا الي ما شتغلت معاه بيهلي قاطع طريق"، لن أذكر اسمه هو يعرف اسمه جيدا والكل يصدقه، هذا الشخص كان آنذاك وزيرا وكان بإمكانه أن يحصل للبلد على تمويلات لمشاريعه الكبرى بما فيها المطار وبما فيها منشآت الطاقة عن طريق شراكات بين القطاعين العمومي والخصوصي من دون أن تستثمر الدولة فيه أية أوقية، ولكن الرئيس آنذاك أصر على أن تكون عن طريق تمويلات عمومية لأن هنالك ما يدور في الخفاء، إذا العبرة بطبيعة تخصيص الموارد أولا وبعد ذلك في صرامة تنفيذ المشاريع وفي متابعتها حتى نتأكد من جودتها ومن استيفائها كل الشروط التي تنص عليها دفاتر الالتزام للمقاولين المكلفين بتنفيذ هذه المشاريع.
موقع الفكر: يثار الكثير حول تزوير الشهادات فهل لديكم معطيات عن هذا الموضوع؟
الوزير محمد بن العابد: كما أسلفت نحن في بلد الكل فيه يعرف الكل "الناس متعارفة" أتذكر أحد الإخوة قبل 20 سنة طرده والدي- وكان والدي معلما ومديرا لمدرسة- من السنة الأخيرة من التعليم الابتدائي وطبعا لم يلج الثانوية ولم يلج الجامعة وكان مديرا في إحدى الوزارات، وأنا وهو لجأنا للجنة معادلة الشهادات وطلبت أنا معادلة شهادتي لكي أدمج في سلك الإداريين الماليين فأنا خريج المدرسة الوطنية للإدارة من فرنسا فرفضت لجنة المعادلة ذلك، ومنحتني معادلة لسلك الإداريين المدنيين وهو منحته المعادلة على أساس شهادة الله أعلم أين وجدها، وأصبح إداريا من السلك المالي فقلت له يا فلان: كيف لك وأنت الذي طردك أبي أن تصبح إداريا من السلك المالي وأنا إداري من السلك المدني؟ أجابني: "الرجالة فاغمادها"، وأحييه إذا كان يستمع وأبارك له ذلك، نحن البلد -لا شك- الوحيد الذي لدينا فيه أطباء لم يدخلوا يوما كلية الطب ولا مدرسة تكوين الممرضين، تتذكر لا شك الطبيب الذي كان في ازويرات والذي خدم قبلها في عدة أماكن، لدينا كذلك بعض الطيارين الذين لم يجلسوا أبدا على مقاعد كليات الطيران، لدي زميل قال لي بأن لديه زميلا فرنسيا استقبله قادما من فرنسا، الزميل الفرنسي هذا قادما من فرنسا واستقبله في المطار وفي الطريق للذهاب إلى مقر سكنه قال له أنا كنت أرى على لوائح السيارات rim الجمهورية الإسلامية الموريتانية ولكني أظن أنه يجب أن تقرؤوها بـrien n’est impossible en mauritanie لا شيء غير ممكن في موريتانيا لدينا كل شيء يمكن أن يكون أي شخص طبيبا، أو يكون مهندسا ولو لم يتعلم الطب ويمكن أن ينتقل من حارس إلى رئيس جمهورية كل شيء ممكن لدينا مع الأسف.
