تشتهر الهند بأنها أرض الرياضيات، فمنها وعليها عرفت الرياضيات والأرقام، ومنها خرج ويخرج إلى اليوم الكثير من عباقرة الرياضيات والبرمجة، ورغم ذلك عرف أيضا عن الهند أنها أرض يعبد فيها البقر!، وعرف عن الصين أنها أرض الفلسفة الشرقية، ورغم ذلك عرف أيضا أن أهلها يعبدون كل شيء مثلما يأكلون كل شيء!، فلم تغن عنهم فلسفتهم شيئا في العقيدة حين استطاع تمثال من الحجر صنعه إنسان أن يقنعهم بأنه خلقهم!
ونفس الأمر ينطبق على اليابان التي يدعي البعض اليوم أنهم أذكى شعوب الأرض، لكن أذكى شعوب الأرض يعبد الكثير منهم إلى الأن ما نستحي "ذكره" هنا! لست هنا في وارد مناقشة عبادة هؤلاء البشر، لكني هنا لطرح جدلية أعم وأوسع ألا وهي: لماذا يؤمن الكثير من الناس الأذكياء و"المنطقيين" بعقائد لا تمت إلى المنطق بأي صلة؟، لماذا يفصل الإنسان بين الذكاء وبين العقيدة؟، لماذا يحتكم الإنسان في العقائد إلى منطق يختلف عن المنطق الذي يستخدمه في العلوم مثلا؟، وهل يُخضع الناس عقائدهم الدينة لمحاكمات منطقية مثلما يخضعون تجاربهم الحياتية والعلمية؟
عالم رياضيات مشهور تدين له البشرية بفضله في اكتشاف أهم وأعقد النظريات الرياضية والتي قادت بشكل مباشر وغير مباشر إلى اكتشاف البرمجة وتطور علم الحاسوب، ثم تجده فجأة يقف أمام بقرة يتمسح بذيلها ويمرغ ملابسه بروثها! كيف استطاعت هذه البقرة أن تقنع هذا العبقري بأن يعبدها؟ ما هي "المعجزة" التي اقنعت بها البقرة هذا العالم حتى جعلته يعبدها بل وأن يكون على استعداد لقتل كل من يمس قداستها (قبل أيام قتل الهندوس رجلا مسلما لأنه سَخِر من بقرتهم وهي حادثة تتكرر بكثرة دون أن ينتقد الهندوس أحد أو يدافع عن المسلمين أحد!)، هل أرسلت البقرة لعبيدها مبعوثا أو رسولا ليدلهم عليها؟
إن كان السؤال عن الأسباب التي جعلت البعض يعبد البقرة وهي بهذا التهافت المنطقي، فإن السؤال عن عدم تفنيد البعض لهذه العبادة وعدم توجيه سهام نقدهم نحوها لهو أشد غرابة!
وإن كان أول وأهم فلسفة سيطرت على عقول البشر (ومنهم الهنود) منذ القدم هي فلسفة الخلود، وإن الرغبة في التحول إلى ألهة (كما في قصة كلكامش) منبعها الأساس هو البحث عن الخلود، فهل كانت أقصى أماني الهندوس هو التحول إلى "بقرة" مثلما كانت أقصى أماني اليونانيين هو التحول إلى ألهة؟! ولماذا لم يقل أحد للهندوس أن إلهكم البقرة هذه ستموت اليوم أو غدا، فلماذا تعبدون إلها يموت قبلكم وأهم ميزات الألهة هي الخلود؟. ثم.. من عادة كل عابد أن يدعوا معبوده، فماذا يطلب الهندوس من البقر في أدعيتهم يا ترى؟، هل سبق لبقرة أن استجابت لدعوة من يعبدها؟ هل سبق لبقرة أن زوجت إحدى النساء أو حولت عقيما إلى والد أو منحت المريض الشفاء؟، هل كان (أو ما يزال) قادة الدول والشعوب التي تعبد البقر يدعون تلك الأبقار لنصرهم في معاركهم التاريخية؟
في تاريخ الأديان السماوية، استطاع النبي موسى أن يأتي بمعجزة أذهلت حتى السحرة الذين كانوا يحاربونه، وشق البحر وأغرق أطغى فراعنتهم، ورغم ذلك لم يؤمن به حتى من حضر تلك المعاجز وشاهدها عيانا. وأوتي النبي سليمان من المعاجز ما لم يؤته نبي من قبل ولا من بعد، فسُخرت له الرياح وكلم الحيوانات وتحكم بالجن وطار في الهواء، ورغم ذلك لم يؤمن الكثير من البشر به لا بنبوته ولا بالرب الذي بعثه!، واستطاع النبي عيسى ان يحيي الموتى بأذن ربه، وأن يخلق من الطين طيورا حية، وأن يبرئ الأعمى والأبرص، بل لقد تكلم هذا الفتى حتى وهو رضيع، ورغم ذلك لم يؤمن الناس بنبوته!
