بعد معاناته من أسوأ تباطؤ في النمو منذ الحرب العالمية الثانية، يستعد الاقتصاد العالمي لانتعاش لم يشهده منذ عام 2017، حيث من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الأمريكي معدل نمو لم يتم تحقيقه منذ ذروة منتصف الثمانينيات، وسينعكس هذا النمو على العديد من دول العالم لتشهد اقتصادات هذه الدول تحسينات كبيرة بعد الانكماش الذي عرفته 2020 والناجم عن تفشي فيروس كورونا.
ويشير تقرير لمؤسسة مورغان ستانلي نشر شهر ديسمبر الماضي إلى أن اقتصادات العالم بدأت تنتعش تدريجيا وبشكل متزامن، حيث يتسارع النمو في كل من الأسواق المتقدمة والأسواق الناشئة.
ويتوقع البنك زيادة بنسبة 6.4% في الناتج المحلي الإجمالي العالمي هذا العام، حيث يتوقع وصول معدل النمو في الولايات المتحدة 5.9%، في حين تصل نسبة هذا النمو 5% في منطقة اليورو، و 5.3% في المملكة المتحدة، و 2.4% في اليابان، بينما تصل في الصين 9% والهند 9.8%.
وتعد مستويات النمو الجديد جيدة مقارنة بالمستوى الذي انهار به الاقتصاد العالمي قبل عام، نتيجة إغلاق العديد من البلدان بشكل أساسي في الربع الثاني مع تفشي فيروس كورونا عبر القارات.
وقال غولدمان ساكس في يناير: أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني أصبح سلبيا لكل دولة من 37 دولة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، وبشكل أوسع 86% من حوالي 200 دولة، أصدر صندوق النقد الدولي تحديثات لها من المتوقع أن تشهد تراجعا في إجمالي الناتج المحلي في عام 2020.
فيروس كورونا ترك آثارا سلبية على الاقتصاد العالمي ستبقى فترة من الزمن، فاعتبارا من فبراير، لا يزال حوالي 10 مليون أمريكي عاطلين عن العمل، وانخفضت مشاركة المرأة في القوى العاملة نقطتين مئويتين من فبراير 2020 إلى فبراير 2021، وفي الوقت نفسه، أفاد مركز بيو للأبحاث في مارس أن الطبقة الوسطى العالمية خسرت 54 مليونا على الأرجح، في حين نمت صفوف الفقراء بمقدار 131 مليون بسبب الوباء.
وبالرغم من هذه المعطيات، فإنه من المرجح أن تكون سرعة الانتعاش مساوية لسرعة التراجع، حسب ما أشار إليه تقرير جولدمان ساكس، حيث سجلت كل دولة من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إجمالي الناتج المحلي الإيجابي في الربع الثالث.
لم يكن الركود الناجم عن جائحة كورونا طبيعيا
هناك سببان وراء هذا الطرح، أحدهما أن الركود الذي أحدثه فيروس كورونا لم يكن أزمة مالية أو نتيجة اختلالات اقتصادية، كما كان الحال في العديد من فترات الركود السابقة.
والآخر هو النطاق الهائل للرد الحكومي الذي لم يسبق له مثيل على الصعيد العالمي، حيث بلغ إجمالي التحفيز النقدي والمالي- بدءا من قيام البنوك المركزية بخفض أسعار الفائدة إلى مستويات قريبة من الصفر، وضخ السيولة في اقتصاداتها من خلال شراء الأوراق المالية الحكومية إلى تريليونات الدولارات من المدفوعات المباشرة المقدمة للمقيمين - 21 تريليون دولار العام الماضي، وفقا لـ تقرير مؤسسة كولدمان ساكس، وهو ما يساوي تقريبا إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم.
التصورات الاقتصادية لجائحة كورونا
خلال شهر أبريل، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 6% من تقديراته السابقة البالغة 5.5 % الصادرة في شهر يناير.
وقالت جيتا جوبيناث، كبيرة الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، في إفادة مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي:
"حتى مع عدم اليقين بشأن مسار الوباء، هناك طريقة للخروج من هذه الأزمة الصحية والاقتصادية واضحة للعيان، وما نراه هو انتعاش متعدد السرعة في جميع أنحاء العالم".
