قال الوزير السابق يحي ولد أحمد الوقف إن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قد حقق نقلة نوعية بانفتاحه على الطيف السياسي،وفي الجانب الاقتصادي قال الوزير إن التقويم فيه سابق لأوانه، والمهم في ذلك الآن هو البرامج والخطط وتعبئة الموارد وكل ذلك قد تم.
وأوضح الوزير أن لا أحد يمكنه الحديث عن الأموال المنهوبة والمسروقة سوى القضاء، مؤكدا على أهمية الحكامة الرشيدة أكثر من تعبئة الموارد
وأبدى الوزير تفاؤله بالمستقبل من أن هناك آفاقا واعدة في الموارد لكن عوائق كبيرة في التعليم والتكوين المهني وعلى المستوى الاجتماعي وعلى مستوى العقليات وفق تعبيره.
إلى نص المقابلة:
موقع الفكر: نود منكم أن تحدثونا عن الوضع الاقتصاد للبلاد عشية تقلدكم منصب الوزير الأول :
المهندس يحي أحمد الوقف: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛
في الحقيقة الفترة التي تسلمت فيها رئاسة الحكومة سنة 2008 وجدت أن حكومة الوزير الأول الزين ولد زيدان ـ الذي كان يتولى المنصب قبلي ـأعدت الدراسات والخطط والبرامج الضرورية كما عقدت اجتماعا للتمويل حصلت بموجبها على ثلاث مليارات من الدولار لتمويل الاقتصاد الموريتاني. وكانت الظروف مواتية من حيث تشخيص الوضعية ومن حيث المناخ المساعد ومن حيث تعبئة الموارد، لكن مع استلامنا للحكومة بدأت خلافات سياسية شلت حركة الحكومة وأدت إلى الانقلاب على الحكومة بعد ثلاثة أشهر.
موقع الفكر: كما كان حجم ا لديون المترتبة على موريتانيا لصالح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي آنذاك؟
المهندس يحي أحمد الوقف: في المرحلة الانتقالية حصل تخفيض لمديونية البلد، وأعتقد أن مستوى الديون عشية الانقلاب كان أقل من ملياري
دولار.
موقع الفكر: هل تعتقدون أن الاقتراض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يشكل خطرا على التنمية من جهة وعلى التوازن المالي من جهة أخرى؟
المهندس يحي أحمد الوقف: الاقتراض في العموم ليس أمرا سلبيا في الاقتصاد بل هو مسألة إيجابية لكن تجب مراعاة أمرين أساسيين أولهما مستوى المديونية واستدامتها لكي لا تكون عبئا على الميزانية، ثانيهما طبيعة المشاريع فيجب أن تكون مشاريع تنموية ذات مردودية كي تكون لتلك المشاريع القدرة على تسديد الديون.
موقع الفكر: هل خسرت موريتانيا أم ربحت جراء تعاملها مع هاتين المؤسستين؟
المهندس يحي أحمد الوقف: من الواضح أن المؤسستين رأسمالهما في غالبه يعود إلى الحكومات الغربية ومن البديهي أنهما تخدمان أهدافا محددة ومن تلك الأهداف أن يكون الاقتصاد العالمي على نمط الاقتصاد الغربي، لكن مع ذلك لهما من الخبرات والموارد ما هو مفيد إذا كانت الحكومة قوية وتعرف أهدافها وتعرف ماذا تريد، يمكن أن توظف تلك الموارد والخبرات لصالح الأهداف الوطنية أما إذا كانت الحكومة ضعيفة فيمكن أن تذهب تلك الموارد إلى توجهات أخرى قد لا تخدم البلد، وعليه فإنني أعتبر أن التعامل والاستفادة من مواردهم أمر ضروري لكن يجب على الطرف المستفيد ـ وهو الحكومة ـ أن تكون لديها القدرة على تحديد أهدافه واستراتيجياته.
موقع الفكر: بصفتكم وزيرا أول سابق كما سبق وأن شغلتم وظائف سامية أخرى كيف تركتم اقتصاد البلاد؟ وما هو الوضع الذي عليه الاقتصاد الآن؟
المهندس يحي أحمد الوقف: كما قلت لكم، تركنا البلد في وضع جيد سواء من حيث المديونية أو تعبئة الموارد أو المناخ بشكل وبالمجمل كانت وضعية واعدة.
بالنسبة للوضع الراهن، فخلال السنوات العشر الماضية حصلت البلاد على موارد استثنائية ، ففي الفترة ما بين 2010 ـ 20015 حصلنا على موارد استثنائية لكن بالمقابل حصلت استدانة استثنائية فقد قربت
المديونية من نسبة 100% من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المعلوم أن مستوى خطورة الاستدانة ينبغي أن يتراوح ما بين 60 % إلى 70% من الناتج المحلي الإجمالي، ومع ذلك لم يتم استثمار هذه الموارد فيما يحقق النمو المطلوب، إذ ظل متوسط النمو في حدود 4% وهو نفس المتوسط في الفترات السابقة و هذا يعني أن الموارد لم تستغل أحسن استغلال وكان يمكن أن تكون كذلك ورغم ذلك فهي ليست وضعية سيئة على العموم.