موقع الفكر: هل ﺗﻮاﺟﻪ موريتانيا ﻗﻴﻮدا في حصولها على منح التمويل الخارجي ؟
الوزير محمد بن العابد: رأيي أنه لا شك في أن في بلدنا هامش كبير لزيادة المداخيل الضريبية نظرا لعدم إخضاع بعض القطاعات للضريبة، ونظرا كذلك لضعفٍ لدى إدارات التحصيل الضريبي في جباية الضرائب، والضريبة أنواع، وما يجب هو أن تكون الضريبة عادلة، أن تكون منصفة وأن لا تكون قاتلة للمبادرات، ويجري الآن حديث حول انتقال أو تشجيع القطاع غير المصنف الذي يمثل 80% من الاقتصاد الموريتاني والذي بالطبع غير خاضع للضريبة نظرا لأنه غير مصنف تشجيعه ليتحول إلى قطاع مصنف والإشكالية أنه إذا لم يكن التشجيع لطيفا أو كيسا يمكن أن تترتب عليه مضار اجتماعية كثيرة؛ لأن العديد من أصحاب المبادرات الخصوصية وأصحاب الأنشطة غير المصنفة يعيلون أو يشغلون عدة أفراد ويعيلون أسرا؛ وبالتالي إذا ما حاولنا إرغامهم على الانتقال إلى القطاع المصنف قد نخسر فرص عمل للعديد من أبنائنا، ولمعيلي العديد من أسرنا وبالتالي يجب أن تكون هنالك إجراءات مدروسة جدا لتشجيع ما يمكن انتقاله دون أن يكون ذلك مجحفا بالمقاولين من القطاع غير المصنف إلى القطاع المصنف، وترك الأنشطة الصغيرة أو ذوي المبادرات ذي الحجم الصغير أو المتوسط، ترك متنفس لهم، عدم إجحافهم بالضرائب حتى يكون الانتقال طبيعيا؛ لأنه في مرحلة معينة من نمو النشاط التجاري يجد صاحبها مصلحة في أن ينتقل إلى القطاع المصنف؛ لأنه يمكنه من الحصول على صفقات عمومية، ويمكنه من أن يحصل على قروض بنكية، و يمكنه من أن يحصل على امتيازات، ولكن يجب أن يكون ذلك تدريجيا، من حيث المبدأ أنا أرى أنه علينا أن نُخضع كل ما يمكن إخضاعه للضريبة، ولكن يجب أن تراعى ضرورة عدم خنق بعض مؤسسات القطاع غير المصنف، عدم خنقها بجعلها مصنفة بإخضاعها للضرائب، أظن أن الهامش في التحصيل الضريبي الهامش كبير جدا وقد يغنينا عن الضغط على المقاولين الصغار، وبالحسانية يمكن القول إنه: "محدن نروقو الطيور الطايرين نخرصو ذو الي نازلين" عندنا الآن الكثير من الأشخاص عندهم الكثير من الأموال ولديهم أنشطة غير رسمية ولديهم المليارات والمنازل والقصور والعديد من السيارات، يجب على هؤلاء دفع الضرائب وبعدها يمكن أن نفرضها على بائعة الكسكس أو صاحب العربة أو صاحب الدكان، العدالة الضريبية تجعل من الواجب أن ننظر إلى أولئك الذين لديهم أموال أكثر "والناس متعارفة".
موقع الفكر: ما هو تقييمكم لتجربة الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية ؟
الوزير محمد بن العابد: هنالك مراحل في حياة أي بلد يصبح فرض عين علينا أن نقول كلمة الحق، وأن نقف مع الحق، وانقلاب 2008م. أنا من اللذين احتسبوا أنه ليس له أي مبرر شرعي وأنه لم يأت إلا بسبب أن قائدا للحرس أزيح من منصبه، وهذا أمر عادي؛ وبالتالي أنا فخور آنذاك بأني وقفت ضد الانقلاب وبقيت على موقفي حتى -الحمد لله- انصرف صاحب هذا الانقلاب، طبعا لم ينصرف إلا بعد تدمير العديد من أسس الدولة الموريتانية، وإحداث َأضرار جسيمة عليها، ولكن حسبه في ذلك الله وضميره، وأملنا أن يعوضنا الله خيرا مما أفسده هووثلته في بلدنا.