وجاء النبي محمد بمعجزة القران التي ما زالت تتحدى البشرية بأن يأتوا آية واحدة من عشر كلمات مثلها وتحداهم أن يجدوا فيه خطأ واحدا منطقيا أو لغويا أو علميا، أكثر من ستة آلاف آية ورغم ذلك لم تجد البشرية فيها خطأ يدحضوا فيه معجزة محمد ويثبتوا فشله، ورغم هذه المعجزة الشاخصة إلى اليوم بيننا، ورغم ذلك كانت وما زالت الكثير الناس لا تؤمن بنبوة محمد وتكفر به وبالقران!، فكيف اذن آمن الكثير من الناس بعبادة البقرة وهي لم ترسل لهم رسالة وليس لديها معجزة بل وتموت وتأكل وتتغوط، بل وتعجز ان تدفع عن نفسها أسراب الذباب المحتشد على أنفها "المقدس"؟!
ولئن كان السؤال عن الأسباب التي جعلت البعض يعبد البقرة وهي بهذا التهافت المنطقي، فإن السؤال عن عدم تفنيد البعض لهذه العبادة وعدم توجيه سهام نقدهم نحوها لهو أشد غرابة!، فالمطلع على جدلية الإيمان والإلحاد يجد هنالك العشرات بل الآلاف من الخبراء والعلماء والتقنيين والأدباء يبذلون الكثير من الجهد والوقت للطعن بوجود الله، وتكذيب دعوات الأنبياء والتشكيك برسالات الرسل والسخرية من معجزاتهم، تارة باسم العلم وتارة باسم المنطق وتارة باسم المادة وتارة باسم الحقيقة، بينما لا يبذل أولئك عشر معشار هذا الوقت للطعن بربوبية البقر وقدسية عند الملايين من البشر؟!
فإن كان إحجام أولئك عن الطعن بعُبّاد البقر والحجر بحجة حرية الدين والمعتقد، فالمسلمون أولى بأن تعاملونهم تحت نفس البند، فتحترموا عبادة المسلمين وتمتنعوا عن تسفيههم والطعن بهم بل وقتلهم بسبب دينهم وملبسهم ومعتقدهم. وأما إن كان سبب تسخير كل جهدكم للطعن بالمسلمين فقط بحجة أن الإسلام يتنافى مع العقل والمنطق العلمي، فعقيدة عبيد البقر أولى بأن ترمى عليها حججكم العقلية والمنطقية والمادية هذه، فمن يعبد إلها أرسل رسلا بمعجزات منظورة وعقلية، أكثر منطقية ممن يعبد بقرة ستموت بين يديه بعد أيام، أو يعبد صنما صنعه هو بنفسه قبل أيام!
وأما إن كانت حجتكم في تسخير كل جهودكم العقلية والبدنية ضد المسلمين بحجة عددهم الكبير، فإن عدد من يعبدون البقر والحجر في الصين والهند أكثر من عدد المسلمين في أصقاع الأرض بمرتين!،وبالتالي فإن هؤلاء أولى بطعونكم ونصائحكم إن كنتم لنشر نظرياتكم تسعون!، وأما إن كان السبب في تسخير كل حرابكم اللسانية والقلمية و"الصاروخية" نحو المسلمين فقط، وإغفال باقي الديانات السماوية والأرضية و"البقرية" هو لاعتقادكم الضمني والعلني بأن الإسلام هو أكثر الأديان قوة منطقية وأقلها خرافة عقلية وأكثرها رسوخا في الحجة والدليل لذلك كان وما زال يشكل أكبر تهديد جوهري عليكم، على خلاف باقي الأديان والمذاهب والأعراف، فحينها لا نملك سوى ان نقول لكم: إذن اسعوا في طريق حربكم بلا هوادة، فللإسلام رب يحميه.
نقلا عن الجزيرة نت