يحيل لفظ "الدكتور" في ثقافتنا القديمة إلى الطبيب، ولا يزال ذلك الاستخدام قائما وآخره سؤال متدخلة في برنامج إذاعي للدكتور إدريسا كوريرا عن علاج بعض أمراض المعدة فما كان منه إلا أن رفض الإجابة وتحت إلحاح الصحفي قال الدكتور "أنا حامل شهادة دكتوراه وجئت لأتكلم في السياسة ومظاهر الفساد وليست أمراض المعدة موضوعي ولا تخصصي"
وقد يكون في الأمر مقلب أو قصد فكاهي إلا أن ذلك لا يمنع من التنويه بفعل الدكتور الذي أبى أن يجرفه سيل التمييع الذي يجعلنا نتكلم في كل موضوع ولو كان بيننا وبينه بعد المشرقين؛ وبما أن الأمر يُذكر للأمر فقد اتصلت بي إدارة البرامج في الإذاعة الوطنية منذُ سنوات وطلبت مني أن أُحاضر في روضة الصيام بدل الفقيه الذي شغلته شواغل عن الحضور! سألت المتصل هل أنت متأكد من الرقم الذي اتصلت عليه؟ قال: أجل، أليس هذا رقم فلان؟ قلت بلى، ولكني لست فقيها ولا قريبا من ذلك فابحث عن غيري لهذه المهمة، ويبدو أن المتصل لم يفقد الأمل في استجلابي إلى المحاضرة فجرب معي خطة أُخرى إذ أعاد الاتصال مستسمنا ورمي وذاكرا إلمامي ببعض ما يكون في المحاظر من مطارحات أدبية وعلمية زعم أنه سمعني مرارا أتحدث عنها عبر الأثير، وما نشب أن عرض علي أن أحضر إلى المسجد وأقوم بعرض عن الموضوع على أن يحجب المقدم الأسئلة حتى لا تختل البرمجة ولا يقع الإحراج؛ ومرة أُخرى رفضت العرض مع أن في الحذلقة والتفيهق مندوحة لمن يتشبع بما لم يُعط.
ولقد تكرر معي نفس الأمر في المعهد العالي منذُ فترة ليست بالقريبة حين أُسند لي الإشراف على طالببن يحضران الليصانص في الفقه وكانت حجة رفضي للإشراف أن مجال الفقه ليس مجالي ولا آمن أن يدس لي الطالب قولا منكرا لا أملك آلية التحقق منه وإن كانت المنهجية لب الإشراف وأساسه؛ ولعلها المرة الأُولى التي يعرض فيها أُستاذ من بني غبراء عن عن مسألة مرجوة النفع ماديا ومعنويا أو هكذا قال بعض زملائي.
والحق أن الأمر واسع وخوضه ممكن بالنسبة لي ولم أكن بتملصي منه أُعدي عن جناح مهيض إلا أنني أُحب أن يقدم المرء نفسه للناس بدون رتوش وبدون طلاء خادع يسقط عند أول اختبار.