تلك الفترة كانت فترة الاحتكاك بكثير من أبناء وبنات موريتانيا اللذين أحسب أنهم كانوا صادقين، وكانوا يريدون لها أن تصبح دولة يحترم فيها القانون ولا يمكن لأحد أن يصل فيها إلى السلطة إلا عن طريق صناديق الاقتراع، وأظن أنه لو لم تكن تلك المعارضة آنذاك لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن، وعلى كل حال أملي أن تكون قطيعة عامة مع ما شهدناه خلال السنوات العشرة الماضية، وأن تجد موريتانيا اليوم سبيلها إلى ترسيخ دعائم دولة القانون والعدل والمساواة، ودولة الحكامة الرشيدة، التي تستغل فيها خيرات البلد لفائدة أبنائه كلهم، دون تمييز، ودون اعتبار لولائهم السياسي أو غير السياسي.
موقع الفكر: طبقت موريتانيا خلال ٣٠ سنة الماضية الكثير من البرامج الاقتصادية بالتنسيق مع المانحين ( التقويم الاقتصادي/ التقويم والدفع/..)
ما هي أوجه استفادة الاقتصاد من هذه البرامج، أم أنها كانت مضيعة للوقت و عبثية؟
الوزير محمد بن العابد: لا أظن أنها كانت مضيعة للوقت، أظن أن الاقتصاد الموريتاني استفاد من هذه البرامج، ولكن أظن أيضا أن الاستفادة كان يمكن أن تكون أكثر بكثير مما حصل لو كان هنالك أسلوب في الحكامة غير الذي شهدناه خلال العقود الماضية، أظن أن المشكلة فينا نحن أولا، في حكامتنا، وقلنا إنه خلال الفترة الماضية -وهذا لا يبرؤ الفترات التي سبقتها فترة 2008م. – لا يبرئ القائمين على الشأن العام في تلك الفترات أنه كل له إخفاقات وكل له نجاحات- كان حجم الإخفاقات وقلة النجاح كان أكثر في الفترة 2008م. – 2019م. إلى حد لا يتصور؛ لأنه كان هنالك فقط تدمير ممنهج للاقتصاد الوطني بغية إثراء خواص يكادون يعدون على أصابع اليد الواحدة، المشكلة في أن كل هذه البرامج من منتصف الثمانينات غالبا ما تكون الأهداف المرسومة فيها مبالغا فيها؛ وبالتالي حينما ينتهي البرنامج المعين نرى أننا لم نحرز ما رسمناه من أهداف، هذا حصل فيما يسمى ببرنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي 84 – 89 بعد ذلك برنامج يقولون له program de consolidation et de reliance التدعيم، وحصل بعد ذلك في إطار الخطط المتتالية الثلاث في إطار الإستراتجية الوطنية لمحاربة الفقر، وحصل في الخطة الأولى لاستراتجية النمو المتسارع والرفاه المشترك الجارية الآن، وغالبا ما يكون هنالك رسم مبالغ فيه لأهداف يتبين لاحقا أنه كان من غير الممكن بلوغها، وذلك نتيجة لضعف الإدارة، وضعف الطاقة الاستيعابية للبلد، ولعدة عوامل، وما نأمله هو أن تكون هنالك قطيعة مع هذا النمط، وأن لا نواصل الكذب على أنفسنا؛ لأن من يرسم لنفسه أهدافا لا يمكنه بلوغها كمن يكذب على نفسه، والشعوب –وشعبنا ليس نشازا من الشعوب- تتطلع إلى أن يصدقها من توليهم شأنها، من توليهم سياسة أمورها أن يكونوا صادقين معها، والمطلوب من السلطة أن تكون صادقة مع شعبها وأن لا تمنيه بما لا يمكن أن تفعله "الي اعط الي فيدو ما يسمى بخيل" المهم هو أن تكون هنالك أهداف موضوعية واقعية، و سياسات ناجعة وهذا لم نشهده خلال الفترات الماضية إلا نادرا، وفي حالات قليلة، وأملنا أن يكون هناك نهج جديد، وقد رأينا بوادره في تعامل النظام الجديد مع الملفات الكبرى، ونأمل أن يتوطد ذلك، وأن تكون السياسات العمومية أكثر مراعاة للواقع، وأن تكون أيضا جدوائيتها وفعاليتها نصب أعين القائمين على الشأن العام.