وأشار جوبيناث إلى أن التوقعات الأكثر تفاؤلا هي إلى حد كبير نتيجة تحسن النتائج بالنسبة للاقتصادات الأكثر تقدما في العالم، مشيرة إلى أن "حالات التعافي تتباين" بين البلدان.
اختلاف مستويات التعافي سيخلق اقتصادات متباينة
في حين أن معظم الاقتصادات ستعود إلى مستويات ما قبل الوباء هذا العام أو بحلول أوائل عام 2022، فإن المكاسب ستتوزع بشكل غير متساو.
في هذا الصدد كتب باريت كوبليان كبير الاقتصاديين في برايس ووترهاوس كوبرز في يناير الماضي: في أحد الأقطاب يوجد الاقتصاد الصيني، وهو بالفعل أكبر مقارنة بحجمه قبل الوباء.
من ناحية أخرى، توجد اقتصادات متقدمة في الغالب إما قائمة على الخدمات كالمملكة المتحدة وفرنسا وإسبانيا، أو تركز بشكل أكبر على تصدير السلع كألمانيا واليابان فمن غير المرجح أن تتعافى إلى مستويات ما قبل الأزمة بحلول نهاية عام.
على الرغم من أن معظم الاقتصادات المتقدمة لجأت إلى التحفيز المالي والائتمان السهل لوقف آثار فيروس كورونا، إلا أن الطبيعة الخاصة للسيات الاجتماعية لبعض البلدان اعطت نتائج متباينة.
ففي الولايات المتحدة، حيث أسواق العمل الأكثر مرونة، شعر العمال بالكثير من الألم حيث وصلت البطالة إلى مستوى قياسي بلغ 14.8% في أبريل الماضي، وأصبح ذلك محور التركيز الرئيسي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي والكونغرس.
تفاؤل متفاوت بين خبراء المالية في دول العالم
قالت جوليا فريدلاندر، نائبة مدير مركز جيو إيكونوميكس الشهر الماضي، إن المرونة في الإنتاج والتوظيف، تتطلب من الولايات المتحدة أن تنفق بقوة لدعم سوق العمل.
ويحاول الرئيس جو بايدن جعل الولايات المتحدة تمتلك شبكة أمان اجتماعي أكثر قوة - بما في ذلك الائتمان الضريبي للأطفال الموسع في خطة الإنقاذ الأمريكية الخاصة به ومقترحات مثل كلية المجتمع المجانية ورياض الأطفال الشاملة وبرنامج إجازة مدفوعة الأجر في وقت لاحق من العام الحالي.
بعد أربع سنوات من تراجع الولايات المتحدة عن المستوى العالمي وحتى انسحابها من المنظمات العالمية الرئيسية، قال جولدمان ساكس إن أحد الأهداف الكبري لعام 2021 هو التفوق الاقتصادي للولايات المتحدة، وسيكون هذا التوجه مدعوم بالقوة الاقتصادية، والموارد الطبيعية الوفيرة، ومزايا رأس المال البشري، وقطاع الشركات الخاصة ذات النشاط المبتكر والفعال.
ما الذي يمكن أن يحدث؟
كما هو الحال دائما تكثر المخاوف الجيوسياسية مع تزايد الصعود الصيني عسكريا واقتصاديا، وتوتر العلاقات بين اللاعبين الرئيسيين، مثل العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، وهي أمور يمكن أن تزعزع استقرار الأسواق.
التضخم أيضا، على الرغم من أفضل التوقعات للخبراء، يمكن أن يفاجئ اقتصادات العالم، كما أن هناك دائما احتمال اشتعال فيروس آخر، أو ظهور سلالة جديدة من كوفيد 19.
ومع ذلك، ونظرا لبعض التقييمات الأكثر تشاؤما حول تأثير الفيروس على الاقتصاد التي ظهرت في وقت مبكر، فإن عام 2021 يبدو أفضل بكثير من عام 2020.