لا يخفي على أحد اليوم ان اهم أسباب تعثر المشاريع يعود لعدم اهتمام بعض أصحاب الشأن أحيانا بمرحلة التخطيط والزبونية في اختيار طاقم التسيير، لذلك قرر أحد وزراء الزراعة تكوين لجنة من الخبراء لمساعدة إدارة التخطيط والبرمجة المعينة بتحضير المشاريع، وقد كان لي الشرف ان أكون أحد أعضاء تلك اللجنة وقد باشرنا بالفعل مواكبة عملية تحضير أحد المشاريع الكبرى وقد تم اطلاقه بفضل الله.
لم تصمد اللجنة كما هو متوقع، فمجيئ وزير جديد ادخلها في موت سريري نظرا لعدم تكليفها بعمل جديد، خصوصا انها لا تتلقي مستحقات نظير عملها، وأصبحت الإدارة المعنية تعاني من الضغط الشديد نتيجة حجم وتشعب المهام المسندة لها.
دعوة لمد يد المساعدة
تلقيت اتصالا هاتفيا من مدير إدارة التخطيط ،بضرورة المجيء للإدارة لنقاش موضوع هام وخلال الاجتماع حمل الي رسالة من الوزير يطلب مني مساعدة الإدارة في عملية التحضير لإطلاق مشروع لتمويل إضافي لصالح وزارة الزراعة، بغلاف مالي من البنك الدولي قدره 28 مليون دولار، ستسيره خلية تنسيق مرتبطة بمشروع PRAPS2 واكد ان الوزير يعطي عناية خاصة لهذا التمويل ويحرص علي سرعة الولوج وحسن التخطيط والتنفيذ، لذلك اختارني بعد تزكية من المدير للتنسيق مع مشروع PRAPS2كممثل لوزارة الزراعة باعتبار ان وزارة الوصاية ل PRAPS2 هي التنمية الحيوانية، واكد ان الوزير سيكافئ جهودي وينصفني.
قمت خلال أشهر قمت وبدعم من طاقم فعاًل ومتفان من إدارة التخطيط وبالتنسيق الكامل مع PRAPS2 للتحضير لانطلاقة التمويل الإضافي، حيث تمت الاستجابة لكافة شروط وملاحظات البنك الدولي وتم انجاز كل المتطلبات الفنية الضرورية لعملية انطلاقة المشروع وأصبح التمويل جاهزا، بل تم تحديد المواصفات الفنية الضرورية لعمليات الاقتناء المختلفة المقررة، مما مكن من اعلان عديد المناقصات.
جزاء سنمار
كان من المقرر ان تُسير التمويل الإضافي وحدة تنسيق تتكون من مسؤولين يتم تعينهما وأربعة خبراء يتم اكتتابهم وكنت أتوقع في اسوء الحالات ان أكون المسؤول الثاني باعتباره يحمل طابعا فنيا، لكن علمت لاحقا ان الوزير وقع مذكرة تعيين تتجاهلني، وهنا قررت المشاركة في الاكتتاب لاحد الخبراء باعتبار انه يتوافق مع سيرتي المهنية ويفترض ان يكون بمعايير شفافة، وتم اختياري ضمن ثلاثة مرشحين، لكن اخبرت لاحقا ان ضغوطا كبيرة مورست لإقصائي.
خلال مسيرتي المهنية تم تعيين خمسة مدراء، في مؤسسة كنت اعمل فيها، كلهم اقل مني خبرة، ومع ذلك حافظت على وقاري واحترام زملائي ومؤسستي، وخلال عقد من الزمن تناولت قضايا وطنية عديدة بالنقد والتوجيه، مما عرضني للمضايقة والاقصاء، لكن لم أكن أتوقع ان يدفعني الظلم يوما الي التقزم والتحول من حمل الهم الوطني الي حمل الهم الشخصي.
لا شك أنى فكرت كثيرا في الهجرة، لكن بعض الموانع لا زالت تحول دون التنفيذ، فقد استلهمت من الثقافة الأنجلو سكسونية كره تمثيل دور الضحية، ومن كروية الأرض ضرورة المواجهة او المناورة فلا زوايا للاختباء، ولأني أشفق على من اختار بمحض ارادته ان يكون عبدا لنزوات غيره وتمرير وتبرير حماقاته، ولأني تعلمت من قوانيين الحياة البرية، ان لا استهجن سلوكا لمعتد، إذا كان ذلك من صميم طبائعه، فالحية طبعها اللدغ والعقرب طبعها اللسع، وفي انتظار اتخاذ القرار يبقي السؤال المطروح: هل في الحائط ثغرة لمن لا يقوي على الصعود؟