موقع الفكر: تجاهل موريتانيا لأهمية الاستثمار الأجنبي يقلل من الكفاءة العائدة للاستثمار بسبب تفضيل الدولة الاعتماد على الشركات المملوكة من طرفها لتنفيذ أجندتها في التنمية ؟
الوزير محمد بن العابد: هنالك في هذا السؤال إشكاليتين: إشكالية الاستثمار الأجنبي وإشكالية رجوع الدولة للحقل الإنتاجي، والحقل الخدماتي، كما شهدناه خلال المرحلة الماضية، عبر طريق إنشاء شركات عمومية تتدخل في القطاعات الإنتاجية، من حيث المبدأ أنا لست من أولئك الذين يحتسبون أن الدولة يجب أن تخرج من قطاعات الإنتاج أو الخدمات وتتركها للمبادرة الخصوصية، أرى أنه يجب تشجيع الاستثمار الخصوصي، ولكن هنالك بعض الميادين التي لا يجد الاستثمار الخصوصي في نفسه رغبة للاستثمار فيها، إما لأن مردوديتها ليست آنية، وإما لأن حجم الاستثمار فيها يتطلب موارد كثيرة؛ وبالتالي يفضل المستثمرون الخصوصيون التوجه إلى قطاعات أخرى أقل خطرا، وهنالك بعض القطاعات ذات الأهمية الاستراتجية التي من غير المعقول ألا يكون للدولة مشاركة فيها، كقطاع المحروقات التي أنشأت الدولة له الشركة الوطنية للمحروقات، أنشأناها آنذاك خلال المرحلة الانتقالية 2005م. – 2007م. أنشأناها 2005م. أو 2006م. إن لم تخني الذاكرة هذه جوانب استراتجية، إنشاء –أيضا- شركة المعادن قبل أشهر يبدو أنها فكرة جيدة؛ لأن هذه قطاعات استراتجية ويجب أن تكون الدولة حاضرة فيها ولكن لا يتنافى ذلك مع حضور القطاع الخصوصي والمستثمرين الخصوصيين، فيما يخص جلب الاستثمار الخصوصي خصوصا الأجنبي منه يتوقف على وجود فرص استثمار وهذه الفرص موجودة سواء فيما يخص استغلال الموارد الطبيعية من معادن أو من موارد بحرية، أو من مساحات زراعية إلى غير ذلك... لكنه يتعلق أيضا بتوفير مناخ ملائم للاستثمار، وذلك يمر عن طريق إصلاحات في مجال العدالة، إصلاحات في المجال الضريبي، إصلاحات في مجالات التخفيف من كلفة الإنتاج سواء تعلق الأمر بخدمات المواصلات أو خدمات النقل أو خدمات اليد العاملة المتخصصة إلى غير ذلك... وهذه عملية طويلة المدى، وما يمكن أن نأمله هو أن يستغل بلدنا المرحلة القادمة -إن شاء الله- استغلال الموارد الغازية المشتركة بيننا وبين أشقائنا السنغاليين لتأهيل البلد لتوسيع قاعدته الإنتاجية؛ وبالتالي توفير فرص عمل أكبر للشباب الموريتاني، وذلك عن طريق إصلاح النظام التربوي والنظام التكويني لأن هذا هو الاستثمار الحقيقي والمجالات الأخرى كالمنشآت هذه تأتي، -وكما أسلفت أنها يمكن أن تمول- في نطاق شراكات عمومية خصوصية بين القطاعين العمومي والخصوصي، فالرهان الآن كيف نحضر بلدنا لكي يستفيد استفادة قصوى من آفاق استغلال الغاز وخصوصا فرص العمل التي سيمكن منها وأن لا نترك الوافدين من البلدان المجاورة يأخذون الوظائف التي يمكننا أن نأهل شبابنا لشغلها بعد سنوات.