موقع الفكر: ماهي أبرز القطاعات التي تم تفتيشها في فترتكم؟
المهندس يحي أحمد الوقف: لا أستحضر، وأعتبر أن المنظومة الرقابية لدينا تعاني من خلل وأنشأنا لجنة وزارية من أجل إعادة هيكلة الرقابة لأنه كانت لدينا الرقابة المالية العامة وهي تتبع لوزير المالية والرقابة العامة وهي تابعة للوزير الأول، إضافة إلى محكمة الحسابات، مما يستدعي إعادة تنظيم هذه الهيئات وكانت هذه نيتنا لكن وقع الانقلاب، ولكي أكون موضوعيا فإن فترة العمل الأساسية هي فترة حكومة الزين ولد زيدان إذ لم تبق وزارة ولا سفارة ولا هيئة إلا زارتها المفتشية وكان لها ولعملها دوري حيوي في محاربة الفساد.
الجوهري في الرقابة و الأساسي هو الدور القبلي وليس دورها بعديا، فعندما يشعر المسؤولون بوجود الرقابة سيرقبونها.
موقع الفكر: كيف ترون وضعية البلد من حيث الشفافية؟؟
المهندس يحي أحمد الوقف: لدينا نصوص قابلة للتحسين وقد أقررنا قانونا خاصا بالشفافية المالية إلا أننا غادرنا السلطة سنة 2008 قبل إنجاز النصوص المنظمة لهذا القانون والنصوص موجودة وتحتاج إلى إرادة سياسية وأعتقد أن الإرادة السياسية موجودة في الفترة الحالية، ونرجو أن تحقق الأهداف المطلوبة من ورائها.
موقع الفكر: هل يمكن أن تحدثونا عن حجم الأموال العامة المسروقة والمنهوبة؟
المهندس يحي أحمد الوقف: لا، ولا أظن أن أحدا يمكنه الحديث عنها سوى القضاء.
موقع الفكر: هل تعتقدون أن المسار الحالي الذي بدأ مع لجنة التحقيق البرلمانية سيعيد المال المنهوب من أملاك الدولة؟
الأهم هو المستقبل، ودور هذه اللجنة هو إشعار المسؤولين أنه تمكن محاسبتهم بعد مغادرتهم لوظائفهم.
وهذا سيؤدي إلى تحسين الأداء في المستقبل إن شاء الله تعالى.
وبالنسبة للماضي فاللجنة أعلنت عن وجود شبهات وخروقات، والقضاء وحده من يمكنه ما يمكن استرجاعه من الأموال.
موقع الفكر: ما الأسباب التي شجعت على نهب المال العام، وأين الخلل الذي أوصلنا إلى هذا الحد من الفساد؟
المهندس يحي أحمد الوقف: الخلل في المجتمع قبل كل شيء ، فمجتمعنا لا يستوعب معنى الملكية العامة جيدا. ولذلك كل الأنظمة التي حكمتنا كانت أنظمة أبوية وليس لديها تفريق بين المال العام والمال الخاص. فمنذ العهد الأموي حتى الآن لا يوجد فرق بين المال العام والمال الخاص، ثم لما جاء الاستعمار تواءم مع وضعيتنا ولم يغير فيها شيئا فالزعيم كان يستوي ماله الخاص والمال العام. ونحن نعيش حاليا عصرا ماديا وقد أثرى بعض الناس ثراء سريعا ولا يمكن أن تردع هذه المسلكيات إلا نظم واضحة وإرادة قوية.
موقع الفكر:الملفات المفتوحة من قبل البرلمان محدودة من حيث العدد ومن حيث الفترات الزمنية، ألا تقتضي النزاهة تعميم التجربة على الجميع؟
المهندس يحي أحمد الوقف: من المعلوم أنه لا يمكن أن يكون هناك ملف غير محدود في الزمن ولكن لم يكن استهداف فقد فتح ملفات متعددة لأزمنة وأشخاص متعددين ولم يكن هناك أي استهداف لأي كان والمجال مفتوح لتجاوز هذه الملفات.
موقع الفكر:يقال إن المفتشية تستهدف صغار اللصوص وتترك كبارهم ؟
المهندس يحي أحمد الوقف: من الطبيعي أن يستهدف الصغار قبل الكبار لأن كبار المفسدين يتطلب استهدافهم إرادة سياسية قوية وهذا ما كنت دائما أردده.
موقع الفكر: أثير الكثير من اللغط عن ضعف الحكومة وكان آخر ما أثير عن أعضاء لجان الصفقات ما هو ردكم على هذا الاتهام ؟
المهندس يحي أحمد الوقف: أظن أن أغلبية ما أثير في العالم الأزرق من ردود حول تعيين أعضاء لا يستوعب أصحابه الموضوع فأغلب من عين كانوا أعضاء في اللجان وتم تجديد مأمورياتهم.
ما تقويمكم لسنة من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؟
المجالات متعددة والتقييم لا يمكن أن يكون في جانب واحد، ففي الجانب السياسي أعتقد أن الرئيس حقق نقلة نوعية بانفتاحه على مختلف الطيف السياسي وتعامله معهم بصدر رحب من الترحيب والاستماع إليهم.
وعلى مستوى حزب الاتحاد الذي هو رمز للسلطة حدث انفتاح وتعاون فهناك لقاءات دورية بين أحزاب السلطة والمعارضة وأعتبر أن هذه المسألة مسألة جديدة.
أما فيما يتعلق بجانب استقلال السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفصل بعضها عن بعض يمكنني القول إننا تقدمنا.
ما الجانب الاقتصادي فهناك خطط واضحة مستلة من برنامج الرئيس لكن لا يمكن تقييمها قبل فترة ... وقد عبئت الموارد ووضعت الخطط وننتظر المخرجات.
موقع الفكر: يثار الكثير من اللغط حول الشهادات المزورة هل لديكم معطيات حولها؟
المهندس يحي أحمد الوقف: أعلم أن هناك بعض مظاهر ما ذكرتم... لكن ليست لدي معطيات خاصة... وعموما فإن تزوير الشهادات أمر خطير والتصدي له في غاية في الأهمية.
موقع الفكر:بعد انقلاب 8 أغسطس 2008 شاركتم في الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية بعد عقد الزمان كيف تنظرون إلى تلك التجربة؟
المهندس يحي أحمد الوقف: أعتبرها تجربة هامة بالنسبة لي شخصيا وبالنسبة كذلك للبلد. وكانت تجربة صعبة لأننا - نحن المسؤولين- عارضنا انقلابا عسكريا فتعرضنا للضغوط والسجن وتشويه السمعة، وهذا أمر طبيعي، لأنه لم يأت نظام بانقلاب إلا وشوه النظام الذي كان قبله ولا أدل على ذلك من نظام الرمز والقدوة المختار ولد داداه عليه رحمة الله.
لقد شكلت الجبهة معارضة حقيقية بين أطر كانوا يعملون داخل الإدارة وأحزاب سياسية معارضة عارضت مختلف الأنظمة السابقة، فلأول مرة يفشل انقلاب عسكري رمزيا فيستقيل المنقلب رمزيا ويعود الرئيس رمزيا ليتم تشكيل حكومة وحدة وطنية.
يمكن القول إنه ثم الاحتيال على التجربة بطرق معروفة من منفذ الانقلاب، لكن ظلت المعارضة قوية طيلة عشر سنوات، وأرجو أن يستفيد النظام الحالي من تلك التجربة السياسية وقد دعمناه آنذاك على أمل الاستفادة من التجربة، و نسعى أن لا نعود لمثل تلك التجربة.
موقع الفكر: كيف تقومون أداء حكومكتم أيام الرئيس الأسبق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله رحمه الله؟
المهندس يحي أحمد الوقف: كما قلت سابقا إنها بدأت بتشخيص الواقع وحددت أولوياتها وعبأت الموارد بالتعاون مع الشركاء، لكنها أسقطت بعد قليل من تنصيبها، لأن دورة المشاريع ما بين 18 إلى 34 شهرا، من فكرته إلى دراسته إلى تهيئته فتنفيذه، وحكومته لم تعش أكثر من سنة في السلطة يمكنها أن تهيئ المشاريع لكنها لن تشهد تنفيذها.
موقع الفكر:هل تتوقعون أن يكون هناك حوار جاد بين الأغلبية والمعارضة؟
المهندس يحي أحمد الوقف: هناك تشاور بدأ بالفعل ونرجو أن يصل مسودة توافقية بين مختلف الأطراف ومنذ زمن نعتبر أن الحوار يجب أن تهيأ له الأرضية المناسبة قبل حدوثه كي لا يكون حوارا كرنفاليا، بل نريد حوارا جادا يفضي في النهاية إلى تفاهمات في مجالات هامة كالوحدة الوطنية ومحاربة العبودية وتطوير آليات الانتخاب.
موقع الفكر: بناء على تجربتكم كيف ترون المستقبل وهل من كلمة أخيرة؟
المهندس يحي أحمد الوقف: أنا متفائل وأعتبر أن الموارد وإن كانت ضرورية ليست كافية وحدها الحكامة هي الأهم .
وهناك آفاق واعدة في الموارد لكن عوائق كبيرة في التعليم والتكوين المهني وعلى المستوى الاجتماعي وعلى مستوى العقليات ونرجو أن نستغل المعادن والمحروقات استغلالا جيدا ونرجو لحكامة رشيدة حقا،
أن نتوجه إلى الحكامة الرشيدة،، ويجب التوجه إلى المواطن أولا، فأي حكم يريد الإصلاح لا يمكن إلا أن يتوجه إلى المجتمع وإلا فشل في مهمته.