موقع الفكر: كيف ترون مستقبل التنمية في موريتانيا وهل من كلمة أخيرة؟
الوزير محمد بن العابد: التنمية عملية تراكمية تقتضي أولا -كما أسلفت- دقة أو واقعية في تحديد الأهداف، وذكرت قبل قليل في الإجابة على سؤالك أننا في بلدنا غالبا ما كنا نرسم أهدافا غير قابلة للتحقيق وبالتالي يتولد عن ذلك شعور بعدم القدرة أو الشعور بالضعف.
التنمية عملية تراكمية، يلزم أن تكون هناك إرادة سياسية قوية، يلزم أن تكون هنالك نظرة واضحة لتخصيص موارد الاستثمار إلى القطاعات التي تحفز الإنتاج على المدى المتوسط والطويل وذلك بخلق مواطن موريتاني قادر على التوظيف، قادر على أن يستغل فرص الشغل التي ستفتح له، وهذا يمر بمراجعة شاملة لنظامنا التربوي والحكومة عاكفة على ذلك، ويمر أيضا بتطوير إمكانيات التكوين المهني؛ كي تكون لنا يد عاملة ذات مهارة أو ذات كفاءة عالية غير موجودة اليوم، ويمر كذلك بفك الارتباط بين السلطة السياسية والمستثمرين الخصوصيين؛ لأن جل مشاكلنا تأتي دائما من أن هنالك تدخلا للسلطة السياسية في المشاريع الاقتصادية، وتنفيذ المشاريع يجعل من هذه المشاريع مشاريع ضعيفة الجودة وضعيفة المردودية؛ نظرا لارتباطها بمصالح القائمين على الشأن العام، إن لم يكن هنالك فك الارتباط ما بين السلطة السياسية والفاعلين الاقتصاديين لا يمكن أن تكون هنالك تنمية؛ لأنه لا تمكن مساءلة من يوكل إليهم تنفيذ الصفقات العمومية، لا تمكن رقابتهم لكي يلتزموا بدفاتر الالتزامات والعقود المبرمة معهم؛ لأنهم محميون من طرف السلطة، إذا لم يكن هنالك فك الارتباط والصرامة في تنفيذ السياسات، واحترام تام للمال العام، ورد الاعتبار لمبادئ العمل والسعي للمصلحة العمومية ونبذ ثقافة ما يسمى عندنا بثقافة "اتشعشيع" والحصول على المال بأي طريقة، لن تكون هنالك تنمية، هذا هو استنتاجي كشخص واكب -منذ -الحمد لله- أزيد من 30 سنة- السياسات التنموية في موريتانيا اليوم أظن أن هنالك انبعاث أمل جديد في أن يكون قطار التنمية في موريتانيا على السكة الصحيحة، ولكن ذلك يتطلب أن تكون هنالك إجراءات قوية من حيث تسيير الشأن العام ومن حيث إبرام الصفقات ومن حيث انتقاء القيمين على المصالح أو على الإدارات العمومية إلى غير ذلك ونتمنى التوفيق للدولة الموريتانية والحكومة الموريتانية في ذلك، ونتمنى أن تكون هنالك أيضا هبة شعبية لإدراك أن التنمية لن تتم إلا إذا كان المجتمع حاضنا لها والمجتمع مع الأسف لا زالت لديه بعض الأفكار المنافية للتنمية، وما لم يتم نبذها والتخلي عنها لن نتمكن من إرساء دعائم دولة عصرية تشجع التنمية وتشجع رفاه الإنسان الموريتاني.
موقع الفكر: شكرا لكم.